بقلم..أحمد الشامي
وذلك لأن حسده في لغة العرب في المعجم الوسيط تمنى أن تتحول إليه نعمته أو أن يسلبها. وتمنى الشيئ لغة قدره وأحب أن يصير إليه . وورد في تفسير الشعراوي لقوله تعالى ( ودَ كثيرُ من أهلِ الكتابِ لو يردونَكُم من بعد إيمانكُم كفاراً حسداً من عِندِ أنفُسِهِم ..) سورة البقرة آية 109 .
أن الحسد تمني زوال النعمة عمن تكره وقوله تعالى ( حسداً من عند أنفسهم ) أي أن هذه المسألة من ذواتهم لأنهم يحسدون المسلمين على نعمة الإيمان ويتمنون زوال هذه النعمة . لذا يجب علينا أن نتعامل مع الحسد على أنه كراهية النفس أو الإنسان أو الجن للذين آتاهم الله من فضله أو حب كلاً منهما لذاته فقط وكراهية الخير لغيرهم وتمني زوال النعم عنهم . والحسد يقوم به الجن والإنس لعموم الآية السابقة ويكون الحاسد هو الذي لا يحب الخير للآخرين سواء كان من الجن أو من الإنس . والمحسود هو الذي آتاه الله من فضله سواء كان من الجن أو من الإنس لأنهم مكلفين بعبادة الله معاً . وقد يقع الحسد من جن إلى جن ومن جن إلى إنسان ومن إنسان إلى إنسان ومن إنسان إلى جن رغم أن الإنسان لم يرى الجن وذلك لأن الحسد كراهية في النفس قد تصدر من شخص ما إلى شخص آخر دون أن يراه لمجرد أنه سمع أن الله آتاه من فضله أو أن الله أنعم عليه ببعض النعم مثال قيام شخص ما بحسد كل ما صلح من الجن على نعمة الإيمان قال تعالى ( وأَنَا مِنا الصالحونَ ومنا دونَ ذلكَ ) سورة الجن آية 11 .
و بالتالى فإن بإمكان إنسان أو شخص ما أن يحسد إنسان أو شخص ما في بلد آخر دون أن يراه . وقد يحسد الحاسد أكثر من واحد وقد يحسد قرية بأكملها وقد يحسد عالم بأسره إن أمكن ذلك قال تعالى ( ومن شرِ حاسدٍ إذا حسدَ ) سورة الفلق آية 5 . ويتم ذلك عندما تتجمع الكراهيه في نفس الحاسد تجاه المحسود لدرجة الكفر أي كفر الحاسد بما آتاه الله من فضله للمحسود . ومن الآية السابقة فإن كل إنسان بإمكانه أن يحسد إذا أراد ذلك لقوله تعالى ( إذا حسد ) ولكن ليس لكل إنسان أن يُحسد أي يكون محسودا لأن الحسد لا ينفذ إلا في من كان نقي القلب والصدر ومجرد من الشر ومنبع للخير … وإلإ على ماذا سيُحسد ؟ فعن سالم عن أبيه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( لا حسدَ إلا في اثنتين : رجل ٱتاه اللهُ القرآن َ فهو يتلوه آناءَ الليلِ وآناءَ النهارِ ورجل آتاهُ اللهُ مالاً فهو يُنفقه آناء الليلِ وآناءَ النهارِ ) صحيح البخاري رقم 6998 . ومن ثم لاحسد للإنسان إلا على ما أنعم الله عليه من الخير حيث لا حسد في مال حرام وما إلى ذلك . والحسد يحتاج إلى درجه عالية من الكراهية حتى يتم من الحاسد إلى المحسود لأن الحسد لايجتمع مع الإيمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد ) سنن النسائي الصغرى رقم 3074 . وقد ينتقل الحسد من الحاسد إلى المحسود بدون وسيط وربما إحتاج إلى وسيط في بعض الأحيان .
والوسيط قد يكون من الجن أو من الإنس وذلك لنقل الحسد وإنفاذه في المحسود . فإن كان الوسيط من الجن فإنه يتلقف الكراهية من نفس الحاسد بعدة وسائل منها الإشارة أو المشاهدة أو التخاطر الشيطاني أو الإستماع إلخ ثم يترجمها إلى أفعال ضارة تضر بالمحسود .
وإن كان الوسيط إنسان فإنه يقوم بنقل الحسد من الحاسد إلى المحسود بأن يفعل مثلما فعل الجن فيقوم بترجمة الكراهية التي في نفس الحاسد بعد معرفتها إلى أفعال ضارة تضر المحسود .. وقد ينفذ الحسد من الحاسد إلى المحسود سواء كان المحسود إنسان أو جان أو شيئ ما من تلقاء نفسه ربما عن طريق قوة غير مادية لا نراها كالكهرباء مثلا ولا شك في ذلك لأننا نرى نتائج حتمية ولابد للنتائج من مقدمات . فإن كنا نجهل المقدمات فليس معنى ذلك أن نجهل النتائج بل يجب أن نبحث عنها ربما نعلم عنها شيئ في يوم من الأيام . وأخيرا فالحسد حب الشخص لذاته فقط وكراهية الخير للآخرين .
أما إذا تمنى خير مثلهم فهذا ليس بحسد لأن من يتمنى الخير مثل فلان فإنه لا يتمنى بذلك زوال الخير منه بل يريد أن يكون هو والشخص في خير معاً .