بقلم..أحمد الشامي
وذلك لأن السحر في لغة العرب في المعجم الوسيط كل أمر يُخفى سببه ويتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخداع أو كل ما لطف مأخذه ودق .والجمع أسحار وسحور . وورد في تفسير الشعراوي لقوله تعالى ( وما كفرَ سليمانُ ولكن الشياطينَ كفروا يعلمونَ الناسَ السحرَ ) سورة البقرة آية 102 .
أن السحر كلمة مشتقة من سحر وهو آخر ساعات الليل وأول طلوع النهار حيث يختلط الظلام بالضوء ويصبح كل شيئ غير واضح هكذا السحر شيئ يخيل إليك أنه واقع وهو ليس بواقع إنه قائم على شيئين سحر العين لترى ما ليس واقعا على أنه حقيقة ولكنه لا يغير طبيعة الأشياء ولذلك قال تعالى في سحرة فرعون ( سحروا أعينِ الناسِ وإسترهبوهُم وجاءوا بسحرٍ عظيمٍ ) الأعراف 116 .
فالساحر يسيطر على عين المسحور ليرى ما ليس واقعا وما ليس حقيقة وتصبح عين المسحور خاضعة لإرادة الساحر ولذلك فالسحر تخيل وليس حقيقة قال تعالى ( فإذا حِبالُهُم وعِصِيُهُم يُخيلُ إليه من سحرهِم أنها تسعى ) سورة طه آية 66 إذن فالسحر تخيل والشياطين لهم قدرة التشكل بأي صورة من الصور . وأن الله سبحانه وتعالى أرسل الملكين هاروت وماروت ليعلمان الناس السحر ولقد روي عن الملكين قصص كثيرة ولكن مادام أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل ملكين ليعلمان الناس السحر فمعنى هذا أن السحر علم يستعين فيه الإنسان بالشياطين . لذا يجب علينا أن نتعامل مع السحر على أنه علم يبنى على التخيل وهذا ماحدث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم ( سُحر حتى كان يُخيل إليه أنهُ صنعَ شيئاً ولم يصنعهُ ) صحيح البخاري رقم 2955. والجدير بالذكر أن السحر لا يغير من طبيعة الأشياء بل يؤثر على العينين حتى ترى ما ليس واقعا على أنه حقيقة وعلى الأذنين حتى تسمع ما ليس واقعا على أنه حقيقة وعلى الأنف حتى يشم ما ليس واقعا على أنه حقيقة وهكذا .
وربما يحدث العكس فقد يرى شخص ما أن الحقيقة الواضحة أمامه ما هي إلا خداع وأن ما يراه أو يسمعه أو يشمه ما هو إلا وهم وخداع أيضا. . ومع ذلك فقد يؤثر السحر في الأشياء لدرجة أنه يظهرها على غير شكلها الحقيقي وكأن بها تغيرا جذريا عن طريق إلتفاف الجان حول الشيئ ذاته مثال أن يلتف حول العصا ويجعلها تتحرك أمام الناس وذلك بقدرته على التشكل في عدة صور . والسحر يقوم به الجن أو الإنس أو كلاهما معا لأن التخيل يحتاج إلى عقل وهذا عن طريق التخيل أو التمثيل .
فإن الله خلق الجن وأعطاهم مهارة التشكيل ومن ثم فلا شك في أن يتشكل الجن في صورة الحبل أو العصا ويحركهم حيث يقوم بالإلتفاف حول العصا أو الحبل بشكل ولون الحبل أو العصا أو بأشكال أخرى كالحيات ثم يحركهم فيظن الناس أنهم يتحركون بذاتهم و الحقيقة هي أن الجن متلبس بهم وهو الذي يحركهم أو ينقلهم من مكان إلى آخر وهكذا . وبالتالى من يلتف حول العصا أو الحبل يلتف حول الحجر ويدخل في جسم الإنسان وغير ذلك . وقد ورد في أكثر من تفسير للقرآن الكريم لقوله تعالى ( فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ) سورة طه آية 66. أن الحبال والعصا كانوا يتحركون بفعل مادة الزئبق فالزئبق إذا وضع في الشيئ أو لُطخ به يجعله يضطرب ويتمدد بفعل الحرارة أو الشمس فيظهر الشيئ وكأنه يتحرك .
فإذا كان الزئبق هو الذي حرك الحبال أو العصا فمن الذي غير أشكالهم إلى حيات كأنها تسعى على بطونها ؟ قد يكون فعلا تحركهم بسبب مادة الزئبق ورؤية أشكالهم حيات أتى من سحر أعين الناس حتى رأوهم حيات . وقد يتحركون بدافع من الجن لا من أثر الزئبق فقط لكن ربما كان الزئبق عامل مساعد في الحركة وذلك عن طريق إلتفاف الجن حول شيئ ويجعله يشبه الحيات كما في السابق . وأخيرا فإن السحر علم يخيل به أو فيه الأشياء بدقة ولطف لإظهار الأشياء أو الأحداث على غير حقيقتها والعكس . وهذا العلم قد يقوم به الجن بمفرده ومن تلقاء نفسه .
وقد يقوم به الجن عندما يستعين به شخص ما من الإنس ويتعاونوا معا على فعل السحر أو شيئ بدقة ولطف . ولهذا تتعدد الطرق والأشكال التي يتم بها فعل السحر لكن لا شك في أن السحر يبنى على التخيل وقدرة الجن على التشكل والقيام بالعديد من المهارات الخارقة . ومعلوم أن ما يفعله الجن لا يغير من طبيعة الأشياء بل يغير من شكلها ومن طريقة النظر إليها عندما يلتف عليها مثال سحر العين حتى ترى الأشياء الجميلة قبيحة أو ترى الأشياء تتحرك رغم ثبوتها أو العكس في الحالتين .