الكاتب : كمال بلعتروس
.كان يوما ممطرا في فصل الربيع ,ولم يكن مطرا عاديا, فكان اعينا تبكي مع زخات الماء من السماء ,وكان هو مسرعا لحضور الجنازة التي يجب ان لا تفوته ,استقل السيارة, وفي الطريق صرخ على السائق ان يسرع قبل موعد الدفن, اسرع السائق في الطريق وتوقفا عند المكان المقصود .نزل من السيارة مهرولا, فاذا بجمع يسير من الناس يقفون امام المقبرة ليشيعوا الميت ,فاستغرب من قلة الحضور, وسال هناك احد الحاضرين عن السبب, فلم يرد عليه و نظر اليه نظرة حادة, تقدم الى المقبرة حيث يتم الدفن, فوجد مجموعة من الرجال يضعون الجثة في القبر, وهم يتمتمون كلاما غير مفهوم, ثم لاحظ رجلا الى جانب القبر يتنهد ,وعلامات الحزن بادية على وجهه’ وبعض الحضور يقترب منه ليواسيه في مصابه, فعلم انه من اهل الميت, اقترب منه وساله قائلا :ماسبب الوفاة, فطاطا الرجل راسه ولم يرد, كررها عليه ثانية ,فبقي صامتا لايجيب, تدخل رجل من الحضور ونهره قائلا: ولماذا هذا السؤال, وما يهمك انت ؟تراجع الرجل الى الوراء وهو يراقب الجثة والتراب يغمرها, ثم جىء بلوحتين من الاسمنت ووضعتا على القبر حتى يتعرف عليه, واما هو فلم يهنا له بال حتى يعرف من قتل هذا الميت, ولماذا قتل ؟انصرف الجميع بعد الدفن, وبقي هو يرقب المكان يريد ان يعرف الحقيقة ’وبعد مدة من الانتظار, لمح امراة اتية من مدخل المقبرة’ فبقي يبصر اليها حتى تقدمت الى القبر, فجثت بركبتيها وبدات بالصراخ والبكاء, وهي تقول :اه يا ابنتي الصغيرة لقد فقدتك وانت في ريعان شبابك ,لقد تمنيت ان ازفك عروسا وافرح بك وباولادك, اه يا ابنتي لقد اردتك ان تتعلمي وتصبح مهمة في المستقبل, وافاخر بك امام الجيران ,ولكن الموت اسرع بك , اه يا ابنتي ليتني مت قبلك ولم اقف على قبرك كما اقف الان, اه يا ابنتي لقد غدروا بك وانت الفتاة الصغيرة الجميلة,تاكد الرجل انها ام الفتاة المفقودة, فتقدم منها, ثم تنحنح وقال يا اماه هل الفقيدة ابنتك؟ نظرت اليه وقد امتلا وجهها حزنا والما وبصوت خافت وحزين قالت: نعم هي ابنتي وفلذة كبدي؟ فسالها مرة اخرى وكيف ماتت ؟ سكتت سكوتا مفاجئا ؟ ثم ردت لما هذا السؤال ؟ فاجاب خجلا :اريد ان اعرف فقط؟ قالت :الحقيقة ان اباها هو الذي قتلها بسكين حادة منذ يومين ,ثم اجهشت بالبكاء والعويل,,,فقال : ولما قتلها ’ قالت: لقد اتهموها بفعل الفاحشة ,وهي بريئة من هذا الفعل فانا اعلم ابنتي التي ربيتها,,,تنهد الرجل ثم قال للمراة ماهي القصة؟فاجابت الام المكلومة القصة بدات عندما كانت ابنتي تدرس في المدرسة فوقعت في حب معلمها………
لقد تعلقت به عندما كانت تلميذته وهومعلمها فاجتمعت التلميذة والمعلم على حب لم يدم طويلا ,وفي عش صنعاه في مخيلتهما ولكن لم يكتب له النور فكان حبا واهنا مالبث ان تلاشى.
كان معلمها متمكنا في اللغة متمرسا في الاداب ملما بالنحو ,وكانت هي تلميذته النجيبة في العلم,الحاذقة في الفهم,فكان يطرح الاسئلة والجميع صامت اما خجلا واما وجلا واما جهلا ,وكانت هي الجريئة ,لانها تعلم انه لين معها رغم قسوته ,فترفع اصبعها شاخصة ببصرها نحوه منبهة ان الجواب عندها ,,,وكان هو يمر ببصره بين تلاميذه ولكن المبتغى تلميذته…وهكذا تمر الايام بين المعلم وتلميذته حب متبادل مخفي بين ثنايا القسم لا يخرج الى الواقع لانه سيوؤد في مهده……………………………………
كبرت العلاقة بينهما واشتد لهف الاحد بالاخر وبدا هذا الحب المخفي يخرج رويدا رويدا الى اذان اناس ,; لايتقبلونه لانه منافي لكل المبادىء والاديان في عرفهم,,,دعاها ذات مرة للخروج معه ,لكنها رفضت بشدة ,وداخلهاروح تتشوق لذلك اللقاء بل تتمناه منذ امد طويل .,,,كان يلح عليها دائما وهي ترفض خشية المجتمع,ولكن هذا المجتمع بدايزول من ذهنها ’وبدا حكمه الظالم يتلاشى من مخيلتها ’وبدا صوتها الانثوي يخرج من مكبوتاتها ليقول لها تحرري من اعرافك ولبي رغباتك التي خلقت لها ,ولا تتبعي اعراف المجتمع الخاطئة التي وضعها اناس بدائيون يرون المراة عارا وحركتها في الحياة عبثا واحلامها تمردا ,,,لقد قررت ان تتحرر بطريقتها وتترك المجتمع وعاداته خلفها دون رجعة.
التمرد…………………………………………………………
جن عليها الليل وهي في فراشها تطوف بمخيلتها داخل القسم وامامها فارسها الذي سكن وجدانها وانفاسها ,وحل عليها
الظلام ومعه احلامها بين احضان حبيبها فتبادله الحب ويبادلها وتقضي معه اجمل اوقات حياتها ,لقد تخيلته فارسها ومنقذها من براثن مجتمعها ,وتخبلتها محررها من بؤس افكار المجتمع البالية الذي ينظر الى المراة بنظرتين كلاهما سلبية فاما الاولى فان المراة هي اداة لاشباع غريزة الرجل واما الثانية فاعتبرها خادمة في بيت سيدها عليها ان تطيع مايامر,كل هذه الافكار كانت لا تؤمن بها في قرارة نفسها فكانت تنتظر الفرصة لتتخلص من هذا الواقع المزري والخلاص ان تكون مع حبيبها ,,,,,,,وفجاة تذكرت انه دعاها للخروج معه فعلت شفتيها ابتسانة تنم عن رضا ,ثم صاحب هذه الابتسامة تنهدات حزينة عندما تذكرت ان مجتمعها يمنع ذلك وانه سيعاقبها اشذ العقوبة على ذلك ,فبدا صراع رهيب يدور في نفسها ,وهذا الصراع لا بد له من حل ومخرج ,فاستسلمت اخيرا لرغبتها ورمت المجتمع وافكارها بعيدا عن حياتها وقررت ان تتحدى وتخرج مع حبيبها,
اليوم السعيد التعيس,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,طلع عليها الصباح الذي كانت تنتظره وافلتت من فراشها على عجل صوب المراة لتزين نفسها ,وهي تفكر ماذا ستقول لحبيبها وهي الخجولة ,وكيف ستواجهه لتقول له انها تريد الخروج معه,فكرت كثيرا ثم عزمت ان تتخلى عن خجلها الذي جعلها تكبت حبها له ,,,نعم اليوم ستقول له انا احبك واريد الخروج لنذهب الى اين تشاء.
دخلت القسم فوجدته فارغا فالتلاميذ لم يلتحقوا بعد ,توجهت نحو مقعد جلوسها وهي تنتظر معلمها على احر من الجمر,وبدا الخوف يسكن جسدها ’وعاد الخجل اليها بعد ان طردته ,وبدات تطرح اسئلة على نفسها وتجيب عليها,,,ثم فجاة سمعت طرق اقدام فارتعد ت قليلا , وبدا ذلك الطرق يقترب منها ثم فجاة توقف ,لتحبس انفاسها ثم تسمع صوتا خافتا يقول لها صباح الخير…تنهدت قليلا ثم رفعت وجهها صوب المتكلم فاذا هو معلمها ينظر اليها ويبتسم لها ابتسامة جعلت كل الخوف والخجل يختفي فجاة ويتحول الى سعادة لم تشعر بمثلها من قبل ,وفي لحظة مجنونة تقوم من مكانها مسرعة الى معلمها وترتمي بين احضانه ومعه ترمي كل اوجاعها وهمومها ,,,وتصرخ صراخا مدويا ياحبيبي كم انتظرتك وانتظرت هذه اللحظة وهاانا بين يديك ولااريد ان افلت منهما ,هاانالك ياحبيبي خذني من هذا المكان لااريد الرجوع اليه اريد ان ابقى معك وحدك لنعيش خارج هذا المجتمع الذي قهرني وحرمني والمني ,ارجوك خذني بعيدا عن هذا المكان…بقي المعلم صامتا وباهتا ثم خفت في اذنيها نعم ساخذك من هذا المكان ,سنعيش في مكان اخر حيث لابشر يتدخلون في حياتنا وحيث لا قوانين تفرض علينا احكامها الجائرة وحيث لا عادات تسلب مشاعرنا واحاسيسنا ولا تقا ليد تسجننا داخل احكامها القاسية نعم سنذهب بعيدا ونبقى وحدنا فقط,,,وفي هذه اللحظات الجميلة التي جمعتهما وفي خضم هذه المشاعر والاحاسيس تناسيا انهما داخل المدرسة, ليستيقظا من هذا الحلم على وقع صراخ التلاميذ وقيم المدرسة الذين دخلوا القسم فيفاجؤوا بمنظر لم يعهدوه من قبل انه منظر تلميذة في حضن معلمها,لقد كان يوما سعيدا لها ,,,ولكنه في الحقيقة اتعس يوم في حياتها.
بداية الشقاء………………………………………………….كل من في المدرسة يتحدث عنها وعن معلمها والكل يسخط ويستنكر ويتوعد,ولا يتوقفون عند احتضان المعلم لتلميذته, بل منهم من يقول انها مارست الفاحشة معه, وهذا ما يزيد الامر تعقيدا في مجتمع يعتبر هذا الامر خط احمر تاخذ روح كل من يتعداه,وصلت اخبار المعلم وتلميذته الى مدير المدرسة فتفاجا بهذا الفعل وتوعدهما باقصى العقوبة ,وتم اقتيادهما الى مكتب المدير امام هتاف التلاميذ وسخريتهم ودخلا الى المكتب وكانهما مجرمين فعلا جريمة خطيرة …نظر المدير الى المعلم وبدا يوبخه قائلا :اتدعي انك معلم اجيال .اتدعي انك حامل رسالة العلم والمعرفة ,اراد المعلم ان يجيب لكن المدير اوقفه ,ثم سلم له ورقة مكتوب عليها انت مفصول عن العمل وسيحال فعلك على العدالة ,انفجر المعلم في وجه المديرانتم من يجب ان يحاكم ويعاقب انتم من شرعتم لنا عادات تحرمنا من مشاعرنا ,انتم من تعاقبون لانكم فرضتم علينا منطقكم الخاطىء لتقتلوا الحب فينا ,انتم من يعاقب لانكم تحاربون كل ماهو جميل فينا فنشرتم القبح والظلام في ذواتنا ,انتم من يعاقب لانكم تحرموننا من اشياء وتبيحونها لانفسكم انا ساخرج من هنا المكان ولكن لن اسامحكم على افعالكم,ثم نظر الى تلميذته بنظرة حزينة ممزوجة بحب مقهور قائلا لها اعذريني فذنبي اني احببتك وذنبي اني اعيش في مجتمع يحارب الجمال والحب وخرج من المكتب والدموع تنزل من عينه لتقول وداعا الى الابد,,,نظر المدير الى التلميذة نظرة غضب ثم قال لها :اما انت فابويك سيكفلان بعقوبتك..انهمر الدعاء من عينيها وبدات بالصراخ راجية المدير ان لا يخبراباها لانها تعلم انه لن يتوانى في قتلها اذا سمع بالحادثة ومكثت على ركبتيها راجية المدير ان يكتم الامر ,ولكن المدير غليظ القلب لن يلبي لها مطلبها.
القدر المحتوم,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,خرجت من المدرسة تجر اذيال الخيبة وتتنهد تنهدات الندم على فعلها واي فعل فعلت واي ذنب اذنبت ذنبها انها احبت في مجتمع يحرم الحب ويحارب الجمال ,,مشت خطوات احست انها اميال فكانها ذاهبة ال حبل المشنقة نعم انه حبل المشنقة لانها تعلم ردة فعل اهلها على هذا الفعل.وبينما هي تحدث نفسها غير ابهة للطريق فاذا بصوت يوقضها قائلا لقد جاءت لقد رجعت العاهرة وصوت اخر يقول لقد جاءت الفاسقة الويل لها,,,ولما رفعت بصرها فاذا هي قريبة من بيتها الذي تجمع حوله النساء والرجال ليحددوا عقوبتها والجميع يحمل غيظا وغضبا على فعلها ,,وتوجهت مسرعة الى لتدخل البيت فتجد امها بالباب والدمع ينهمر من عينيها قائلة الهذا بعثتك الى المدرسة يا ابتني ؟لماذا مرغتي سمعتنا في التراب ؟لماذا فعلتي هذا بنا ونحن طالما احسنا اليك واحسنا الظن بك …لم تجد الفتاة ماذا تجيب امها فقد احست انها اخطات سارعت الى سريرها لترتمي عليه وصوت بكائها وعويلها يملا المكان وهي تقول انا لم افعل شيئا انهم يكذبون عليك يا امي انا لم افعل مايقولونه انهم يكذبون ..والام تسمع صوت ابنتها وتقول ماذا سيفعل والدك اذا سمع بالامر فيزيد هذا الكلام من الم الفتاة التي يغمى عليها من شدة التحسر.رجع الاب من عمله بعد ان سمع بالحادثة وزاد غيظه عندما راى الجيران مجتمعين حول البيت …فدخل مهرولا دون ان يكلم احدا وخاطب زوجته في توتر شديد هل صحيح مايقوله الناس في الخارج …اومات الام براسها نعم فاشتد غيظا وحسرة وتذكر قول الناس عنه بعد هذه الفاجعة وبقي يحاور نفسه كيف الخروج من هذه المصيبة وفي لحظة غضب والم ووسوسة شيطان ذهب ليرى ابنته الممددة فوق السرير والحسرة تملاها …فاقترب منها وخاطبها :لم فعلت هذا يا ابنتي ؟فترد البنت انا لم افعل ياوالدي لقد اتهموني فقط ,ثم بدات تتوسل اليه طالبة الصفح .فرمقها الاب بنظرة فيها حب ومعها غيظ فاحتضنها اليه وقال لا تخافي يا ابنتي لن يتكلم عنك احد بعد الان ثم احتضنها مرة اخرى فاحست بالامان وفي لحظة جنون استل سكينا من جيبه ليغرسه في قلبها الطاهر …ويتحول ذلك الحنان الى الم تخرج منه كلمات تقول :لم فعلت ذلك يا ابي ….ثم تلفظ انفاسها الاخيرة بين احضان والدها الذي طالما اشعرها بالامان وسقطت جثة هامدة بعد ان خرجت منها الحياة .نظر الاب الى الجثة ثم قال الم اقل لك انه لن يتكلم عنك احد بعد الان.
واخيرا ……………………………………………………مر الرجل في الطريق فوجد اعلان وفاة ولما قراه عرف ان الميت هي تلميذة سابقة عنده …فاغرورقت عيناه وعزم على حضور الجنازة فوضع نظارته وقبعته على راسه وهرول باحثا عن سيارة ليحضر دفن من دفعت حياتهاثمن جريمة اسمها جريمة الحب.