دكتور عبدالرحمن الوليلي يكتب:
(التكريم الأعظم للنبي الأكرم)
فضَّل الله عز وجل نبيه ومصطفاه محمدًا صلى الله عليه وسلم على سائر الخلق، بل على غيره من إخوانه من الأنبياء بالعديد من الفضائل والخصائص كما قال عز وجل: “تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ”، ومن ذلك على سبيل الذكر لا على سبيل الحصر قوله صلى الله عليه وسلم: “فُضِّلْتُ على الأنبياءِ بسِتٍّ: أُعطيتُ جوامعَ الكلِمِ، ونُصِرْتُ بالرُّعبِ، وأُحِلَّتْ لي الغنائمُ، وجُعِلت ليَ الأرضُ طَهورًا ومسجدًا، وأُرسِلْتُ إلى الخَلقِ كافَّةً، وخُتِم بيَ النَّبيُّونَ”. وقوله صلى الله عليه وسلم: “أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر، وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر، وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر، ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ”. ومن ذلك اختصاصه بالشفاعة العظمى يوم القيامة، وأنَّه أول من يحرك حِلّق الجنة، وقسم الله عز وجل بحياته صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: “ما خلق الله تعالى، وما ذرأ، وما برأ نفسًا -أكرم عليه من محمد-، وما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره”. حيث قال عز وجل: “لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ”. وندائه للأنبياء بأسمائهم المجردة عداه صلى الله عليه وسلم فناداه بقوله: “يَا أَيُّهَا النَّبي”، “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ”.
ومع ذلك يبقى من أعظمِ التكريمات، بل إن شئت قل: أعظمُ التكريمات، ذلكم التكريم المتضمَّن في قول الله عز وجل: “إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا”. فكما قال ابن كثير: والمقصود من هذه الآية، أنَّ الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى، بأنه يُثني عليه عند الملائكة المقربين، وأن الملائكة تصلي عليه. ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعًا. قال القرطبي: هذه الآية شرَّف الله بها رسوله عليه السلام حياته وموته، وذكر منزلته منه، وطهَّر بها سوء فعل من استصحب في جهته فكرة سوء، أو في أمر زوجاته ونحو ذلك. قال السعدي: وهذا فيه تنبيه على كمال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، ورفعة درجته، وعلو منزلته عند اللّه وعند خلقه، ورفْعِ ذِكْرِه.
فهذا التكريم والتشريف من الله عز وجل لسيد البشر صلى الله عليه وسلم يفوق كل تكريمٍ وكل تشريف، بل يفوق تكريمه لأبي البشر وأول الأنبياء آدم عليه السلام حين أمر الملائكة بالسجود له!. قال أهل العلم: هذا التشريف الذي شرَّف الله تعالى به نبينا صلى الله عليه وسلم، أبلغ وأتمُّ من تشريف آدم عليه السلام بأمر الملائكة بالسجود له، لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة في ذلك التشريف، وقد أخبر الله عن نفسه بالصلاة على النبي، ثم عن الملائكة بالصلاة عليه، فتشريفٌ صَدَرَ عنه أبلغ من تشريفٍ تختص به الملائكة. فالله صلَّى عليه، وأمر ملائكته أن يصلوا عليه، وتعبد جميع خلقه بالصلاة عليه إلى يوم القيامة، فلا يصلي عليه أحد في حياته ولا بعد وفاته صلاةً إلا صلى الله عليه بها عشرًا، وأعطاه من الحسنات عشرًا، ومحا عنه من السيئات عشرًا، ورفعه من الدرجات عشرًا، ولا يُصلِّي عليه أحد بعد وفاته إلا وهو يعلم بذلك، ويرد عليه. ثم إنَّ تكريم آدم عليه السلام بسجود الملائكة كان مرة “فَسَجَدُوا”، أما تكريم النبي صلى الله عليه وسلم فهو دائمٌ مستمر “يُصَلُّون”. وصلاة الله الثناء، وصلاة الملائكة الاستغفار والدعاء، قال السعدي في قول الله عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا” أي: اقتداءً باللّه وملائكته، وجزاءً له على بعض حقوقه عليكم، وتكميلًا لإيمانكم، وتعظيمًا له صلى الله عليه وسلم، ومحبةً وإكرامًا، وزيادةً في حسناتكم، وتكفيرًا من سيئاتكم.
د. عبدالرحمن الوليلي
داعية إسلامي