بقلم ..أحمد الشامي
وذلك لأن القدر في لغة العرب في المعجم الوسيط مقدار الشيئ وحالاته المقدرة له أو وقت الشيئ أو مكانه المقدر له أو القضاء الذي يقضي به الله على عباده والجمع أقدار . والمقدار لغة القضاء والحكم أو آله يعين بها ساعات الليل والنهار.
ومقدار الشيئ لغة مثله في العدد أو الكيل أو الوزن أو المسافة . وورد في تفسير الوسيط لطنطاوي لقوله تعالى ( إنا كُلَ شيئٍ خلقناهُ بقدرٍ ) سورة القمر آية 45 . أي إنا خلقنا كل شيئ في الكون بتقدير محكم وبعلم شامل وبإرادة تامة وبتصريف دقيق لا مجال معه للعبث أو الإضطراب .
وورد في تفسير البغوي لقوله تعالى ( إنا كل شيئ خلقناه بقدر ) أي ما خلقناه فمقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ .. قال الحسن قدر الله لكل شيئ من خلقه قدره الذي ينبغي له .
وورد في تفسير التنوير لإبن عاشور لقوله تعالى ( إنا كل شيئ خلقناه بقدر ) أي إنا خلقنا وفعلنا كل ما ذكر من الأفعال وأسبابها وآلاتها وسلطانه على مستحقيه لأنا خلقنا كل شيئ بقدر والمراد أن خلق الله للأشياء مصاحب لقوانين جارية على الحكمة .
وورد في تفسير القرطبي لقوله تعالى ( إنا كل شيئ خلقناه بقدر ) أن الذي عليه أهل السنة أن الله سبحانه وتعالى قدر الأشياء أي علم مقاديرها وأحوالها وأزمانها قبل إيجادها ثم أوجد منها ماسبق في علمه أنه يوجده على نحو ما سبق في علمه فلا يحدث حدث في العالم العلوي والسفلي إلا وهو صادر عن علمه تعالى وقدرته وإرادته دون خلقه وأن الخلق ما ليس لهم فيها إلا نوع إكتساب ومحاولة ونسبة وإضافة وأن ذلك كله إنما حصل لهم بتيسير الله تعالى وبقدرته وتوفيقه وإلهامه سبحانه لا إله إلا هو ولا خالق غيره .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خيرُ احرص على ما ينفعكَ واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيئ فلا تقل : لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتحَ عمل الشيطانِ ) صحيح مسلم رقم 4822. لذا يجب علينا أن نتعامل مع القدر على أنه تقدير للشيئ قبل فعله أو صنعه قدر الإمكان بينما قدر الله فإنه تقدير من الله سبحانه وتعالى للأشياء قبل خلقها ولا تعقيب عليها لأنه تعالى لا خالق غيره ولا معبود بحق سواه وشتانا بين تقدير البشر للأشياء قبل فعلها أو صنعها وبين تقدير الله تعالى للأشياء .
لأن تقدير البشر للأشياء في حد ذاته قد سبق تقديره من رب العالمين فكل شيئ خلقه الله تعالى بقدر حتى القدر نفسه أوجده الله بقدر . وفي ضوء ذلك فإن تقديرنا للأشياء إن هو إلا تيسير وتوفيق وإلهام من الله الذي لا إله إلا هو ولا خالق غيره .