[ad id=”66258″]
كتب … الشبخ علي ابراهيم البربري
متابعة….عبده البربري
الإرهابُ هو الإفزاعُ والإخافة، يقال: أرهبَه ورهَّبه أي: أخافه وأفزعه، وبذلك فسِّر قوله عزّ وجلّ: “وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ” [الأعراف:116].
وقد تحدَّث القرآن عن بعضِ صُوَر الإرهاب، ومِن ذلك ما ذكَره الله تعالى عن المفسِدين من قومِ ثمودَ في قوله تعالى: “وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ” [النمل:48، 49]، ومِن صورِه إرهابُ فرعون لما آمَن السحرة: “فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى” [طه:71]، ومِن صوَر الإرهابِ ما بيّنته الآيات عن أصحابِ الأخدود الذين حفِرَت لهم الحفَر، وأُضرِمَت فيها النار، وأُلقوا فيها وهم أحياء، قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ” [البروج:10].
والإرهابُ في عصرِنا يمثِّل قضيّةَ الساعة وخطَرَ المستقبل، يتولَّد عن خطَأ في المعتَقَد والفكرِ والسلوك ومِن عدَمِ التّعايُشِ مَع الواقِعِ وعدَم الرّغبة في صناعَةِ المستَقبَل، فقد ينتج عن مَطمَع دنيوي أو يأس مع النفسِ أو انتقامٍ شِرّير.
[ad id=”1177″]
ومِنَ الإرهاب الأعمال التخريبيّة التي وقعت في بلادِنا، أعمالٌ تهدم ولا تبني، تخيف ولا تؤمِّن، بل أحدثت شرورًا عظيمة ومفاسدَ كثيرة وأضرارًا جسيمةً على المجتمعاتِ والأفراد.
وممّا اشتدَّ على أهل الإسلام أثرُه أنّ موقدَها بعضُ أبناء المسلمين الذين استَهوَتهم شياطين الإنس والجنِّ، فصَدّوهم عن الصراط المستقيم، فغَدَوا أسلحةً موجَّهة ضدَّ الإسلام وأهلِ الإسلام؛ بما فعلوا من أمورٍ عظيمة منكرَة، لم تعُد خفيَّة، فقد شاهدها الناس وعانَوا منها وشهِدوا عليهم بها، وقانَا الله شرَّها.
ومِن ذلك تكفيرُهم المسلمين وقتلُ المستَأمَنين، وإعلانُهم الخروجَ عن طاعة وليِّ الأمر واعتداؤهُم على الممتَلَكات وسَعيُهم إلى الإخلالِ بالأمن وترويعُهم للآمنين في هذهِ البلاد وغيرها وإشاعةُ الفوضى، وهنا ينبغِي أن لا نعمِّم الخطَأ على جميعِ الأمّة الإسلامية، فالإرهاب لا يرتبِط بدينٍ ولا وطن ولا أمّة، بل هو بضاعةُ إبليس يزرَعها في فكرِ من ضلَّ سعيُه وخاب عمَلُه، وقد عمَّ العالمَ ضرَرُ الإرهاب وتطايَر شررُه.
ولخطورتِه تعالَت الصّيحات إلى ضرورةِ التصدّي له وتحديد مفهومِه وبيانِ أشكاله وصوَرِه، كما تنادَت الهيئات وعُقِدت المؤتمرات وطرِحَت هذه المادّة على طاولةِ البَحث للدّراسة الموضوعيّة والتحليل العلميّ الدقيق.
وينبغي أن ندركَ أنّ الإسلامَ أرفَعُ وأشرَفُ وأسمى من كلِّ هذه السّلوكيّات الخاطِئَة والمعتَقَدات الضالّة، بل الإسلام حجّةٌ على المسلِمين في أحكامِه وتشريعاتِه، فمن عَرَفه عرَف الحَقَّ؛ لأنَّ من يعرِف الحقَّ يعرف رجالَه.
هذه التّصرّفاتُ الشاذّة لا تعبِّر إلاّ عن معتَقَد أصحابها وما يحمِلونَه من أفكارٍ منحرِفَة تخالِفُ الطّرَق الشرعيّة والأساليبَ النبويّة، ومِن عَجبٍ تمحُّلُ بعض الحاقدين حينَ ركِبوا متنَ الشّطَط والغلوّ، ولمزوا قِيَم الإسلام ومبادِئَه والدعوةَ والدعاة، في مغالَطةٍ للحقائق وكَيدٍ للإسلام وترهيبِ النّاس من الدِّين والتديُّن، وهذا تزييفٌ واضح للأجيال وافتراءٌ مَشين أملَته قلوبهم المريضةُ وأقلامهم المسمومة، وروَّجوا بأنَّ أهلَ الإسلام والداعين له ليسوا غيرَ إرهابيِّين، ينشرون الذّعرَ والرعبَ. إنّنا حين نرفض الإرهابَ ونشجبه نستَنكِر مَن يصطادُ في الماء العَكِر ويشوِّه قِيَم الدّين ويركب موجةَ الإرهاب لتمييعِ ثوابتنا، وكأنّه لا عنفَ إلاّ عند المسلِمين.
ونحن واثقون أنّ هذه الأحداثَ لها وضعٌ طارئ، وسَوفَ تتوارَى بإذن الله فلولُ السلوكِ الخاطئ والفكر المغلوط بالتوعية والبيانِ والقوّة والسِّنان، ومجدُ الإسلامِ الزّاهر مسطَّرٌ بمدادٍ مِن نورٍ من زَمَن النبوّة ثم الخلافَة الراشِدَة إلى عصرنا، ولم تَشهَد البشريّة أمنًا وسلامًا وعدلاً مشرِقًا إلا بالإسلام.
لقد سبَق الإسلامُ جميعَ القوانين في مكافحَةِ الإرهاب وحمايةِ المجتمعات من شروره، وفي مقدّمة ذلك حفظُ الإنسانِ وحماية حياتِه وعِرضه وماله ودينه وعقله، من خلال حدودٍ واضحة منعَ الإسلام من تجاوُزها. إنّه دينٌ يحمِي الكَرامةَ والحياةَ الإنسانيّة، وجعل من قتل أيَّ نفسٍ بغير حقٍّ بمثابة قتلِ الناس جميعًا: “مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا” [المائدة:32]. وتحقيقًا لهذا التّكريم مَنعَ الإسلام بغيَ الإنسان على أخيه، وحرَّم كلَّ عملٍ يلحِق الظلمَ به، قال تعالى: “قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ” [الأعراف:33]. شنّع على الذين يؤذون الناسَ في أرجاءِ الأرض ، قال تعالى : “وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ” [البقرة:205].
فالإسلام دينُ الرحمة، ورحمته صلواتُ الله وسلامُه عليه امتدَّت لتشمَلَ الحيوانَ والنبات، بل كلّ شؤون الحياة، ألم يشِر صلوات الله وسلامُه عليه إلى أنّ رجلاً دخل الجنّةَ في كلبٍ سقاه ، وامرأةً دخلت النارَ في هِرّة حبَستها؛ لا هي أطعَمتَها ولا هي ترَكتها تأكل من خشاش الأرض ؟! ألم يدعُ صلوات الله وسلامه عليه إلى عِمارة الكون وإحياء المواتِ مِنَ الأرض: ((من أحيَا أرضًا ميّتة فهي له)) .
هذا هو نهجُ الإسلام، دين التعميرِ والبِناء، لا التدمير والإفساد. حاربَ الإسلام الإرهابَ بتحريمه بكلِّ وسيلةٍ غير مشروعة يُتَوصَّل بها إلى هدفٍ مشروع، فالغاية في الإسلامِ لا تسوِّغ الوسيلةَ، فلا بدّ من مشروعيّة الغاية وما يُتَوَصّل به إليها، كلُّ ذلك ليتحقَّقَ الاستقرار ويعُمَّ الأمن والأمان في المجتمعات الإسلاميّة.
[ad id=”66258″]
دينُنا دين العدل والإحسان، أمر المسلمين أن يعدِلوا مع إخوانهم وغيرِ إخوانهم فقال تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ” [النحل:90]، وقال تعالى : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ” أي: شهداءَ بالعدل؛ تقولون العدلَ وتعملون به، تطبِّقونه على أنفسكم وعلى غيركم، وقال تعالى : “وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى” [المائدة:8] أي: لا تحملكُم عداوتُكم لبعض الناس أن تجوروا، ولم ينهَ الله المسلمين عن الإحسانِ لغيرهم وبِرِّهم إذا لم يقاتِلوهم ويخرجوهم من ديارهم، قال تعالى: “لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ” [الممتحنة:8].
دينُنا أمر بطاعة وليّ الأمر فقال تعالى: “أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ” [النساء:59]، وقال صلى الله عليه وسلم : ((من رأى من أميره شيئًا يكرهُه فليصبِر عليه؛ فإنّه من فارق الجماعةَ شبرًا فمات إلا ماتَ ميتةً جاهلية)) .
دينُنا أمر بالابتعاد عن كلِّ ما يثير الفِتَن، وحذَّر من مخاطِر ذلك، فقال سبحانه: “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً” [الأنفال:25].
دينُنا وجَّه الفردَ والجماعَةَ إلى الاعتدالِ واجتِثاث نوازِعِ الجُنوح والتطرّف وما يؤدِّي إليهما من غلوٍّ في الدّين لأنَّ في ذلك مهلكةً أكيدة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((إيّاكم والغلوَّ في الدين؛ فإنما أهلك مَن كان قبلَكم الغلوّ في الدين)) .
دينُنا عالج نوازِعَ الشرِّ المؤدّية إلى التخويف والإرهاب والترويعِ والقتل، فقال صلى الله عليه وسلم : ((لا يحلّ لمسلمٍ أن يروِّع مسلِمًا)) ، وقال: ((من أشار إلى أخيه بحديدةٍ فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهيَ وإن كان أخاه لأبيه وأمه)) .
دينُنا شرَع حدَّ الحِرابة للمفسدِين في الأرض، لجريمة الإفساد التي تروِّع الأبرياءَ وتقتُلهم وتضعِف أمَّتَهم، فقال تعالى : “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ” [المائدة:33].
يقوم منهجُنا في ديننا في الدَّعوة على إقامةِ الحجّة والبرهان، لا يجبِر أحدًا على الدخول في دعوتِه، وإن كان يتمنَّى أن يجدَ الناس حلاوةَ الإيمان، فقال تعالى: “أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ” [العنكبوت:51]، وقال تعالى: “فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ” [الغاشية:21]، وقال تعالى: “وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ” [ق:45]، وقال تعالى: “إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ” [الشورى:48].
وما انتشَر الإسلام إلا بحكمةِ رجالِه وقوّة إيمانهم واستبشارهم لقوله تعالى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ” [النحل:125].
صرّح القرآن الكريم بمنعِ الإكراه في الدين فقال تعالى: “لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” [البقرة:256]، والمسلمون لم يُكرِهوا ولن يُكرهوا أحدًا على الدخولِ في الإسلام، وقد دلَّت وقائِعُ التاريخ على هذا، فلم يثبُت في أيِّ حقبةٍ زمنيّة أنّ المسلمين أكرهوا أحَدًا على الإسلام، وبهذا تثبُت الحقيقة أنّ الإسلامَ لم ينتشِر بالسيف، قال تعالى: “أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” [يونس:99].
دينُنا للعالمين، ينشد العالميّةَ بالهدى والنور، بالقرآنِ والسّنّة، بالأسلوب الحسن والحوارِ البنّاء والجدَل بالتي هي أحسن، قال تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” [الأنبياء:107]، وقال سبحانه: “وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” [العنكبوت:46]، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله : “إنّ الله بَعثَ محمّدًا بالحقّ هاديًا، ولم يبعَثه جابيًا” .
هذا دينُنا، وتِلك قِيَمنا، لا تقوم على عواطِفَ سائرة وحماسٍ أهوَج، لا تتلاعب بها الشعاراتُ الرنّانة، وإنما أسُسٌ وقواعد، فيها حُكمٌ وإِحكام وتشريعٌ بليغ البيان، يسير على هديِه أهلُ الإسلام، قال تعالى: “قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي” [يزسف:108].
بارك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله فاستغفروه إنه هو الغفور الرّحيم.