عبدالحميدشومان
كثيرا من الكتاب تحدثوا عن التشرد وأسبابه ونتائجه وحلوله ولكن يتخذ الكتاب كل جزءية علي حدة في مقال او موضوع منفرد … وهذا ما يميز هذا المقال لشموليته.
ففي البداية اعرف معني كلمة التشرد من وجهة نظري فهو الخروج من ظلمة “المجتمع الصغير” الى ظلمة “المجتمع الكبير”وأقصد هنا الشارع اي تربوا ونشأوا في الشارع اكتسبوا مبادىء الفقر والعنف وما عرفوا يوماً لا ضوابط ولا مسؤولية.
تراهم هنا وهناك، في الساحات في الشوارع أمام المقاهي أمام المحال التجارية أمام دور السينما، وفي الأماكن المهجورة والخرابات… أطفال بوجوه شاحبة عيون مليئة بالدموع وأجسام هزيلة أتعبها الجوع والفقر! أطفال لا ينتمون لعالم الطفولة بشيء سوى بأحجامهم! أطفال اقتلعهم القدَر من أحضان أُسرِهم الدافئة الى أحضان الشوارع الباردة، محولاً حياتهم الى جحيم يغمرها اليأس والحرمان! أطفال لم يتعلموا الحرف واللفظ بعد، وما تسمعهم يرددون إلا جملة: عايز جنيه جعان يارب يخليك ياعم الحج هكذا تعلموها كما تعلموا التنفس في “مدرسة الشارع”. لكن، من سيعطيهم حقهم بالطفولة التي حُرموا منها، ومن سيحميهم من غدر المجتمع ؟
تخيّل أن الرصيف فراشك، والسماء سقفك والجسور غطاؤك! تخيّل أن لا مأوى لديك سوى تلك الجسور وتلك الأرصفة لتحتمي من الأمطار والبرد القارس! تخيّل أنك تتسوق من صناديق النفايات ثياباً ترتديها! تخيّل أنك تبحث عن ما تسُدّ به جوعك في صناديق النفايات! تخيّل أن أحد أولادك أو أشقائك الذي لم يبلغ العاشرة من عمره يتسوّل ليلاً نهاراً لجمع المال! هذه التخيلات القاسية ربما يراها البعض منا واقع تعيشه طفلة صغيرة وربما يصادفها البعض منا يوميا في الطرق وفي مناطق متفرقهً في الصباح أو المسا على تقاطع طريق تقف على قدميها العاريتين في البرد القارس ترتدي ثياباً خجولة تجوب الشوارع متنقلة بين السيارات أو طفل بثياب.رثه يعرض مسح الزجاج وتنظيفه يتوسّل المارة لإعطائه بعض النقود لشراء الدواء لوالدته المريضة. فهو طفلة محروم من كلّ ذرّة حنان في منفي عن ذاك الحضن الدافىء، يغمر الظلم والقهر والعذاب عينيه تحتار بملامحه وبمدى صدقه تشكّ في طيبته قبل أن تستدرك أن الشوارع قد مزّقت براءته تشعر في بعض الأحيان أنه يفوقك ذكاءً وأحياناً أخرى تدمع لسذاجته وتبقى غارقاً بين دوامات تقذف بك يميناً ويسارا فلا تصل الى أي نتيجة تشفي أسئلتك سوى حقيقة الشفقة على حاله أو حالها.
نَعَم إنه مشهد يقشعر له البدن يُشعرك بالحزن على أطفال غَدَر بهم الزمن وبالنقمة على مجتمع لايبال بأن أطفال مشردين كامثلة… لنحمد الله كلما وجدنا أم سويه كالقطه تخاف على ابنها أو بنتها.
بالطبع، لا يمكن لأحد أن يلوم هؤلاء الأطفال فهم ولسوء حظّهم ضحايا عوامل إجتماعية وإقتصادية وإنسانية لم ترحمهم ولم تترك لهم فرصة الخيار أمام صعوبة الظروف التي يعيشونها. فالأسباب التي شرّدتهم والتي أودت بهم ليسوا المسؤولين عنها. فهل هم المسؤولون اذا وُلدوا فقراء؟ وهل هم المسؤولون إن لم تسمح لهم الظروف بالدخول الى المدرسة ومتابعة دراستهم؟ أم أنهم المسؤولون عن المشاكل العائلية وعن تفكك أُسَرِهم؟
في المجتمعات كافة يجوب المشرّد الفقير الجائع الكبير كما الصغير الشوارع ليبحث عن ما يسدّ به جوعه ولو كانت بقايا قمامة. يسرق في بعض الأحيان ليأكل أو ليؤمن الطعام لنفسه أو لعائلته. أهو مسؤول أم أن “الجوع كافر” حسب قول مأثور؟ وهل أن الغاية تبرر الوسيلة؟
ووفقاً للإحصاءات الأخيرة عن ظاهرة الأطفال المشردين نلاحظ معدلات مرتفعة ومتزايدة بسبب الظروف الإجتماعية والمادية القاسية التي تمرّ بها المجتمعات ككل ولا اخص مجتمع بعينه لأن ظاهرة التشرد منتشرة في معظم الدول وهي نتيجة التهميش والفقر والبطالة … وهناك مشكلة التسرب او الإنقطاع المبكر عن الدراسة جدلاً واسعاً على الصعيدين الإجتماعي والإقتصادي. هناك العديد من الأُسر التي تعدّت خطّ الفقر يصعب عليها توفير أدنى مستلزمات الدراسة لأبنائها فينضمّ بالتالي هؤلاء الى قافلة المشردين الأُميين.
مؤخراً باتت ظاهرة التفكك الأسري متفشية في المجتمعات كافة الفقيرة كما الغنية نتج عنها ضحايا هم في معظم الأحيان أطفالاً وأولاداً لم يتعدوا سنّ المراهقة. أمهات دون أزواج أمهات لعدة أولاد في مجتمع يصعب على حَمَلة الشهادات والمؤهلات العلمية أن يجدوا عملاً فيه كيف لأم تركها زوجها أو توفي أن تجد وظيفة تؤمن من خلالها حاجات عائلتها نصادف في أيامنا هذه نماذج عدة تشبه الواقع المرير الذي نكتب عنه هذه السطور. أولاد من عمر براعم الورد تركوا مقاعد الدراسة في السنوات الأولى ليلتحقوا بزملاء سبقوهم الى التسول في الشارع ولا أبالغ ومنهم من ترك مقعده بالمدرسه ليعمل صبي في ورشه أو مقهى ليؤمّنون ما حُرموا منه من أولياء امور نسوا أو تناسوا اولادهم.
من هنا تبقى أسباب التشرد عديدة، لا تُحصى ولا تُعدّ ونتائجه مهدِّدة لكيان المجتمع ولتكوين الأسرة السوية
فلا بدّ من تفعيل دور المجتمع المدني في هذا المجال ودعمه والسعي بجدية مع كافة الجمعيات والمؤسسات الاهلية وكذلك المنظمات غير الحكومية للحدّ من إنتشار هذه الظاهرة وما يترتّب عنها من نتائج كارثية.
مع ملاحظة أن هذا المقال به شموليه ولا يخص مجتمع معين لينتقده بل هو واقع في معظم الدول النامية.
الصور تعبيريه..