للأستاذ الدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا منذ طفولتى كنت ألاحظ اهتمام الكبار فى بيتنا بسماع أغنية المطرب الفنان صاحب الصوت المصرى الأصيل عبد الغنى السيد ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين
ليه تنسى بالمرة عشرة بقالها سنين
ولم أكن أدرك فى صباى معنى قول مذيع الراديو العتيق فى بيتنا : كلمات الشاعر سيد مرسى ، وألحان الموسيقار محمود الشريف ، وكنت أعجب من استمتاع الكبار وطربهم لصوت عبد الغنى السيد وهو يشدو بها .
لكن الأغنية منذ بواكير الحياة حفرت مكانها فى ذاكرتى فصرت أحب سماعها ، وتعترينى نشوة جميلة تهز وجدانى كلما انطلق صوت المطرب الشجى وهو يقول ” راح تنسى كام مرة . . هاتسيبنى كام مرة . . وتفرح اللايمين ”
. ولا أحدثك عن سعادتى وأنا أستمع إلى هذه الأغنية بصوت المطربة قيثارة الغناء العربى الجميلة الرائعة نجاة الصغيرة التى وصفها الشاعر الذى عشقها كامل الشناوى بهذه العبارة البليغة ” الضوء المسموع ” .
وكنت أظن الشاعر “سيد مرسى ” جامعى مثقف أديب فيلسوف حكيم لجمال كلماته وبساطتها وعمقها فى آن واحد . خاصة وقد لحن أشعاره وأغنياته كبار الموسيقيين مثل محمود الشريف ، وبليغ حمدى الذى تخصص تقريبا فى تلحين أغلب ما يكتبه هذا الشاعر الممتلئ حكمة وبساطة وشعبية وشاعرية ، وغنى له كبار المطربين كعبد الغنى السيد ، وعفاف راضى فى “ردوا السلام ” وشادية فى ” والنبى وحشتنا ” ونجاة فى” سلم علي ” وميادة الحناوى فى ” أول وآخر حبيب ” وأغنيات عديدة لوردة الجزائرية وهدى سلطان وفايزة أحمد وليلى مراد ومحمد قنديل وغيرهم .
لكننى لشدما دهشت واكبرت الرجل صاحب هذه الموهبة الجبارة عندما علمت أنه كان ( مكوجى ) يكوى قمصان وملابس أهل حيه الشعبى بولاق الدكرور ، وكان يمارس مهنته وهو يستمع من الراديو المعلق فى دكانه إلى كلماته بأصوات كل هؤلاء المطربين الكبار.
عرفت ذلك منذ أيام فقط بعد أن قرأت مقالا للكاتب ” السماح عبد الله ” يحكى فيه سيرته الذاتية ، وكيف عرفه عالم الفن وقصة أول أغنياته ” ع الحلوة والمرة ” وهى تروى لنا كيف كان الحب حقيقيا فى الأزمنة القديمة ، وكيف كان المكوجى وهو يقوم بكى القميص، ينظر فى عين الخادمة التى تقف على باب دكأنه فى انتظار انتهاء الكى ، وكان ثمة كلام تقوله العيون للعيون ، وتحس به الأفئدة فلم يكن القميص وحده هو الذى يكوى ، وإنما القلوب كانت شديدة السخونة كذلك ، وكان لكل إشارة معنى يعرفه العشاق وحدهم .
وأصل حكاية هذا الشاعر المكوجى – يقول السماح – هى أن الشاعر المعروف ” مأمون الشناوى ” كان على موعد مع الموسيقار ” محمود الشريف ” ليسمعه أغنيته الجديدة ، وضع يده فى جيب بنطالونه واستخراج الورقة التى كتبها فيها وبدأ يقرأ : ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين . . ليه تنسى بالمرة عشرة بقى لها سنين ” لكنه توقف وأخذ يقلب الورقة ويطبقها ويعيد فردها ، ومحمود الشريف مندهش من أفعال صديقه فسأله : الكلام جميل جدا . فلماذا توقفت عن قراءته ؟ فأجابه مأمون الشناوى : هذا الكلام ليس كلامى ، فمن الذى وضعه فى البنطلون ؟ وهذا ليس بخطى. إن ذلك لغز ينبغي أن أحله الآن . وتركه وعاد إلى بيته ، وما أن فتحت له الخادمة حتى صرخ فى وجهها : من الذى وضع هذه الورقة فى جيب بنطالونى ؟ وما أن فرد الشاعر الورقة أمام عينيها حتى شمت رائحة قلب المكوجى حبيبها المحروق ، فاعترفت لسيدها بكل شىء . وحضر المكوجى سيد مرسى واعترف له أنه صاحب الرسالة ، وحكى له حبه للخادمة التى كانت تتدلل عليه ، وتخاصمه بلا سبب مما اضطره لأن يكتب لها ” ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين ” وهنا أمسك مأمون الشناوى بيد المكوجى العاشق وأركبه سيارته واتجه به إلى الموسيقار محمود الشريف وقال له بابتهاج هذا هو الشاعر صاحب القصيدة التى كانت فى بنطالونى وراح الشاعر يقرأ عليه :
ازاى يهون حبنا وتروح متسألشى
دى العشرة عندى أنا غالية وماتهونشى
وإن طال علي الأمل شارى ولا ابعشى
ومهما طال الأجل حبك ما بيضعشى
راح تنسى كام مرة
هاتسبنى كام مرة
وتفرح. اللايمين
ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين
ليه تنسى بالمرة عشرة بقالها سنين .