إعداد _محمود ابومسلم
نشر ا.د كارم السيد غنيم أستاذ بكلية العلوم جامعة الأزهر عضو اتحاد كُتّـاب مصر
عبر شبكات التواصل الاجتماعي فيس بوك مقال “تحت عنوان “انشــــقاق القمـــــر في الماضي والمستقبل
يقول”انشقاق القمر” موضوع أثار جدلا واسعا, قديما وحديثا، وإلى الآن, بين المؤمنين وغير المؤمنين, بين المصدّقين والمكذبين… ونحن هنا لن نستعرض أقوال وأدلة كل من الفريقين, قداماهم ومعاصريهم, إذ المجال لا يتسع لهذه المناقشة التفصيلية, ولكن يكفينا عرض موجز لانشقاق القمر, في الماضي وفي المستقبل… أما انشقاقه في الماضي فكان معجزة وبرهانا على صدق رسالة رسولنا ونبينا محمد بن عبد الله , وترويها كتب الحديث النبوي والسيرة النبوية بأسانيد صحيحة… وأما انشقاقه مستقبلا فقد أضحى مقبولا لدى علماء الفلك والكون…
وقبل أن نوجز هذا وذاك, يجب الانتباه إلى أدب العالم المتخصص مع المعجزات, فلا يترك العنان لقلمه فيسطر ما يراه تعليلا لحدوث المعجزة، فالمعجزات لا يمكن تعليلها أو تفسيرها علميا, بل الموقف منها هو التصديق فقط. ولقد أيد الله تعالى رسولنا الكريم بعدد من المعجزات الحسية, إضافة إلى المعجزة الذهنية العقلية الكبرى, وهى القرآن الكريم, كتسبيح الحصى في يده الشريفة, وانشقاق القمر, والإسراء والمعراج, وقتال الملائكة مع المسلمين في معركة بدر… ومن المعلوم أن إيمان المرء لا يكمل إلاّ مع التصديق بالأمور الغيبية, ومنها المعجزات التي وقعت في الماضي, وهى خرق للنواميس الكونية, فالذي وضع النواميس هو الله وحده, وهو وحده القادر على خرقها… ونحن المسلمين نصدق بكل ما ورد في القرآن الكريم وفي الأحاديث النبوية الصحيحة, من معجزات وخوارق, لم نرها أو نعاين حدوثها… وأما الآية الأساسية في لقائنا الحالي فهى قول الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ{1}[سورة القمر]…
انشقاق القمر في الماضي:
ذهب عدد من المفسرين إلى أن القمر سينشق مستقبلا, إلا أن معظم المفسرين يؤكد أن القمر قد انشق على عهد رسول الله , وقد ورد هذا في الصحاح, ونقله المفسرون, ولكن المؤرخين هوّنوا من شقة الخلاف وذهبوا إلى أن انشقاق القمر كخسوف القمر, أيْ إنه شئ ظهر في الجو على شكل نصف القمر في موضع ونصف القمر في موضع آخر…!!
يقول ابن عطية (ت 546 هـ) (في تفسيره “المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز”): وقوله تعالى: وانشق القمر إخبار عمّا وقع في ذلك، وذكر الثعلبي أنه قيل إن المعنى: ينشق القمر يوم القيامة، وهذا ضعيف، لأن الأمة على خلافه، وذلك أن قريشاً سألت رسول الله آية فقيل مجملة، وهذا قول الجمهور، وقيل: بل عاينوا شق القمر، ذكره الثعلبي عن ابن عباس: فأراهم الله انشقاق القمر، فرآه رسول الله وجماعة من المسلمين والكفار، فقال رسول الله: (اشهدوا)، وممن قال من الصحابة “رأيته”: عبد الله بن مسعود وجبير بن مطعم، وأخبر به عبد الله بن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة بن اليمان. وقال المشركون عند ذلك: سحرنا محمد. وقال بعضهم: سحر القمر. وقالت قريش: استخبروا المسافرين القادمين عليكم، فما ورد أحد إلا أخبر بانشقاقه. وقال ابن مسعود: رأيته انشق فذهبت فرقة وراء جبل حراء. وقال ابن زيد: كان يُرى نصفه على قعيقعان والآخر على أبي قبيس. وقرأ حذيفة: “اقتربت الساعة وقد انشق القمر”، وذكر الثعلبي عنه أن قراءته: “اقتربت الساعة انشق القمر” دون (واو)…
ويأتي أبو السعود بعده بقرون, ليقول (في تفسيره “إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم”): ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ : رُويَ أنَّ الكُفَّارَ سألُوا رسولَ الله آيةً، فانشقَّ القمرُ. قالَ ابنُ عبَّاسٍ : انفلقَ فلقتينِ، فلقةٌ ذهبتْ وفلقةٌ بقيتْ. وقالَ ابنُ مسعودٍ: رأيتُ حِراءَ بـينَ فلقتَيْ القمرِ. وعنْ عثمانَ بنِ عطاءٍ عنْ أبـيهِ أنَّ معناهُ سينشقُّ يومَ القيامةِ ويردُّه قولُه تعالى: وَإِن يَرَوْاْ ءايَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ، فإنَّه ناطقٌ بأنَّه قدْ وقعَ وأنَّهم قدْ شاهدُوا بعدَ مُشاهدةِ نظائرِه. وقُرِىءَ: “وقَدِ انشقَّ القمرُ”، أيْ اقتربتِ الساعةُ وقد حصلَ منْ آياتِ اقترابِها أنَّ القَمرَ قدِ انشقَّ. ومَعْنى الاستمرارِ الاطرادُ أو الاستحكامُ، أيْ (وإِنْ يَرَوا آيةً من آياتِ الله يُعرضُوا عنِ التأملِ فيها ليقفُوا على حقِّيتها وعلوِّ طبقتِها ويقولُوا سحرٌ مطردٌ دائمٌ يأتِي به محمدٌ عَلى مرِّ الزمانِ لا يكادُ يختلفُ بحالٍ كسائرِ أنواعِ السحرِ، أو قويٌّ مستحكمٌ لا يمكنُ إزالتُه). وقيلَ مستمرٌ: ذاهبٌ يزولُ ولا يَبْقى، تمنيةً لأنفسِهم، وتعليلاً – وهو الأنسبُ – بغلوِّهِم في العِنادِ والمُكابرةِ ، ويؤيدُه ما سيأتِي لردِّه. وقُرِىءَ (وإنْ يُرَوا) على البناءِ للمفعولِ منَ الإراءةِ …
وهكذا وقعت الحادثة (مع اقتراب الساعة), وصدّقها مَن عاينها, ومن لم يرها بعينه من المؤمنين الصادقين, وبالرغم من معاينة كفار قريش لها, تعنتوا في تكذيبهم لنبوة ورسالة رسول الله , ووصفوا ما رأوه بأن سحْر ساحر, وقد حكى القرآن لسان حالهم ومقالهم, فقال الله تعالى: وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (2)[سورة القمر]… وقد فند عدد من العلماء قديما هذه الشبهة ودحضوها, ومنهم أبى إسحاق الزجاج (ت 311 هـ) الذي قال (في تفسيره “معاني القرآن”): أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه لأن القمر مخلوق لله، يفعل فيه ما يشاء، كما يكوره يوم البعث ويفنيه. ومما احتج به البعض: أنه لو وقع ذلك الانشقاق لجاء متواتراً، ولاشترك أهل الأرض في معرفته، ولما اختص به أهل مكة، وجوابه أن ذلك وقع ليلا، وأكثر الناس نيام، والأبواب مغلقة، وقلَّ من يرصد السماء إلا النادر، وقد يقع في العادة أن يخسف القمر، وتبدو الكواكب العظام، وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الآحاد من الناس، فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقومٍ سألوا وتعنتوا، فلم يرصده غيرهم. ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذٍ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض، كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم….
وهناك من المرجفين – القدامى والمعاصرين – من يطعن في صحة الأخبار الواردة عن وقوع حادثة انشقاق القمر, وأن نقلها في السنة الصحيحة لم يبلغ حدّ التواتر، ويبدو أن الذي روى الحادثة هو عبدالله بن مسعود، أما أنس بن مالك وعبدالله بن عباس فلم يكونا قد وُلدا بعد عند حدوث الحادثة… !! ولكننا وقعنا على كلام للدكتور/ زغلول النجار (في إحدى مقالاته الشهيرة) يدحض هذه الشبهة، بقوله: روى حادثة انشقاق القمر بصورة متواترة عدد غير قليل من كبار صحابة رسول الله من أمثال عبد الله بن عباس, وعبد الله بن عمر, وعبد الله بن مسعود, وأنس بن مالك, وجبير بن مطعم, ولا يمكن أن تجتمع كلمة هؤلاء جميعا على باطل, وهم من أهل التقى والورع… وقد حقق أحاديث “انشقاق القمر” عدد كبير من أئمة علماء الحديث في مقدمتهم البخاري, ومسلم, وأبو داود, والترمذي, والنسائي, وابن ماجه, وأحمد, والبيهقي, وغيرهم كثير، مما يجزم بوقوعها, ومن هنا فإننا نرفض قول بعض المفسرين إن الحادثة من إرهاصات الآخرة انطلاقا من استهلال سورة القمر بقول الحق تبارك وتعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ, وهؤلاء قد لا يعلمون أن عمر الأرض التي نحيا عليها يقدر بنحو خمسة آلاف مليون سنة (على أقل تقدير لعلماء الفلك), وأن بعثة المصطفي كانت منذ أربعة عشر قرنا فقط , ونسبة هذا التاريخ إلى ملايين السنين التي مضت من عمر كل من الأرض والكون يؤكد قرب نهاية العالم. ولذلك يروى عنه قوله الشريف: (بُعث أنا والساعة هكذا)، وأشار بإصبعيْه السبابة والوسطي. وهى قولة حق خالص, وإعجاز علمي صادق لأنه لم يكن لأحد في زمانه أدنى تصوّر عن قدم الأرض إلى مثل تلك الآماد الموغلة في القدم، وهذا كاف للردّ على الذين قالوا إن في استهلال سورة القمر بالقرار الإلهي اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ إيحاء بأن انشقاق القمر مرتبط باقتراب الساعة, بمعنى أنها إذا جاءت انشق القمر, لأن المعجزة قد وقعت فعلا على زمن رسول الله … ا.هـ.
كما يحاول المكذبون لوقوع حادثة شق القمر أن يقدموا دليلا آخر لصدقهم, وهو عدم ذكر الحادثة في المراجع التاريخية غير الإسلامية… والردّ عليهم سهل وميسور, فقد سجلتها كتب بعض المؤرخين الهنود, وأرّخت بها لبناء بعض الأبنية, ففي المقالة الحادية عشر من “تاريخ فرشته” أن أهل مليبار من إقليم الهند رأوه أيضا, أيْ القمر المشقوق… كما نقل ابن تيمية عن بعض الرحالة أنه وجد في بلاد الهند بناءً قديما مكتوبا عليه: (بُنى ليلة شق القمر)… وهناك في مكتبة المركز الهندي بمدينة لندن مخطوطة هندية قديمة تنصّ على أن سكان الهند قد شاهدوا انشقاق القمر وسجلوه في تلك المخطوطة . وذكر الدكتور/ محمد حميد الله (في كتابه “محمد رسول الله”) أن أحد ملوك مليبار (مقاطعة تقع في جنوب غربي الهند), وكان اسمه “شاكرواتي فارماس” (Chakarawati Farmas), شاهد انشقاق القمر على عهد رسول الله , وحدّث الناس عنه, وكان منهم تجار مسلمون مرّوا بولاية مليبار في طريقتهم إلى الصين, فأخبروه أنهم أيضا قد رأوا انشقاق القمر، وأن هذا كان معجزة حسية أجراها الله تأييدا لخاتم أنبيائه ورسله محمد بن عبد الله في مواجهة تكذيب كفار قريش لنبوته ورسالته… فنصّب الملك ابنه على مملكة مليبار, وتوجه إلى الجزيرة العربية لمقابلة رسول الله , ووصل إلى مكة المكرمة, وقابل رسول الله , وأسلم على يديه, ثم أخذ طريق عودته إلى بلاده, ولكنه مات, ودفن في أرض ظفار (بالجزيرة العربية), وحين وصل خبر إسلامه وعودته ودفنه, حفز الكثير من أهل مليبار على اعتناق الإسلام…
كما أن المهتم بالدراسات الفلكية للحضارات القديمة يسهل عليه أن يعثر على مخطوطة فارسية (Falnameh) تتضمن صورة بها رجل يشير إلى وجه قمر منقسم في السماء… ونفس الحدث مسجّل في إحدي مخطوطات مكتبة مدريد (أو “مجريط” باسمها العربي الأصيل) بإسبانيا (أو الأندلس، كما كانت تسمى من قبل انهيار الحُكم الإسلامي بها), عن حضارة المايا (Maya), وهى حضارة نشأت منذ 2000 ق.م, وكانت في أزهى عصورها خلال الفترة 300-900م , وقد اعتقدوا أن زلزالا حدث للقمر أدى إلى شطره إلى نصفين, وعبّروا عنه في رسوماتهم بوجه أرنب مشقوق…
ويضيف المكذبون لوقوع حادثة شق القمر دليلا ثالثا, هو أن القرآن ذاته لم يذكر هذه المعجزة بشكل واضح وصريح, كما ذكر معجزات أخر مثل الإسراء والمعراج, وانشقاق البحر لبني إسرائيل, وإنزال المائدة من السماء على عيسى وقومه … والردّ على هذا الدليل الواهي سهل وميسور, وهو يتلخص في عظمة الإشارات المنبثـة في كلمات وآيات القرآن الكريم, واللبيب هو الذي يسعى لاستخراج ما يستطيع من هذه الإشارات, على اختلاف مجالاتها, لغوية وبيانية وعلمية… وهو يؤكد ضرورة تدبر القرآن وتثويره ودراسة إشاراته العلمية…
ويأتي علماء الفلك في عصرنا الحالي, ويكتشفوا حقيقة انشقاق القمر في الماضي, وقد صرّح علماء وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” (NASA) بذلك, حيث وجدوا حزاما من الصخور المتحولة يقطع القمر من سطحه إلى جوفه إلى سطحه. وبعد دراسة مستضيفة، شارك فيها العلماء من تخصصات مختلفة, توصلوا إلى أن هذا لا يمكن حدوثه إلاّ إذا كان القمر قد انشق ثم التأم..!! والأكثر من هذا, أنهم أرّخوا لانشقاقه بتاريخ يرجع إلى القرن السابع الميلادي, أيْ على عهد رسول الله … إلاّ أن علماء وكالة ناسا لم يتمكنوا حتى الآن من وضع تفسير علمي لهذه الحادثة, إذ لم يحدث أيّ انشطار لأي جِرم من الأجرام السماوية من قبل, كما حدث للقمر…!! وقد أطلق علماء ناسا على هذه الشقوق (التي يبلغ طول الواحد منها عدة مئات من الكيلومترات) اسم “أخاديد”, خصوصا وأن الصور الملتقطة لسطح القمر تظهر الأخاديد وكأن أحدا قد قام بلحامها… وقد اقترح بعضهم أن هذه الأخاديد والشقوق قد سببها تدفق الحمم المنصهرة منذ ملايين السنين, كما يحدث على الأرض, ولكن البعض الآخر رفض هذا الاقتراح لأن الحمم التي تتدفق على الأرض لا تشبه في شكلها هذه الحمم, إذ ليس هناك آثار لانهيارات كما يحدث على الأرض, فالأخدود العظيم الذي صوّرته مركبات الفضاء ذي أطراف حادة وكأنه قُطع بشكل حاد… وقد انتهى الاتحاد الجيوفيزيائي الأمريكي في تقريره الذي وضعه في عام 1970م إلى أن الطريقة التي تشكلت بها هذه الأخاديد لا تفسرها جميع النظريات المألوفة حتى الآن.. !!
وإذا أنكر الحاقدون وجود هذا الدليل الفلكي-الجيولوجي, متذرعا بأن أكبر أخدود موجود في سطح القمر لا يعادل شقوق وأخاديد كوكب المريخ, فإن الردّ عليهم سهل جدا, إذ كيف تقابل سمكة بأسد، أيْ كيف تقابل تابع لأحد الكواكب (وهو القمر) بكوكب معتبر… إن هذه المقابلة لا يضعها إلاّ جاهل, فالمريخ يصل حجمه لأكثر من نصف حجم الأرض, بينما لا يزيد حجم قمر الأرض على ربع حجم الأرض تقريبا… كما أن التكوين والتركيب الجيولوجي للمريخ يختلف عن التكوين والتركيب الجيولوجي للقمر, إضافة إلى اختلاف الأبعاد والمسافات، بين كل من المريخ والقمر، عن الشمس، واختلاف علاقة كل منهما عن الآخر مع الكواكب الأخرى… !!!
القمر سينشق في المستقبل:
يتوقع علماء الفلك أن القمر سينشق مستقبلا, وما جعلهم يذهبون إلى هذا هو ما يلي: يدور القمر في فلكه حول الأرض بسرعة معينة, كما تدور الأرض حول نفسها بسرعة معينة. ولقد ثبت علميا أن الأرض تتباطأ في دورانها بمقدار 0.002 من الثانية (في زمن اليوم الواحد) كل مائة سنة, وبالتالي تزداد سرعة دوران القمر في مداره, مما يؤدي إلى تزايد قوة الطرد المركزي لدرجة أن القمر يبتعد عن الأرض بمعدل 3-4 سنتيمترات (مقاسا بأشعة الليزر) سنويا… ويرى العلماء أن هذه الظاهرة, وعوامل أخرى مساعدة, تؤثر في سرعة دوران الأرض حول نفسها, فيؤدي هذا بدوره إلى اختلال توازن القمر في مداره (فلكه) مستقبلا, وأن استمرار تزايد سرعته حول نفسه, وحول الأرض, سيؤدي حتما إلى انشقاقه, وقد ذكر هذا “جون برا ندت” (في كتابه “آفاق جديدة في علم الفلك”).
وقد يسأل سائل, كيف سينشق القمر مستقبلا وقد ورد في أول سورة القمر أنه انشق (بصيغة الفعل الماضي), والجواب سهل, ويتلخص في أن التعبير بالفعل الماضي في القرآن الكريم يفيد حتمية حدوث الانشقاق في المستقبل القريب, ومعنا شاهد على هذا هو قول الله تعالى: أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ (1) [سورة النحل], فلا يمكن أن نفهم الفعل الماضي “أتى” مع الفعل المضارع “تستعجلوه” إلا إذا كان المقصود هو أن الأمر آتٍ لا محالة, وقد قدر الله تعالى هذا في علمه المكنون. كما ورد في الحديث الشريف قول رسول الله
بُعثت أنا والسَّاعَةِ هكذا), وأشار بإصبعيْه السبابة والوسطى, وهو مطابق للتحذير الوارد في أول سورة القمر باقتراب وقت الساعة (القيامة), بقول الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ (1) [سورة القمر]…
والخلاصة، إذن، هى أن القمر انشق قديما ثم التأم، كما أنه سينشق مستقبلا، أما انشقاقه أولا فكان معجزة لرسول الله ، وأما انشقاقه ثانيا فهو حدث من أحداث القيامة… هذا، والله تعالى أعلى وأعلم…