سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين

 

كتب _ اشرف المهندس

ويتجدد بنا اللقاء الايمانى مع فضيلة الشيخ الدكتور / اسماعيل أحمد اسماعيل مرشدى امام وخطيب مسجد الفحام ومديرية اوقاف الاسكندرية

هذه أحد صور عظمة الإسلام في واقعيته وعالميته، فقد قضى الله سبحانه وتعالى وقدر أن لا يؤمن أهل الأرض كلهم وله الحكمة التامة في ذلك والحجة البالغة، قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (1) ، وقال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} ، وقال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}. ولا يتصور مع بقاء الكفر على الأرض، ومع وجوب تبليغ الدعوة إلى الناس كلهم لا يتصور مع ذلك أن ينعزل المجتمع المسلم عن غيره من المجتمعات، ولذلك فإن التشريع الإسلامي نظم علاقة المسلم مع غيره من بني جنسه أفرادا ومجتمعات ووضع الضوابط الكاملة في ذلك داخل المجتمع الإسلامي وخارجه. وهذا البحث يسعى إلى بيان سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين بمختلف أصنافهم ودياناتهم من أهل الكتاب وغيرهم وذلك من خلال الوقوف على هدي القرآن والسنة في ذلك والتطبيق العملي في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرة السلف الصالح من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان، وهذه السماحة أخضعت أعناق الباحثين من غير المسلمين ليسجلوا شهاداتهم بأن لا مثيل لحضارة الإسلام في معاملة مخالفيه

يتحدد مفهوم السماحة من خلال معرفة مدلولها اللغوي حيث ذكر ابن فارس في معجم مقاييس اللغة أن السين والميم والحاء أصل صحيح يدل على سلاسة وسهولة. والمسامحة: المساهلة . وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: «أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة». قال ابن حجر: السمحة: السهلة، أي أنها مبنية على السهولة. والسماحة تشمل أصول الدين وفروعه وصورها لا تحصر، فعقيدة الإسلام سمحة وشريعته سمحة، وتمتد صور السماحة إلى المعاملة، قال صلى الله عليه وسلم: «رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى» ، وبوب البخاري رحمه الله للسماحة في هذا الحديث بالسهولة فقال: باب السهولة والسماحة في الشراء والبيع، قال ابن حجر: “وفي الحديث: الحث على السماحة في المعاملة واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاحة والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة وأخذ العفو منهم “السماحة لا تعني التساهل دون ضابط شرعي يحكمها فهي مرتبطة بالنص وعندما يخلط بعضهم بينها وبين التساهل المذموم فقد يعيب بعض على الآخر ظنا منهم أن في السماحة تفريطا بأصل الدين، إن فهم مدلول السماحة وأنها تعني السهولة والمسامحة والمساهلة لا يعني بحال التفريط في شيء من أصول الدين أو فروعه، كما أن التفريط في فهم سماحة الإسلام وتطبيقها قد يفضي إلى التشديد والتنفير من هذا الدين وقد قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} ، وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: «هلك المتنطعون» ، قالها ثلاثا، والمتنطعون: المتشددون في غير موضع التشديد. فهذا الدين جاء ليضع الآصار والأغلال التي كانت على الأمم السابقة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالتيسير وينهى عن التعسير. والسماحة لا تعني الضعف والإسلام يأبى الضيم ويرفض لأتباعه الذل والهوان والمؤمن عزيز بإيمانه وإسلامه قوي بهما، ومن يظنون السماحة والصفح والحلم والعفو ضعفا لا يدركون عظمة هذا الدين. والسماحة كبقية المعاني العظيمة التي جاء بها الإسلام كالوسطية والتيسير والعدل والعفو والصفح وغير ذلك لها ضابطها الشرعي الذي إن حادت عنه كانت عقبة كئودا في فهم طبيعة الإسلام.

أهمية السماحة في الإسلام

كان بناء دين الإسلام منذ ظهوره على اليسر قال صلى الله عليه وسلم: «إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه» . وفي هذا الدين من السماحة والسهولة ومن اليسر والرحمة ما يتوافق مع عالميته وخلوده وهو ما يجعله صالحا لكل زمان ومكان لسائر الأمم والشعوب، فالسماحة تتواءم مع عالمية الإسلام، وخطاب الدعوة في القرآن والسنة يؤكد ذلك حيث جاءت النصوص تدعو الناس أن ينضموا تحت لواء واحد وأن يتنافسوا على معيار الإسلام الخالد وهو التقوى قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. لقد جاء الإسلام في فترة جاهلية أهدرت كرامة الإنسان وحريته فأعاد الإسلام بناء الإنسان من جديد ونظم علاقته بربه وعلاقته بالآخرين. ولقد وضع الإسلام الضوابط الكاملة لجميع ميادين الحياة في علاقة المرء بربه وفي علاقته ببني جنسه وفي علاقته بسائر المخلوقات، وجاءت جميع هذه الضوابط متوافقة مع فطرة الإنسان وعقله، فيها من التيسير والسماحة والمرونة، وهذه من خصائص الإسلام العظيمة التي ترتبط بأصل هذا الدين ولا يعيق تطبيقها عائق ففي أوج قوة المسلمين كانت السماحة شعارا لهذا الدين وصور ذلك لا تحصر رحمته صلى الله عليه وسلم بالخلق عامة وهو الذي قال الله عز وجل عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} ، فكان صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة إلى الخلق كلهم، وحث على العطف على الناس ورحمتهم فقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا يرحم الله من لا يرحم الناس» ، وكلمة الناس هنا تشمل كل أحد من الناس، دون اعتبار لجنسهم أو دينهم وجاءت النصوص في باب الرحمة مطلقة، وقد ساق البخاري في باب رحمة الناس والبهائم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم غرس غرسا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة» ، فدين الإسلام دين السماحة والرحمة يسع الناس كلهم ويغمرهم بالرحمة والإحسان.

تجاوزه عن مخالفيه ممن ناصبوا له العداء فقد كانت سماحته يوم الفتح غاية ما يمكن أن يصل إليه صفح البشر وعفوهم فكان موقفه ممن كانوا حربا على الدعوة ولم يضعوا سيوفهم بعد عن حربها أن قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».دعاؤه صلى الله عليه وسلم لمخالفيه من غير المسلمين فقد قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه فقالوا: «يا رسول الله إن دوسا قد كفرت وأبت فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس – ظنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رفع يديه للدعاء عليها – فقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اهد دوسا وائت بهم)

وصلي اللهم وسلم علي سيدنا محمد

Related posts

Leave a Comment