الإعلام المرئي يشكل قاطرة مهمة في أي تحول مجتمعي، ورافداً أساسياً يساهم في بناء المجتمع الديمقراطي المنفتح على معظم التعبيرات السياسية، وعلى كل المؤمنين بمعايير التحول الديمقراطي، بناءً على قاعدة تشاركية تجعل التأثير قطب رحاها ومركزيتها الأساسية، ولا يخرج الإعلام العمومي عن هذا المسار، باعتباره من اللبنات التي يرتكز عليها أي مشروع مجتمعي ديمقراطي، يقبل التعددية كمسار ومنهج، وذلك بما توفره خرائطه التواصلية من تعبيرات ورسائل متنوعة ، تصل أسماع وأعين المتلقي وتحفزه على تطوير ذائقته ، فما بالك بارتجالية مؤسسة على البلادة، وفقر في الموهبة وضعف الخيال، ارتجالية غياب الضبط وغلبة الخلط والخبط، وهزال القوالب الإعلامية التي لا تنطوي على شيء من الثقافة والفكر والعمق، فتكون النتيجة الحتمية ظهور الفوضى والضبابية والغوغائية الإعلامية التي أوجدت فئة من المحسوبين على الإعلام لا يقدر أشطرهم أن يحرر مقالاً أو نشرة أخبار عادية.
ولقد رأينا وقرأنا ما يكتبه كل يوم عدد من متسولي الكتابة وباعة الكلام والمزور، ممن سيطرت على عقولهم الولاءات الطائفية، فهل ماذكر المقصود منه تجاهل العامة ام ازاله كل ما هو ثابت من ثوابت الفكر حتى باتوا يبدون مواقف عدائية من القضايا الوطنية المصيرية لأنها ببساطة تخالف ما درجوا عليه من قناعات سياسية أو طائفية ضيقة الأفق.ليس من العيب أن يتعاطى الإعلامي السياسة وأن يكون له رأي خاص، ولكن من المعيب أن يتحول الإعلامي إلى مجرد بوق لنشر الجهل العقائدى والفكر المتنامى.
فالإعلام ينبغي أن يوجه السياسة لا أن توجهه السياسة، لأنه إذا خضع للتوجيه فقد ذاتيته وموضوعه، والإعلام الرسالي يقتضي أن يجتمع الإعلاميون على القضايا الوطنية المصيرية الجامعة التي تعلو على كل المواقف ؟؟ ما نسلط الضوء عليه هو دور الإعلام في صياغة الفكرة والعقل والتجهيل والوعي ، وكيف لعبت وسائل التواصل الإجتماعي اليوم دورا بارزا في كشف كثير من التضليل الإعلامي والدور الذي يقوم به في صناعة الوعي..المؤسسات الإعلامية مارست دور العقل الجمعي من خلال خطة طويلة الأمد في صناعة وعي الجمهور بسياسة التجهيل، حيث احتكرت مصادر المعلومة والعلم، ورغم تعدد وجوهها البارزة في المجتمع في شبكات عنكبوتية لها أسماء مختلفة إلا أنها كانت تعود في حقيقتها لعقل مدبر ومدير واحد، يرسم لها استراتيجياتها المعرفية وما يجب أن تقدمه للجمهور مواكبة للاستراتيجيات الاقتصادية الرأسمالية والاستراتيجيات السياسية الرامية للهيمنة والاستعمار الفكرى وإن كانت بطرق مختلفة تتناسب مرحلة الاستيلاء على العقول وتكوين المصدرية الوحيدة للمعلومة والخبر ، ولنمط الشخصية التي يجب أن يكون عليها الفرد ، وبعد نجاحها في الاستيلاء على العقل الاجتماعي للأفراد ، وقدرتها على بسط نفوذها الإعلامي وصناعة الحدث وفق ما تريد استراتيجياتها ، جاءت العولمة الإعلامية لتحول العالم لقرية صغيرة تنتقل فيه المعلومات بين الجميع بسرعة البرق، كان الهدف هو نقل خبرتها الطويلة في ساحات صناعة الوعي بالتجهيل في الغرب إلى عالمنا.