الخطاب ضرورة فطرية وبشرية ، لأن هذا الخطاب الديني الحالي مفكك وفردي، بينما يشهد العالم تجمعات وتطورات هائلة في مجال التقنية والمعلومات والاختراعات، وأعتقد بأن أية نهضة أو تنمية في العالم الإسلامي التي ينادي بها المخلصون من دعاة الإصلاح إن لم تصدر من مفهوم ديني فهي محكوم عليها بالفشل، فلا بد من خطاب ديني واع ومعاصر ومنضبط يستطيع أن يضع هذه النهضة ويساعد عليها ويدفعها لإخراج الأمة من هذا التيه والدوران الذي تدور فيه حول نفسها، ونسبته للدين يقصد فيها الخطاب الذي يعتمد على مرجعية دينية في مخاطبته وأحكامه وبياناته.
إنني أقصد بالخطاب الديني ما يطرحه العلماء والدعاة والمنتمون إلى المؤسسات الإسلامية في بيان الإسلام والشريعة، سواء كان ذلك من خلال الخطب أو المحاضرات أو التأليف أو البرامج الإعلامية ،،أما ماهية هذا التجديد فترتيبٌ لسلّم الأوليات وتنظيم للأهم والمقاصد الكبرى للعلم والدعوة والإصلاح واتفاق على ذلك وتسهيل تطبيق ذلك وتوجيهه في أرض الواقع، وإبراز لجانب القيم والأخلاق الإسلامية الإنسانية العامة التي يحتاج إليها الناس كلهم دون استثناء، وتطبيع قيم العدل التي يأمرنا بها الإسلام تجاه الخلق كلهم ومعاملة الناس كلهم بالحسنى، التجديد يحتاج دعاة مخلصين، قادرين على التواصل مع الجماهير، ولكن الأهم من ذلك أن يكون هؤلاء الدعاة قدوة للناس، بالأفعال وليس بالأقوال. وحدد العلماء ملامح تجديد الخطاب الديني في تناول القضايا المعاصرة وبيان الأحكام الشرعية في هذه القضايا، بالتركيز على مكارم الأخلاق، والبعد عن الآراء الشاذة،التي نقلتها كتب التراث في بعض الأحيان، والمتسمة بالغلو في فهم النصوص، والبعد عن مقاصد الشريعة، وهي على قلتها -بل وندرتها- يولع البعض بالتقاطها ويجعلونها هي الأساس في بيان الأحكام،والعمل إلى ضرورة مخاطبة الناس على قدر عقولهم، وأن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، وأن نعمم ولا نصرح بأسماء الذين نوجه إليهم النصح،
كما كان الرسول »صلى اللـه عليه وسلم «يفعل ذلك، فكان »صلى اللـه عليه وسلم «يقول في مثل هذه الأمور»فما بال أقوام«، كما أن التجديد لابد أن يكون في الأسلوب والمعالجة؛ لأن الرسول »صلى اللـه عليه وسلم«قال: »إن اللـه يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها أمر دينها«، وهذا التجديد لا يكون بتغيير الكلام؛ لأن الثوابت لا تتغير، فالقرآن هو القرآن، والحديث هو الحديث، إنما التجديد يكون في أمور جدت، وظواهر طفت على سطح الحياة؛ كالإرهاب، والإلحاد، فهذه القضايا يجب أن نواجهها بالخطاب الديني المستنير،والتجديد يعني العناية بالنظريات العامة في الإسلام مثل النظريات السياسية والاجتماعية والفقهية الفرعية والأصولية، ودعم المشاريع العلمية التي تصل تراث الأمة بهذا العصر، وتضيف إليها تراكمًا علميًا ومعرفيًا.