بقلم / الدكتور حسن عبدالعال
متابعة احمد عبد الحميد
التعليم فى مصر يعانى أزمة حادة وهو مشكلة من مشكلاتها التى — رغم كل ما قيل ويقال عن مشروعات الإصلاح والتطوير — مازال مشكلة تستعصى على الحل ، وهو وإن كان مشكلة من بين مشكلات كثيرة تعانى منها مصر ، فهو — أى التعليم — أم المشكلات جميعا ، وهو فى الآن نفسه السبيل لحلها جميعا ، فإذا أردت أمة أن تواجه أزماتها الاقتصادية فعليها أولا أن تصلح التعليم ، وإذا شاءت أن تجد حلا ناجعا لمشكلاتها الأمنية والسياسية ، فسبيلها الرشيد فى ذلك هو إصلاح التعليم ، وإذا رغبت أن تستشرف مستقبلا مشرقا واعدا ، تأمن فيه على حياة أجيالها ، فليس أمامها إلا أن تصلح تعليمها ، وقل مثل ذلك في كل ما تواجهه الأمة من أزمات ومشكلات تعصف بها على كل الصعد . التعليم . . التعليم هو سبيل الخروج منها . ولا زلنا نذكر تقرير لجنة الولايات المتحدة الذى تقدمت به إلى الشعب الأمريكى فى أبريل عام ١٩٨٣ يحمل عنوان ” أمة فى خطر ” حيث يذكر التقرير الشعب الأمريكى أنه لكى يمكن انقاذ مستقبل أمريكا ، فلابد من إصلاح منظومة التعليم
ولا يكاد يمر يوم على مصر إلا وحديث التعليم ومشكلاته هو أول مايشغل الناس ، على كافة المستويات فهو حديث الحكومة ، كما هو حديث كل بيت وأسرة ، وحديث كل فئات المجتمع لأنه يمس حياة الجميع ، وبالطبع هو حديث رجال التعليم وخبراء التربية وشاغلهم .
والناس كل الناس لا تنفك تناقش ما تقدمه وزارة التعليم منذ عقود من مشروعات تحت مسمى إصلاح التعليم وتطويره ، تلك المشروعات التى تتعدد وتتوالى فيأتى مع كل وزير مشروع ، ويذهب بذهابه ، ليبدأ مشروع جديد مع الوزير الجديد ، دون أن يعرف الناس ماذا عن مشروع الوزير السابق ، وعن كلفته وما أنفق عليه وما مصيره ولماذا لم يحقق أهدافه فيصلح التعليم ويطوره .
ولقد أثار المشروع الجديد لتطوير التعليم ، الذى زعم وزير التعليم أن دولا كثيرة تراقب وتتابع التجربة المصرية الإصلاحية التطويرية فيه ، أثار لغطا كثيرا خصوصا بعد فشل تجربة الامتحان الالكترونى للصف الأول الثانوى ، وما صرح به الوزير بأن الوزارة تحتاج إلى ١١ مليار جنيه لاستكمال المشروع ، والا فسيتوقف دون إكمال خطواته .
ولقد تابعت ما كتبه التربويون حول تقييم المشروع والنقود التى وجهت إليه ، ومدى قدرته على تحقيق تطوير فعلى يخرج بالتعليم المصرى من أزماته .
لكننى اليوم أولى وجهى شطر ما يقوله خبراء الاقتصاد — لا التربويون – فى كيفية إصلاح التعليم والتصدى الفاعل لمشكلاته لعلنا نصل إلى إصلاح للتعليم يتجاوز ما تقدم من مشروعات تعثرت وانتهت دون أن تحقق هدفا بل لعلها فاقمت من الأزمة .
باختصار حاول الخبير الاقتصادى الدكتور محمد يوسف فى دراسته ” عقد إصلاح التعليم ” أن يضع برنامجا لإصلاح التعليم ، بداه بصياغة أربع سمات عامة يمكن أن يتضمنها أى تقرير يستهدف تحليل المشكلات الرئيسية فى منظومة التعليم المصرى لكى يبنى فى ضوئها رؤيته الإصلاحية لانقاذ هذه المنظومة ، كى تتولى هى انقاذ الاقتصاد المصرى .
— أول هذه السمات هى القصور فى الإنفاق وليس القصور فى الحجم فقط بل القصور فى نوعية الإنفاق وكفاءته .أن ما أنفقته مصر على التعليم فى العام ٢٠١٧ بعد استبعاد الانفاق على المبانى والمعدات التعليمية فى حدود ٥. ١٤ مليار دولار ولكن فى نفس العام كان انفاق جنوب افريقيا مثلا فى حدود ١. ١٧ دولار ( لاحظ أن تعداد سكان مصر يقترب من ضعف عدد سكان جنوب افريقيا ) . اما عن نوعية الإنفاق وكفاءته فحدث ولا حرج : فالبطالة المقنعة تنتشر فى أروقة الإدارات التعليمية والجامعية ، ورداءة أنظمة تدريب المعلمين ، والمستوى المتواضع للمعامل . . .الخ فالانفاق على التعليم المصرى ليس شحيحا فقط بل تكتنفه مشكلات الكفاءة
— ثانى السمات أن الجهاز التعليمى الحكومى فقد معظم — إن لم يكن كل — جاذبيته ، فحلت مراكز الدروس الخصوصية محل المدرسة ، وأصبح المدرس الخصوصي بديلا كاملا عن المدرس الحكومى ، وباتت علاقة الطالب بالمدرسة على أنها مكان تعقد فيه لجنة الامتحان . وفى تفسير ذلك تركيز المحتوى التعليمى على إكساب المعارف دون التركيز على إكساب المهارات هو السبب الأول فى هذه المعضلة .
— ثالث سمات منظومة التعليم المصرى فتتمثل فى غياب الروابط بين هذه المنظومة وسوق العمل ففى المدارس الفنية لا يدرى الطالب ما يدور فى سوق العمل ، وعندما يصبح على مشارف هذه السوق يكتشف أنه لم يعلم بعد علم شيئا ، ويزيد من حدة هذه المشكلة أن أصحاب الأعمال يضنون على المؤسسات التعليمية بتبرعاتهم ، بل تجد معظمهم لايلقى بألا لفكرة تدريب طلبة هذه المؤسسات .
— رابع هذه السمات وأشدها وطأة على التنمية الاقتصادية فهى استنزاف الكفاءات التعليمية ، ويقصد هجرة خريجى كليات الطب والصيدلة والهندسة للدول المتقدمة ، وبهذا نكون قد أهدرنا أثمن منتج تعليمى مصرى وأعلاه كلفة فى ميزانية التعليم .
وفى ضوء هذه السمات يتحدد الطريق الى إصلاح منظومة التعليم ، ويأتى مقترح برنامج اصلاح التعليم لدى الخبير الاقتصادى د. محمد يوسف .
إن إصلاح منظومة التعليم ليس بالأمر الهين ، ولا بالقضية التى يمكن لمفكر مهما بلغ نبوغه أن يحلها منفردا ، كما أن لهذه القضية أبعادا فنية لا يمكن لغير المتخصصين تناولها
( كملاءمة السلم التعليمى وطول العام الدراسى وطول اليوم الدراسى والمناهج وطرق التدريس ومعايير تقييم المدرس . . . الخ ) . وإذا كان من الصعب أن يتحمل مقال واحد أو حتى سلسلة مقالات عبء هذه المهمة الشاقة ، فإن هناك بعض المكونات الأساسية لبرنامج إصلاح ، مستفاد من تجارب ناجحة يمكن طرحها على النحو التالى :
— المكون الأول فى برنامج إصلاح التعليم هو تطوير استراتيجية وطنية مكتملة الأركان قابلة للقياس والتقييم ، وستكون هذه الاستراتيجية مكتملة الأركان إذا تضمنت حلولا لمشكلات كفاءة الإنفاق ، وجاذبية المؤسسات التعليمية والروابط بين هذه المؤسسات وسوق العمل ونزيف مخرجات العملية التعليمية ، والتنسيق بين نفقات الاستثمار فى الأبنية والمعدات التعليمية والنفقات التعليمية الجارية على الرواتب والمشتريات والصيانة . . . الخ . وستصبح استراتيجية قابلة للقياس والتقييم المستمر إذا كانت أهدافها واضحة ودقيقة وغير فضفاضة ، وإذا كانت مصاغة بطريقة كمية إلى جانب صياغتها الوصفية .
— المكون الثانى لهذا البرنامج الاصلاحى أن تحوز استراتيجية التطوير على قبول مجتمعى واسع ، كى يساند السياسات المنبثقة عنها ، وهذا القبول يأتى من طريقين لا ثالث لهما : أما الطريق الأول فهو أن يشارك المجتمع بفئاته وأقاليمه المختلفة فى إعداد وتطوير هذه الاستراتيجية ، حتى لو اقتضى الأمر أن تطرح فى استفتاء عام ، أما الطريق الثانى فهو أن يتولى الإعلام التنموى دوره المنوط به فى التوعية بهذه الاستراتيجية .
— المكون الثالث هو إعادة النظر فى المحتوى التعليمى ، فكل ما حدث فى هذا الخصوص كان بمثابة تكديس للمعارف ، أما المهارات التى تصقل قدرات الطالب والتى تجبره على الانتظام فى العملية التعليمية فيجب أن تلقى اهتماما بالغامن البرنامج الاصلاحى المقترح .
— المكون الرابع فى هذا البرنامج هو سياسة إعادة الاعتبار لأساتذة الجامعات والمعلمين ، والاعتبار الذى يتعين إعادته ليس ماليا فحسب ، بل يذهب لأبعد من ذلك ويقدم لهم المزايا العينية والاجتماعية التى يستحقونها والتى تناسب مكانتهم العالية فى صنع المستقبل المصرى .
— المكون الخامس وهو التمويل ، ونأتى هنا لبيت الداء وهو مصادر تمويل هذا البرنامج الاصلاحى ، ولكى يتسق هذا البرنامج مع نفسه فعليه أن يقر بأن مشكلات الموازنة المصرية تحول دون التوسع فى الانفاق على التعليم ، وعليه أن يعلم أن حصة التعليم فى ميزانية معظم الأسرة المصرية تأتى تالية لحصة المأكل والملبس أو قد تسبقها ، وأن ميزانية الأسرة لم تعد فى استطاعتها تحمل أى زيادة جديدة فى الانفاق على التعليم . فما هو الحل اذن ؟
الحل يكمن فى إعادة تنظيم انفاق الحكومة وأنفاق الأسر على التعليم ، فالهدر الشديد فى نفقات الحكومة ينبغى له أن يتوقف ، والانفاق على الدروس الخصوصية وشراء الكتب ينبغى أن يوجه لميزانية الدولة ، ورغم أننا لا نملك إحصائيات دقيقة عن حجم الهدر فى نفقات الحكومة ، ولا على نفقات الأسر على التعليم الموازى ، فإن اليقين أن هذه الموارد المضاعة يمكن أن تكون المقوم المالى لهذا البرنامج الاصلاحى .