كتب /أيمن بحر
الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء كشف في أحدث دراسة له عام 2020 عن وجود علاقة عكسية بين مدة الحياة الزوجية ونسب الطلاق بمعنى أنه كلما طالت فترة الحياة الزوجية كلما انخفضت نسب الطلاق.
أسباب انخفاض معدلات الطلاق نسبيا كلما طالت فترة الزواج لا تعود بالضرورة لتفاهم الشريكين وإنما لعوامل أخرى قد تصبح المرأة فيها الضحية الأبرز.
فبطبيعة الحال طول فترة الزواج يترتب عليه وجود أطفال يحتاجون للرعاية ما قد يضطر الزوجان – في حال عدم التفاهم- لاستكمال حياة لا يرونها تناسبهما بهدف الحفاظ على نشأة الأطفال في جو ملائم ومستقر.
لكن المرأة المصرية تتحمل في معظم الأحيان ثمن الرغبة في الحفاظ على استقرار الأسرة بضغط من أهلها وأقاربها لجعلها تتشبث بخيوط الحياة الزوجية الذائبة حفاظا على التقاليد الاجتماعية غاضين الطرف عن نفسية هذه الزوجة البائسة التي قد تتعرض للخيانة أو الإهمال أو سوء المعاملة وما إن ترفع عينيها لرفض هذه الأوضاع حتى تجد أهلها أول من يخذلها وأول من يوجه سهام نقده إليها فالرجل يحق له فعل ما يحلو له حتى لو ترتب على ذلك هدم بنيان الأسرة حجرا حجرا بينما يكون واجب الزوجة هو التمسك بهذه الأسرة حتى آخر نفس وترميم ما تشقق في جدار الأسرة المتهاوي.تقول ميرفت التلاوي الرئيس السابق للمجلس القومي للمرأة إن الأزمة تكمن في الثقافة المتوارثة من أجيال متوالية والتي لا تزال تمارسها المرأة ضد المرأة فالأم هي التي تنفذ العادات التي تضر بابنتها في أغلب الأحيان وفي المعارك الزوجية تكون ضدها حتى لو تعرضت الابنة للضرب أو الإهانة أو شيء من هذا القبيل على أساس أن التقاليد تحكم بضرورة تحمل المرأة لزوجها وتعطيه الحق في ضربها رغم مخالفة ذلك للشريعة الإسلامية والقانون المدني.
وبينت التلاوي أصبحنا في القرن الواحد والعشرين إلا أن المجتمع لا يزال يعيش بثقافة القرون الوسطى مؤكدة ان الكثير من الرجعية سببها المرأة نفسها لافتة إلى أن الأم في الغالب تكون أكثر رجعية من الأب وهي من تجبر المرأة على كل السيئات التي تهدر حقوقها فلا بد من تنوير السيدات لفهم الشرع والدين والقانون فالطلاق في الإسلام ميزة كبيرة تجعل الحياة إما معاشرة بمعروف أو تطليق بإحسان إلا أن المجتمع حول هذه الميزة إلى دائرة العيب.
ولفتت التلاوي إلى أن مسألة الخلع تم تزييفها في التنفيذ القانوني عبر مد هذه القضايا لثلاثة أشهر في المحاكم رغم مخالفة ذلك للشريعة فضلا عن انتزاع كل الحقوق المادية من المرأة في تحايل واضح على الدين.
تضيف التلاوي أن مصر أصدرت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي جملة من القوانين التي تدعم المرأة وتحويل بعض القوانين إلى قضايا جنائية مثل التحرش والضرب وغير ذلك مع إعطاء المرأة حقوقا سياسية إلا أن ما يمنع المرأة من حقوقها هو الميراث الثقافي السيء الذي تغلب على الشريعة وعلى القانون المدني من حيث التطبيق.
وتشير إلى أن المعركة القادمة للمرأة والمجتمع هي القضاء على هذه الموروثات لأن وضع المرأة هو انعكاس لصورة تقدم المجتمع مشيرة إلى أن حصول المرأة على حقوقا سياسية مثل وجود 90 امرأة في البرلمان المصري أو منح الدستور المصري للمرأة ربع مقاعد البرلمان هو أمر كاف من حيث دور الدولة.
وأضافت إلا أن تمكين المرأة لا ينفذ بشكل عملي في الواقع بسبب عادات المجتمع السيئة ما يحتم تركيز الإعلام والمدارس ووسائل التثقيف على العمل على القضاء على تلك العادات واعتبار النظرة الذكورية هي أزمة تعطل كتلة بشرية تمثل نصف المجتمع، بذريعة الصمت على الإهانات وعدم استقرار الحياة الزوجية.
المثير للدهشة أن نسبة 30 % من الأسر المصرية تعولها المرأة بحسب إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عام 2017، فالمرأة أصبحت تعمل وقادرة على تحمل المسؤولية بعيداً عن الرجل ورغم ذلك مازالت الثقافة الذكورية في المجتمع المصري قائمة.
من جانبها ترى المحامية انتصار السعيد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون في حديث أن الأهل هم من يخذلون المرأة في حال تعرضها للعنف الزوجي ويرضخون للعادات والتقاليد في المجتمع بالمنطق الشعبي الست تعشش والراجل يطفش خوفا من كلام الناس وشماتة الجيران وهو ما قد يندمون عليه في حالة إجبارها على العيش مع زوجها رغم تعرضها في أحيان كثيرة لاعتداءات جسيمة جسدية ونفسية تصل في بعض الحالات لانتحار الزوجة أو هروبها أو تعرضها للقتل في حالات أخرى. على حد قولها.
وأكدت السعيد أنه في بعض الحالات تختار السيدة استمرار حياتها دون زواج جديد إلا أنه في كثير من الأحيان يكون أهل المطلقة هم من يضغطون عليها لعدم الزواج مرة أخرى ويعتبرون تكرار زواجها أمرا مشينا وهو ما يجعل المرأة تفكر مليا قبل اتخاذ قرار الطلاق.
من جانبها تؤكد عزة فتحي أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن المجتمع المصري هو ذكوري بامتياز تتحكم فيه ثقافة الرجل، وفي حالة حدوث مشاكل يقوم المجتمع والأهل بتحميل الزوجة فوق طاقتها ويقولون لها أن تعيش في بيت الزوجية ولا تعود لأهلها وأن تصبر على الزوج السيء ويخوفونها بأن مكانها في منزل أبيها لم يعد متاحا فضلا عن موروثات من قبيل الرجل سند وظهر ولا يمكنها الطلاق، ولا نريد الدخول في مشاكل أو محاكم وفي المقابل يكون للرجل حق الطلاق متى شاء وافتعال مشاكل أو الزواج من أخرى أو أن يدخل في علاقة حب جديدة متى شاء ذلك.
وأضافت عزة فتحي أن ما يحدث في مصر هي ثقافة بادية لا تمت للدين بصلة لأنها ثقافة تداولتها الأمهات والجدات مشيرة إلى أن المرأة هي من تظلم المرأة مضيفة أن المرأة المصرية والعربية تربي ابنها على أنه سيد الكون وأنه مواطن درجة أولى وأن المرأة مواطن هامشي من الدرجة الثانية.
وتؤكد عزة أن كثيرا من الجرائم التي ترتكبها المرأة تكون بسبب حرمانها من حقوقها من جانب أهلها ما يضطرها تحت الضغط لمحاولة البحث عن حقوقها حتى بالاستعانة بالغريب بدلا من أهلها الذين يكونون قد تخلوا عنها.
وبينت أستاذ مناهج علم الاجتماع بجامعة عين شمس أن الطلاق الذي أباحه الله لم يبيحه المجتمع الذي جعل إمكانية زاج المطلقة مرة أخرى عملية صعبة.
وأكدت عزة أن الأب المصري لديه عيوب كبيرة في هذا الشأن حيث يتخلى عن النفقات على أبنائه انتقاما من المرأة في صورة الأبناء حتى ترضخ وترجع إليه أو تتحمل عبء النفقات بمفردها.
ودعت عزة إلى ضرورة تجديد الخطاب الديني وإبراز سنة الرسول في الرفق بالمرأة مشيرة إلى أهمية تبني الدولة قضية نصرة المرأة دينيا وثقافيا وتعليميا.
ولفتت الدكتورة عزة إلى أن المناهج التعليمية ظلمت المرأة وكرست لثقافة ذكورية تتلحف بلحاف الدين والدين منها براء.
أما محمد عبد الرحمن الأستاذ في علم الاجتماع والسكان بجامعة عين شمس فيؤكد أن الطلاق يكون حلا للحفاظ على الحالة النفسية للمرأة والأولاد بدلا من حياة مليئة بالمشاكل الاجتماعية أو استمرار الزواج من شخص مستهتر لا يتحمل المسؤولية ولا يقدر المرأة أو يستخدم الإهانة والضرب وغيره.
وأشار إلى أن المجلس القومي للمرأة في مصر بذل جهودا كبيرة في هذه الشأن مثل إنشاء أماكن تسمى أماكن المعنفات في حال تعرض المرأة للضرب أو العنف أو الطرد من المنزل، تلجأ إليه للمبيت فيه وحمايتها فضلا عن إنشاء صندوق رعاية الأسرة بعد الطلاق لحل المشاكل المادية للمرأة لحين الفصل في القضايا المرفوعة على الزوج.
وبين عبد الرحمن أن الأسرة التي جاءت منها المرأة من أب وأم وأشقاء يكون لهم تأثير سلبي للغاية على الأم نفسها حال طلاقها ويقومون بتقييد حريتها داعيا إلى تغيير هذه النظرة الثقافية والتعامل مع الطلاق كمشكلة عابرة يتم التعامل معها بشكل مختلف فالمرأة بتربيتها وتدينها وثقافتها هي حرة في اختيار ما يناسب حياتها والتخلص من النظرة التقليدية القديمة التي لا تزال مستمرة في حياتنا في القرن الواحد والعشرين مبينا أن معيار الأخلاق هو الأهم وليس معيار السيطرة على المرأة وتقييد حريتها.