بقلم..أحمد الشامي
وذلك لأن المس في لغة العرب في المعجم الوسيط الجنون أو علاج يكون بمس الجلد أو الغشاء المخاطى بمادة كاوية . والجنون في لغة العرب زوال العقل أو فساد فيه . وورد في تفسير الوسيط لطنطاوي لقوله تعالى ( الذينَ يأكلونَ الربا لا يقومونَ إلا كما يقومُ الذي يتخبَطُهُ الشيطانُ من المسِ ) سورة البقرة آية 275 . أن المس هو الخبل والجنون ويقال مس الرجل فهو ممسوس إذا أصابه الجنون وأصل المس اللمس باليد ثم استعير للجنون لأن الشيطان يمس الإنسان فيجنه . وورد في تفسير البغوي لقوله تعالى ( من المسِ ) أي الجنون يقال مس الرجل فهو ممسوس إذا أصابه جنوناً . وورد في تفسير التنوير لإبن عاشور أن المس في الأصل اللمس باليد والخبل في لغة العرب فساد العقل . لذا يجب علينا أن نتعامل مع المس واللمس واللبس على أنهم جنون في العقل أو فساد فيه وأن الممسوس مجنون أو به فساد في عقله أو في أحد أعضاءه . وذلك لأن فساد شيئ في العقل قد يؤدي إلى توقف عضو من أضاء الجسم وقد يشعر مريض المس بالشلل في جسده كله أو في بعضه أو بشيئ من التنميل وهكذا . والمس زوال الإدراك الحقيقي للأشياء يقوم به الجن والإنس فعندما يمس الجن الإنسان أو يلمسه أو يتلبس به . قد يزول عقل الإنسان أو يغمى عليه وتتصلب أعضاءه أو بعضها . وقد يشعر الإنسان المتلبس بالجن أو الممسوس بتنميل في الجسد أو في أحد أطرافه أو في عضو دون الآخر .
وقد يشعر بنوع من أنواع الشلل الوهمي أو الحقيقي سواء كان كلي أو جزئي ..إلخ وأن المس يبنى على الهمز والنفث والنفخ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( اللهم إني أعوذ بك من الشيطانِ من همزِهِ ونفثِهِ ونفخِهِ ) مسند الإمام أحمد رقم 2700 وفي المعجم الوسيط الهمز هو الصرع والنفث هو الشِعر والنفخ هو الكِبر . ففي حالة الصرع يقوم الجن مثلا بإحداث علة في الجهاز العصبي بوسيلة ما مثال كثرة الفكر بدون داعي . فيحدث تشنج في العضلات وغيبوبة فيزول العقل ويتم المس . وزوال العقل هنا لا يعني النوم لأن ثمة إختلاف كبير بين النوم والنعاس والغيبوبة وغياب العقل الذي هو الجنون أو فساد فيه . وفي حالة الشِعر يأتي الجن إلى شخص ما مثلا ويجعله ينطق بكلام مذموم فيسير الشخص في طريق الجن ويلازمه في القول والعمل فيتم المس . وفي حالة الكِبر مثلا يأتي الجن إلى شخص ما ويجعله يمتنع عن قبول الحق فيتكبر الشخص على عبادة الله مثلما فعل إبليس من قبل ويلازمه في القول والعمل فيتم المس . ومن ثم كان الفرق بين المس والسحر . فالسحر مرض كأي مرض يحدث للجسم أما المس فإنه جنون أو فساد في العقل .
ولعل هذه إجابة على سؤال لماذا أُصيب النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر دون المس ؟ هذا ويصل الجن إلى الشخص الذي يراد فعل المس به في حالة الصرع أو التشنج العضلي الكلي في الجسد أو في عضو واحد أو إثنين عن طريق الجهاز العصبي وذلك عن طريق عدة أمور منها الدخول في الجسد لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن الشيطان يجري من إبن آدم مجرى الدم ) صحيح البخاري رقم 6663 . ومنها عن طريق الغضب فقد أتى رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر عليَّ فأنسى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تغضب ) موطأ الإمام مالك رقم 1614 . ويفسر هذا في العلم بأنه في حالات الغضب تقوم الغدد الأدرينالية بإفراز مادة الأدرينالين التي تعمل على زيادة نبض القلب وإنقباض الأوعية الدموية فتزيد كمية الدم المنبثقه من القلب إلى المخ فيتأثر الجهاز العصبي وقد يتوقف عن العمل فتتشنج العضلات في كل أعضاء الجسم فيصرع الإنسان وقد يتشنج عضو واحد أو يتوقف عن الحركة وهذا هو المس وحالاته إذا حدث هذا بدون سبب عضو . وفي حالة الشِعر أو التكبر يصل الجن إلى الشخص المراد مسه عن طريق عدة أمور منها الوسوسة أو التخاطر الشيطاني أو التمثيل…
وقد يقوم الجن أو الإنس بالمس لأن المس زوال للعقل ولا يتم زوال العقل إلا بكائنات عاقلة لها القدرة على السيطرة على الشخص المراد إصابته بالمس كالإنسان أو الجن . ومن ثم يقوم الإنسان بعمل المس مثلما يفعل الجن فالإنسان قادر على دفع شخص ما إلى الغضب أو التكبر أو الشعر المذموم وهكذا حتى يجعله يفقد أعصابه ثم عقله بوسيلة ما كالضرب مثلا فيجن أو يمس . وقد يستعين الإنسان بالجن ويناجيه وينفذ أوامره من أجل نفاذ المس إلى شخص ما . وأخيرا فإن المس عبارة عن زوال للعقل أو فساد فيه ولا شك أن لزوال العقل أو فساده أسباب كثيرة منها ما هو عضوي ومنها ما هو نفسي ولا خلاف في ذلك .