للدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا الملاحظ أنه كلما تأزم المجتمع وما أكثر أزماته ، واشتد وقع الأزمة ، شرع المفكرون والمثقفون وأصحاب الرأى فى نقد الثقافة العربية والنتاج الفكرى والثقافى فى المجتمع ، وينصب النقد دائما على هشاشة هذه الثقافة وهذا النتاج الفكرى ، وجموده أو تخلفه عن مسايرة التقدم الهائل الذى يفرضه مجتمع المعرفة ، أو عجزه عن مناقشة قضايا الأمة الحيوية ، وتقديم البدائل التى تنهض بها من وهاد تخلفها ، وعدم قدرته على مسايرة مايحدث فى العالم من ثورة علمية وتقنية ، أو تخاذله عن تأسيس ميادين علمية جديدة . . .
وذلك كله صحيح . ولكن مايجب فى الحقيقة أن يوجه إليه النقد ، وان تتوجه إليه اصابع الاتهام أولا وقبل هذا النتاج الفكرى هو العقل العربى ذاته الذى أنتج مالا يرضى به ولا يرضى عنه الناقدون . يجب أن يتجه النقد مباشرة إلى هذا العقل لكى يراجع مسلماته ، ويراجع طريقة اشتغاله ، ولكى يفحص القواعد والمبادئ التى يستخدمها فى النظر والعمل ، و التى بها أنتج ما أنتج وانتقده الناقدون .
وللحق فقد تنبه كبار مفكرينا الى أصول الأزمة ، وأنها تكمن أساسا وقبل كل شيء وعلى كافة الأصعدة سواء سياسية أواقتصادية أواجتماعية أوثقافية أوتربوية ، تكمن فى العقل ، ولهذا صدرت مؤلفاتهم تباعا تتوجه بالنقد الى العقل العربى ، فعلى سبيل المثال يكتب الدكتور فؤاد زكريا( خطاب الى العقل العربى ) و يكتب ( الصحوة الإسلامية فى ميزان العقل) ، ويكتب الدكتور زكى نجيب محمود ( قصة عقل ) و( تجديد الفكر العربى ) واستهدف كثير من مؤلفاته على وجه التقريب العقل العربى وعجزه عن مواجهة ثقافة العصر ويكتب برهان غليون المفكر العربى السورى كتابه الأشهر ( اغتيال العقل ) ، ويأتى فى هذا السياق تقريبا كل مفردات مشروع( نقد العقل العربى ) للمفكر العربى المغربى الدكتور محمد عابد الجابري ، ويأتى فى السياق نفسه كل اعمال المفكر العربى الجزائرى الدكتور محمد أركون ، تلك الأعمال التى تتصدى للنظر فى ( العقل العربى الاسلامى) ، وغير ذلك من أعمال المفكرين العرب الذين يتوجه النقد فيها إلى العقل العربى وقصوره .
ان مايجب علينا فى مواجهة أزمة المجتمع ومشكلاته على كافة أصعدته — وهذا دور التربية والتربويين بالدرجة الأولى – ان نستهدف العقل فى عملنا ونشاطنا التربوى بمفهوم العمل والنشاط التربوى الواسع ومؤسساته المجتمعية المختلفة والمتعددة ، فنعمل على زحزحة القناعات التى رسخت فى عقل الإنسان العربى والتى تجاوزها الزمن ، والتى أبعدته ومازالت عن الحركة العلمية ، وعن البصيرة الواعية ، وعن المشاركة فى صناعة أحداث العصر وعن الرؤية الشفافة والصحيحة لآفاق المستقبل ، وعجزه عن المطالبة بحقوقه ، و نبذ الاستسلام البليد لاستبداد الحكام وطغيانهم . أن نعمل التربية على تبديل زاوية نظره الى الأمور والأشياء ، وان نراجع القواعد والاليات المنهجية التى يستخدمها ، سبرا لإمكانات جديدة لعمل هذا العقل .