للدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا فى مثل هذا اليوم السادس من يناير ٢٠١٨ ، انطوت صفحة مشرقة فى حياتنا الثقافية التنويرية ، رحلت الإعلامية والإذاعية المرموقة نادية صالح (١٩٤٠ – ٢٠١٨ ) ، وبرحيلها انطوت صفحة حلوة وذكية ولا معة من حياتنا وسيرتنا الثقافية والاجتماعية ، بعد أن تركت لنا ميراثا من الذهب والحكمة ، وثروة ثقافية ناعمة حقا نتباكى عليها ونتحسر على أيامها ، ثروة فكرية لا تقدر بمال أو جاه أو نفوذ على حد قول الكاتب إيهاب الملاح .
وجيلى يدرك عظمة وأثر البرنامج الثقافى ” زيارة لمكتبة فلان ” فى تشكيل عقولنا وتكوين شخصيتنا العلمية والثقافية ، واذا لم يكن أبناؤنا وشبابنا المعاصر يعلمون شيئا عن هذا البرنامج ، فلهم أن يعلموا إنه برنامج اذاعى ثقافى، كان يقدمه البرنامج العام للإذاعة ، طوال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى ، وتقوم فيه الإذاعية المثقفة الذكية نادية صالح مقدمة هذا البرنامج باستضافة ومحاورة أعلام الفكر والأدب والثقافة والفن فى حلقاته الأسبوعية . أيام أن كان الإعلام المصرى رصينا يولى الثقافة والعلم والأدب اهتماما ملحوظا ، وكان للبرامج الثقافية فى الاذاعة ثقل واضح ، يبدو ذلك فى زخم وكم ونوع برامج مثل ” لغتنا الجميلة ” لفاروق شوشة ، و ” كتاب عربى علم العالم ” أمين بسيوني ، و ” شاهد على العصر ” لعمر بطيشة ، و ” غواص فى بحر النغم ” للفنان الموسيقار الراحل عمار الشريعى ، وغيرها من البرامج التى تقدم معطيات العلم والثقافة والفن .
وعن طبيعة برنامج ” زيارة لمكتبة فلان ” وآثاره الثقافية والتربوية وكيف نهل منه جيلى معرفة وعلما وفكرا وأدبا ، فقد كان البرنامج أشبه بنهر النيل نرده نحن الشباب الظامىء للمعرفة فئنهل منه ونروى ظمأنا ثقافة ومعرفة وفنا وعلما . كان نبعا يتفجر علما وفكرا . كنا ننتظره على شوق مساء كل ثلاثاء وننصت بشغف شديد إلى ايقاع صوت نادية صالح الموسيقى الجميل وهى تقول ” زيارة لمكتبة فلان ” ومدة البرنامج كان ساعة من الزمن نقضيها فى صحبة ممتعة مع علم من أعلام الفكر والفلسفة والأدب والفن والعلم يحدونا فضول معرفة ورغبة فى التزود بزاد ثقافى لا ينفذ فى هذا البرنامج ، يقدمه للأجيال المتطلعة للعلم والثقافة صفوة عقول مصر ونخبة العلماء والمفكرين والفنانين فيها ، وكانت نادية صالح تحاورهم فى اقتدار وتستخرج من عقولهم ووجداناتهم معرفة وفنا وأدبا امتزج بالانتشاء والإبداع .
لقد تعرف جيلى من خلال هذا البرنامج على عظماء . . مثل يحيى حقى وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وزكى نجيب محمود وثروت عكاشة ولويس عوض وصلاح جاهين وجمال الغيطانى ، وسمعنا وتعلمنا من حسين فوزى وحسن فتحى وجمال حمدان وأنيس منصور ولطفى الخولى وصلاح طاهر . . . وعشرات من المفكرين والأدباء والفنانين والمثقفين والكتاب والنقاد ، وصادقناهم جميعا من خلال زيارتنا لمكتباتهم ، والاستماع الى أصواتهم وأفكارهم وأعمالهم الخالدة .
إن هذا البرنامج وحده كان قوة ناعمة بذاته ، وكانت نادية صالح تمثل مدرسة متميزة فى تاريخ الإذاعة المصرية ، وكان برنامجها ” زيارة لمكتبة فلان ” أحد العلامات البارزة فى مسيرة الإعلام المصرى الراقى التثقيفي التنويرى الذى افتقدناه فى ضجيج سطحية اعلام اليوم الذى غاب عنه المذيع المهنى الحرفى المثقف