عبدالحميدشومان
العثماني ن في ليبيا يسعون إلى تثبيت أقدم ميليشياتهم على الأراضي الليبية لتكون ورقة ضغط قابلة للاستخدام ضد أمن مصر واستقرارها فضلاً عن المطامع الاقتصادية في ثروات البلاد ومشاريع إعادة الإعمار المربحة.
هذه هي قائمة الأهداف الخبيثة التي تودّ أنقرة أن تحققها من وراء تدخلها السافر هناك. وقبل ذلك هو ضمن مشروع “الخلافة” الأردوغاني الذي يهدف لبسط الهيمنة التركية على المنطقة فتركيا أقامت قاعدتين عسكريتين في كل من قطر والصومال كما حاولت الشيء نفسه في السودان، وتسعى الآن لإقامة قاعدتين بحرية وأخرى جوية في ليبيا، كما يبدو أنها تحاول التدخل بشكل غير مباشر في اليمن ذلك في الوقت الذي تواصل فيه تدخلها العسكري في كل من سوريا والعراق.
مجموعة من الدول العربية تحاول أن تقاوم ببعض ما تبقى من حالة إجماع مشترك هذه الأطماع الأردوغانية ، وتأتي كل من القاهرة والرياض وأبوظبي في مقدمة الفاعلين لتحمل هذه المسؤولية الضرورية، باستثناء دولة قطر التي لم يعد مستنكرا أن تتخذ قرار البقاء على الخط المضاد دائما، وقد نذرت مقدراتها لتكون منصة ترويج وتلميع للتدخل التركي وخزينة للتمويل والدعم.
في يونيو وضع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي خطاً أحمر بين سرت والجفرة، وتعهد في حال تجاوزه بالتدخل العسكري مباشرة، وقد استكمل كل الشرعيات اللازمة في الداخل والخارج التي تخوّل له الحق في القيام بهذه المهمة، فقد سبق وأن حصل على موافقة واضحة من الجيش الوطني الليبي، ومجلس النواب، وكبار شيوخ وأعيان القبائل في ليبيا. وكان بانتظار تفويض البرلمان المصري فقط وفقاً للدستور، وقد حصل عليه واستكمل عدته القانونية.
وسرت والجفرة اللتان هما خط أحمر عند الجيش الوطني الليبي ومصر، هما أيضاً هدف أساسي لقوات حكومة الوفاق وتركيا. ولذلك يمكن أن تصبح بداية هجوم قوات تركيا والوفاق على سرت والجفرة لحظة حاسمة تحدد مستقبل الحرب في ليبيا، وحينها لن تبقى الأمور بيد اللاعبين الليبيين، إنما بيد تركيا ومصر بالدرجة الأولى، وستجد مصر نفسها في مواجهة ملفات حساسة، يمكن أن تشكل تهديداً وجودياً لها، ويمكن أن تمس موقعها كدولة عربية وأفريقية كبرى.
كل من مصر وتركيا يتمنى تحاشي المواجهة، لأنها مكلفة للدولتين، غير أن فكرة التقارب بين القاهرة وأنقرة أصبحت غير واردة في ظل تباعد المسافات السياسية وصعوبة تقديم تنازلات متبادلة. المسألة باتت تحتاج إلى قدر كبير من الحسم، ولابد أن يكون هناك فائز وخاسر سياسياً، ولم يعد منطق التعايش والقبول بالآخر ممكنا مع اتساع التناقضات بينهما في غالبية القضايا الإقليمية. لذلك لن تستطيع مصر تجنب الصدام مع تركيا في ليبيا مهما حاولت تفاديه، ولن تتمكن الأخيرة من تجنب المواجهة مهما حاولت الالتفاف عليها أو الهروب منها.
وليس ثمة شك في أنَّ القيادة المصرية بذلت جهوداً سياسية غير عادية للابتعاد عن خيار التدخل العسكري، لكن الرئيس رجب طيب أردوغان لم يترك لها أي خيار آخر.
تعرف أنقرة أن الدخول في هذه المواجهة سيكون مكلفاً بالنسبة لها، بحكم الجغرافيا السياسية، وعوامل أخرى تتعلق بمسرح العمليات العسكرية المفتوح. لذلك لن تكون رأس الحربة في هذه المعركة بل ستواصل اعتمادها على الميليشيات والمرتزقة.
بينما تبدو مصر أكثر قدرة على الحسم، فالخبرات المصرية المتراكمة في الحرب المفتوحة لمواجهة الإرهاب تمكّن القاهرة من مواجهة أية قوات داخل ليبيا وخارجها، وأيضاً سيكون للقبائل الليبية التي أعلنت دعمها للقاهرة وزناً مهماً، وتحرّكها بشكل فاعل عقب تسليحها ودمجها في الجيش الوطني، قد يقلب المعادلة.