بقلم / د. أحلام الحسن
العربُ المأدبة الدّسمة ..
تدور الدوائر بنا وعلينا أمّة العرب والمسلمين .. دوائر وقنّاصةٌ مهرة .. وثعالب مستعرةٌ جشعة فاضت أفواهُها .. وسال لعابها وتطلب المزيد ! رغم التخمة وعسر الهضم .. ولها ملاعق وأشواك وطهاة يقدمون الصنف العربي الأصيل على أطباقٍ واسعةٍ وبشتى الأذواق والأصناف والطبخات .. ونبقى في الأطباق ننتظر دور السيد العظيم متى يتنازل ويلتهمنا بشهيةٍ شديدةٍ طبقًا طبقٌا .. فنحن لا نرضى إلاّ بهذا .. ولا نريد أن يتركَ السيد منا شيئًا إلاّ فتاتاتٍ لكلابه ..حتى تسارعَ بقايانا بالتفاخر على بعض بأنّنا الوجبة الأدسم والألذّ على الإطلاق فوق سطح الكرة الأرضية إن لم نكن أيضا فوق سطح القمر أو المريخ أو في مغارات الجن ..
ولقد ضربنا أكبر مثلٍ لن أقول في التبعية بل أدنى من العبودية فالعبودية لا تُؤكل … ونحن رضينا بأن نأكل بعضنا بعضا لحمًا وعظما ومالا وأرضًا حتى نسمنَ جيدة وتكتملَ عملية التسمين البشري لنقدمها فيما بعد خرفانا بشرية للسيد العظيم وحاشيته !!
وتستمر الدائرة فوق خريطتنا الخائنة بعضها بعضا .. ونسينا قصة الثيران الثلاثة الملون التي كانت تحكيها جداتنا ونسينا قصة الأب ووصيته لأبنائه بعدم التمزق والفرقة والذي ضرب بها مثلًا عمليا من تمكّن كسر العصاة الواحدة وعدم تمكّن كسر المجموعة .. بل أكثر من النسيان فحمل كلًٍ منا عصاه وانهال ضربًا وقتلّا وكأنّنا كلّنا من قابيل فقط قد ولدنا !!
ونسينا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل قلبنا ذلك فالقتل والجريمة وغزو بعضنا البعض أسميناه معروفا !!!! قل ذلك لتحقيق مأرب السيد الأكبر فينا وما علينا إلاّ السمع والطاعة والتنفيد ! لقد اختلت القلوب من الإيمان ولو كان ثمّة إيمانٍ بقى لما قتلنا بعضنا بعضًا .. والأدهى من هذا كلّه الضحكٌ على السذج وافتاءات بالتكفير لإعطاء الصورة الشرعية لجرائم القتل المتعددة الطرق وما يشعر هؤلاء بما يفعلون ! ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنّهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )
متى سنصحو من سكرةٍ السيد وأوامره ؟!
متى سنرجع لتحذير نبينا ” ص” لنا في حديثه المشهور :
(( يوشك أن تداعَى عليكم الأمم كما تداعَي الأكلةُ إلى قصعتها .. فقال قائلٌ ومن قلّة نحن يومئذٍ قال بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم عثاءٌ كغثاءالسيل ولينزعن اللّه من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفنّ في قلوبكمُ الوهن )) رواه الإمام أحمد و أبو داود بسندٍ صحيح .
وحين التّأمل جيدا في الهدف من وراء الحديث وفي معاني الحديث نجد الآتي وباختصار أذهاننا القاصرة عن بلاغة رسول اللّه ” ص ” نجد الآتي :
الحديث الشريف تحذيري من الدرجة الأولى من المحاذير التالية :
11- هذا التداعي من الأمم لن يكون إلّا عن تمزّقٍ وتشتتٍ بنا في الأراء وفي الوحدة وفي التعاون على البر والتقوى .
1- سببٓ هذا التداعي ( تداعي الأكلة على القصعة ) طمعًا لما في أيديكم من الخيرات المتعددة .
3- لسنا من قلّة عددٍ ولكن من قلّة إيمانٍ وسداد رأي .. (( ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل )) حقًا من المخجل جدًا بأن يصفنا نبينا ” ص” بهذا الوصف الشنيع .. غثاءٌ لا معنىً له ولا جوهر ولا قيمة ولا رأي ٍ سديدٍ ولا إدارةٍ حكيمة .. عثاءُ سيلٍ ليس إلاّ فو عاراه !
4- ولينزعنّ اللّهُ من قلوب عدوكم المهابة منكم :
ولينزعنّ اللّه : الكلّ يعرف ماذا تهنيه ” نون التوكيد ” هاهنا والنزع بإرادة اللّه !
يعني الأمر مؤكدٌ بنزع المهابة من قلوب أعدائنا منّا .. فو اللّه ربّنا لا يظلم اللّهُ أحدا .. ولم يعاقبنا ربُّنا بهذا العقاب إلاّ من جرائمنا في بعضنا ومن ترك مخافة اللّه خلف ظهورنا ومن الخيانة والإنصياع للسيد الأكبر .
5- وليقذفنّ في قلوبكم الوهن :
ويعاود فعل التوكيد هاهنا وبنونه المشددة المخيفة والمشيرة إلى غضب اللّه علينا بسبب أجرامنا وحقدنا وتمزيقنا بعضنا بعضا .. فهذا هو السبب الرئيسي لقذف الوهن في قلوبنا من عدونا الأصلي .. لأنّنا في الحقيقة أعداء بعضنا بعضا .. فليس من وحدةٍ تجمعنا وليس من كلمةٍ توحدنا .. مؤتمراتنا هنا وهناك لوضع استراتيجية الحروب ضد بعضنا .. فلا غرابة إن قذف اللّهُ في قلوبنا الوهنَ من عدونا الحقيقي والذي نقدم له المآدب الدسمة كلّ يومٍ ابتغاءً منه لنصرنا بالعتاد لنقتلَ بعضنا بعضا ولمرضاته !!
فهنيئا لنا بهذا الذكاء وهنيئا لنا بهذه العبقرية الفذة .