بقلم / منير راجي
إن الانسان أدبي بطبعه , حتى و إن كان لا يجد في ذلك متعة أو ذوقا اتجاهه لسبب من الأسباب, الا أنه عنصر يفيض أدبا و فنا … كثيرون هم الذين يعتقدون أن الأدب هو مجرد كلام ديكوري يدخل ضمن الكماليات , دون أن يعرفوا أنهم قد مارسوا الأدب و أثروا فيه و تأثروا به..
لقد تعودنا أن نصنف عشاق الأدب حسب قابلية الانسان لقراءة الكتب ( الأدبية الفصيحة ) الشعرية و الروائيةو المسرحية و مدى قدرته على فهم اللغة و أصولها, لكن الأمر غير ذلك و يمكن أن يكون تصنيفنا هذا بعيدا كل البعد عن الحقيقة , فالأدب قبل كل شيئ ذوق و احساس و مشاعر , فهو فن قائم بذاته , و كلما بعد عن الاحساس أصبح بعيدا على هموم المواطن و مشاكله و بالتالي أصبح ضده..
و الأدب في نظري هو تعبير عن حالة أو مجموعة أحوال نفسية كانت أو اجتماعية أو حتى سياسية بصرف النظر عن لغة التعبير , لهذا هناك العديد من الأدباء ماتوا تحت أقدام اللغة , انهم أدباء السواد الأعظم من الشعب .. من خلال هذه الفكرة يتضح لنا جليا مدى الاهتمام بالأدب الشعبي , فهو غذاء الشعب بأكمله بمثقفيه و جهاله, انه طعام الجميع و الأدب الشعبي شأنه شأن الأدب الفصيح , الا أنه أكثر تأثيرا و قوة منه نظرا لتقبله من طرف الجماهير ..
دعني عزيزي القارئ أضرب لك أمثلة عن ذلك .. , لنبدأ بالروائي العربي نجيب محفوظ انه غني عن التعريف خاصة عند المثقفين و دارسي الأدب و فنونه , لكن رغم جهل الأميين له الا أنهم تعرفوا على نماذج من رواياته و تذوقوها و عايشوها من خلال أفلامه و السبب في ذلك راجع الى نقل لغة نجيب محفوظ ( الفصيحة ) الى لغة شعبية مفهومة لدى الجميع عن طريق السينما و لعل روايته القاهرة 30 أكبر دليل على ذلك , فلولا عرضها سنيمائيا و بلغة يفهما الجميع لما كتب للرواية هذا النجاح الضخم …
نفس الشئ يطبق على المسرح كأدب و فن , فعادة نجد الكتاب المختصين بهذا اللون الأدبي يؤلفون باللغة الفصيحة , لكن لا تظهر أفكارهم و شهرتهم الا عندما تعرض على الخشبة و بلغة الشعب , فهو الحكم الأول و الأخير عن هذه الأعمال و لولا لغة الشعب لما كان هناك توفيق الحكيم و محمود تيمور الا أسماء ميتة لمدلولات ميتة في عالم المسرح..
أما النقطة الأساسية و الحساسة في الأدب الشعبي تتمثل في الشعر الغنائي , بحيث نجد أن السواد الأعظم من الشعب يرتاح للأغنية الشعبية , لأنه قادر أن يفهمها و يعيش معها , و هذا فعلا ما جعل كبار شعرائنا ( الذين يكتبون بالفصحى ) غائبين عن الأغنية العربية , فهي غالبا ما تكون مرفوضة أو كما يقول المثل : ( فاقد الشئ لا يعطيه ) و أكبر دليل على ذلك هو عدم شيوع أسماء هؤلاء الأدباء عند أفراد مجتمعنا , فالمثقف يطرب لأم كلثوم عندما تغني ( الأطلال ) لأن صاحبها معروف لدى دارسي الأدب و هو ابراهيم ناجي , لكن لا أعتقد أن ذلك سيحدث عند الانسان محدود الثقافة , لكن تجده يطرب لزي الهوى و لأي دمعة حزن لا أو فاتت جنبنا للعندليب الأسمر عبد الحليم حافظ , و شعراء هذه الأغاني معروفون لديهم, و حتى و لو ان لم تكن الأسماء معروفة فعلى الأقل كلماتهم محفوظة لأنها عامية , فهنا يكمن النجاح , أقصد نجاح الشعر الملحون …هكذا يمكننا القول أن الأدب الشعبي له أثر كبير في رفع و دفع الحركة الأدبية نحو الأمام , كما عرفنا مدى تأثير الأدب الشعبي على السواد الأعظم من الشعب …و مهما كان من اختلاف حول هذه النقطة فسيبقى الأدب الشعبي هو النبراس الأساسي في تغذية ذوق الجماهير و تلبية رغباتها , و انما الاختلاف سيطرح في لغة الأدب , و عندما نقول لغة الأدب فاننا نقول لغة المسرح , لغة الغناء, لغة السنيما , وهذه العناصر الثلاثة هي الأدب الحقيقي , خاصة في وقتنا الحاضر , فعصر السرعة يتطلب منا ذلك , فالانسان بدل أن يضيع شهرا كاملا في قراءة رواية فمن الأحسن أن يشاهدها سنيمائيا أو تلفزيونيا ( تمثيليا ) في ساعتين و ينصرف و شأنه …
الحقيقة لهذا الموضوع مجال واسع و دراسات و مناقشات تحتد و تطول لا يمكن ختمها في لقاء واحد , و انما أردت من مقالي هذا أن أسلط بعض الأضواء الخافتة حول الأدب الشعبي لألح على ضرورة الاهتمام بالمسرح و الغناء و السنيما فبواسطتها يمكن أن نرفع من ذوق و ثقافة أغلبية الجماهير…
بقلم / منير راجي / وهران / الجزائر