كتب _اشرف المهندس
“وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين” وهيا بنا الى سلسلة اللقاءات الدينية لنتعلم ونتعظ من اهل العلم والقران وكبار المشايخ والدعاة من علماء الازهر الشريف … العلماء ورثة الأنبياء.. مع الدكتور / اسماعيل مرشدى امام وخطيب مسجد الفحام بالاسكندرية دائرة الجمرك
حول قول الله جل وعلا {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:146]،
إن الكبر هو أول أصول الخطايا، ومنبته في القلب، وهو شعور الإنسان بالترفع.كلمة تنخلع لها قلوب الجبابرة، وتذل لصاحبها سبحانه وبحمده الوجود، روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحداً منهما عذبته)، فالكبرياء رداء الله جل وعلا، خص به نفسه دون غيره؛ ولذلك كان كل من بلي بشيء من الكبر محروماً من فضل الله ورحمته، فإن الكبر سبب مانع من دخول الجنة، ففي صحيح الإمام مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، فالكبر ينافي حال المؤمن العابد؛ ولذلك لا يدخل الجنة من كان في قلبه أدنى ما يوزن من الكبر، هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان في قلبه مثقال)، يعني: أدنى ما يوزن من الكبر، فإذا بلي به قلب العبد كان ذلك حائلاً مانعاً له من دخول الجنة، حتى يطهر ما في قلبه.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1-القسم الأول: الكبر على الله، ولا ريب أن هذا هو الكفر المحض، بل هو أرفع درجات الكفر، وليس في درجات الكفر رفيع، لكن من باب التصنيف.
هذا الكبر ضرب الله فيه مثلاً على لسان النمرود لما قال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:258]، وعلى لسان فرعون لما قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، فهذان مثالان ذكرهما الله جل وعلا في كتابه الكريم لشخصيتين تأريخيتين كفرتا بالله، وكان كفرهما مرده إلى الكبر، كما قال فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ}
2-النوع الثاني: كبر على الرسل، وهذا كان شائعاً ذائعاً في سائر الأمم، وقد تناقلته الأمم ولو من غير أن يشعروا، وحتى لو لم يكن هناك اتصال حضاري بين تلك الأمم ولقد دل القرآن على أن ذلك القول كان ديدن كثير من الأمم في ردها لرسلها، قال الله جل وعلا مثلاً عن قوم فرعون أنهم قالوا في حق موسى وهارون: {أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} [المؤمنون:47]، ورغم أنه لا يوجد دليل على اتصال حضاري ما بين الحضارة الفرعونية القبطية القديمة وما بين الحضارة في جزيرة العرب إلا أن القرشيين في صدهم لنبينا صلى الله عليه وسلم قالوا نفس المقولة، قال الله جل وعلا عنهم أنهم قالوا: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31]، فهم ازدروا النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يروا أن النبي عليه الصلاة والسلام أهل لأن يستحق النبوة والرسالة، فأخذوا يقولون ما تمليه عليه أفكارهم وآراءهم المنبثقة من كبر في صدورهم، وأبو جهل صور هذا أعظم تصوير يوم أن قال: كنا وبني هاشم كفرسي رهان: أطعموا فأطعمنا، وسقوا فسقينا، حتى إذا جثونا على الركب قالوا: منا نبي، فإن أطعناهم كيف لنا بعد ذلك أن نلحق بهم؟ فالقضية قضية كبر في قلوبهم، والله جل وعلا قال: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} [غافر:56].
ويجتمع النوع الأول والنوع الثاني من الكبر أن كليهما كفر محض، ولا يمكن التروي في قضية الحكم عليهما بالكفر؛ لأن الأمور إذا كانت جلية واضحة ذات حقائق بينة فليس هناك مدعاة للتروي. (وما يروى في هذا أن إياس القاضي الشهير بذكائه عوتب ذات مرة أن فيه شيئاً من العجلة، لكنه كان يعتمد على أمور يراها بغير ما يراها الناس، فلما أكثر عليه اللائمون قال لأحد من يحضرون مجلسه: كم عدد أصابع يدك؟ فقال الرجل مباشرة وهو يجيب: خمس، فقال له إياس: لماذا أجبت عاجلاً ولم تترو؟ قال: سبحان الله، من يجهل أن أصابع يده خمس؟ فقال إياس محتجاً بهذا الجواب على هذا الرجل: فكذلك أنا ثمة أمور واضحة جلية لا أحتاج فيها إلى تأمل وترو.
3- الثالث: الكبر على الناس، وهو درجات, قد يصل أحياناً إلى الكفر المحض، وقد لا يصل، وهو الغالب.والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبر بطر الحق وغمط الناس)، فظلم الناس وازدراؤهم ومنعهم حقهم نوع من الكبر، ورد الحق نوع من الكبر، والله جل وعلا يقول: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:146]، فلو لم يكن في الكبر من آفة ومن عواقب وخيمة أعظم من أن يصرف العبد عن آيات الله والتأمل فيها لكفى بذلك عقوبة وخسراناً، أعوذ بالله من ذلك كله.
من طريف ما يروى في هذا المقام وهو طريف من جهة أن الحجاج قاله، وغير طريف في أنها عبارات قاسية جداً تنم عن جفاء وكبر، هذا الخبر مفاده أن الحجاج بن يوسف قال قبل أن يدخل الكوفة أو بعد أن دخلها: ثمة رجال أربعة لو أدركتهم لقتلتهم للكبر الذي في أنفسهم -وقائل هذا الحجاج ولهذا قلت: أن هذا الموضوع من هذا الجانب طريف- قيل له: من أيها الأمير؟ قال: إن أحدهم صعد المنبر فخطب خطبة بليغة، فقال له أحد الحاضرين: كثر الله من أمثالك -أي: عجباً وفرحاً وإعجاباً بخطبة هذا الرجل- فقال: لقد كلفت ربك شططاً، كأنه يقول: صعب على الله أن يخلق مثلي.وهذا والعياذ بالله كفر محض.وآخر جاءته امرأة وهو واقف على قارعة الطريق، وقد أضلت طريقها فجاءت تسأله -قبل أن تسأله كانت لا تعرفه وإن كان وجيهاً في قومه سيداً في رهطه- قالت له: يا عبد الله أين طريق كذا وكذا؟! قال: ألمثلي يقال: يا عبد الله؟! فهو استكبر أن ينادى بهذا اللفظ مع أن الناس كلهم عبيد مقهورون لله من حيث الجملة، يقول الله تعالى: {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} [النساء:172]، وحتى من يستنكف أن يكون عبداً لله هو عبد لله شاء أم أبى، قال الله جل وعلا: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} [مريم:93 – 95].آخر من ذكره الحجاج رجل ضاعت له ناقة، فأقسم بالله من جفائه وكفره وكبره لو لم يرد الله عليه ضالته ألا يصلي ولا يصوم، كأن الله محتاج إلى طاعته وعبادته.وهذه فتنة من الله له، ولما رد الله جل وعلا له ناقته التي ضلت، قال: لقد علم ربي أن يميني كانت عزماً، وهذا كفر محض.
ولذلك لما عين سلمان الفارسي رضي الله عنه في زمن عمر حاكماً على بلاد فارس التي جاء منها ودخل إلى المدائن عاصمة كسرى سابقاً، دخل وعليه ثوب قصير، فقال له رجل من بلاد فارس: يا حمال! قال: نعم، قال: احمل حزمة الحطب هذه، فحمل سلمان رضي الله عنه حزمة الحطب، فلما رأى الصحابة وهم يستقبلون سلمان ويقولون: مرحباً بالأمير، مرحباً بالأمير، أسقط في يد الرجل، قال سلمان: لا عليك أخا الإسلام، أنت قلت: احمل يا حمال، فأنا حملت فصرت حمالاً، قال الرجل: ضعها لكي أحملها وتعفو عني، قال: والله لن أضعها إلا في المكان الذي تريد أن أوصلها إليك فيه، سبحان الله! هذه خطوة عن نفسك، فأنت إن أردت أن تصل إلى الجنة وتقطع القنطرة التي بينك وبين الجنة فعليك أن تخطو خطوة عن نفسك.
من أسباب الهلاك: الإصرار على الكبر
أيضاً من أسباب الهلاك: الإصرار على الكبر والإصرار على التعالي والإصرار على ادعاء الفضل للنفس، يوسف عليه السلام لما عبر الرؤى للمساجين في السجن، وأثنوا على تعبيره والتفتوا إليه وأعجبوا به قال لهم: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف:37] لم يقل: معكم شخص محترم، أنتم معكم إنسان متخصص في تعبير الأحلام بالقدرة الخارقة والتنبؤات الصادقة: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف:37] {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:39] اعترف أن الفضل لله واشتغل بالدعوة إلى الله في السجن.
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:50] ما نسب النبي صلى الله عليه وسلم الهداية إلى نفسه أو قوته الذاتية أو قدراته الشخصية، قال: {إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:50] ولذلك فالمتكبرون من المصرين على الهلاك بالتكبر وغمط الناس.
أولاً نقول لكل متكبر: يا سعادة المتكبر! إذا ذهبت إلى دورة المياه ما الذي يخرج من جوفك؟ عسل مصفى، إن ذبابة النحل أطيب منك، يخرج من جوفها عسل: {شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ}
و الكبر من الأمور التي تمنع العبد من دخول الجنة
ومنهم من يحرم من دخول الجنة ابتداءً، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر)، فهؤلاء وإن كانوا موحدين إلا أن ما في قلوبهم من الكبر يمنعهم من دخول الجنة.
وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم كما ثبت أن عبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما التقيا عند المروة في مكة فتحدثا قليلاً ثم مضى عبد الله بن عمرو، فلما مضى بكى عبد الله بن عمر فقيل له: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن؟ قال: إن هذا -وأشار إلى عبد الله بن عمرو رضي الله عنه- أخبرني أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر كبه الله على وجهه في النار). فالكبر الذي في الصدور والعياذ بالله أعظم ما يحول بين العبد وبين دخول جنات النعيم، والمؤمن إذا عرف أن الله جل وعلا ذم الكبر وأهله، وأنه تبارك وتعالى أمر سيد الخلق وصفوة الرسل قائلاً: {وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الإسراء:37] تواضع كما أمره الله جل وعلا أن يتواضع؛ لأن الكبر والعياذ بالله يسوق العبد إلى كثير من المعاصي والإفساد في الأرض.
هناك رجل اسمه جبلة بن الأيهم، وكان آخر ملوك غسان من النصارى، وكان في الشام، جاء مسلماً في زمان عمر على قول؛ لأنه مختلف في إسلامه، فـ ابن عساكر وسعيد بن عبد العزيز وغيرهما يقولان: لم يسلم قط، وآخرون قالوا: بل أسلم! فبينما كان جبلة يمشي إذ وطئ ثوبه رجل من بني فزارة، فاستدار جبلة ولكمه لكمة هشمت أنفه، فما كان من الرجل إلا أن بادله اللكمة بلكمة، فجاءوا إلى عمر بن الخطاب يحتكمون وهما روايتان: الرواية الأولى: أن جبلة وطئ ثياب رجل من بني فزارة، فاستدار هذا الرجل الفزاري ولكمه لكمة في وجهه، فجاء جبلة بهذا الرجل إلى عمر بن الخطاب وقال له: لقد ضربني هذا، فقال له عمر: (الطمه بدلها، فقال: بل يقتل.قال: لا.قال: أو تقطع يده.قال: لا. فقال: بئس هذا الدين)، إنه يريد أن يجعل الدين تابعاً لهواه، والله تبارك وتعالى يقول: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:57]، ولأجل هذه الآية دارت رحا الحرب بين العرب وبين المسلمين: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:57] فما جاء الدين خاضعاً لهوى أحد، إنما جاء الدين ليَحكم لا ليُحكم، فالذين يلتزمون بهذا الدين ويريدون أن يفصلوه عن حاجاتهم وأهوائهم ومزاجهم لم يسلموا بعد، فلن يسلم الرجل حتى يستسلم، فهذا ضُرب وقد كان ملكاً عندما كان نصرانياً، وعقوبة من يضرب الملك معروفة، فهو يعترض ويقول: لم لا يقتل لأجل هذه الضربة أو تقطع يده؟! أقل القليل أن تقطع يده التي لطمني بها، فلما قال له عمر: لا، قال: بئس هذا الدين، وتنصّر.