نسرين مندل: حاصلة على شهادة الماستير من الجامعة العالية بكولكاتا
ذات يوم خرجت من البيت إلى المدرسة للمقابلة الوظيفية لأكون مدرسة في تلك المدرسة، ركبت على الحافلة في الصباح مع صديقتي الجامعية، وبعد النزول من الباص وصلنا إلى محطة القطار، وبعد قليل وصل القطار صافرا فركبنا على القطار، و يخفق قلبي بقدر ما يتحرك القطار حتى ازداد قلبي خفقانا عندما بدأ القطار يسير بالسرعة، وذلك لأن فكرة المقابلة انتابتني، وأحاور نفسي على صورة السائل والمجيب،
كيف تكون المقابلة؟
ما هي الأسئلة التي سيتم توجيهها إلي؟ وكيف أرد عليها؟
كيف يكون الممتحن؟
بينما كنت مستغرقة في الخيال إذ هزت عنقي صديقتي الجالسة على المقعد المجاور،وسألتني عن المقابلة، وكان بالها مشغولا بنفس الأمر، فبدأت المناقشة معها، وسألتها عن بعض القواعد النحوية و المفرادات و الأسئلة المتوقعة ،و هي سألتني عن بعض الجوانب المهمة التي يجب التركيز عليها خلال المقابلة لوظيفة التدريس، و بعد ساعة و نصف نزلنا من القطار و ركبنا على الحافلة الأخرى لأن الطريق طويل من المحطة إلى المدرسة، وعندما اقتربنا من المدرسة اتصلنا بمدير المدرسة فأرسل عونه وذهبنا معه إلى المدرسة، وبعد الوصول إلى المدرسة انتظرنا قليلا في غرفة الإنتظار و بعد مدة نودي باسمي للمقابلة، فدخلت وسملت عليهم ، وسألوني بعض الأسئلة و أجبت بدون خوف.
عند العودة من المدرسة ألقيت نظري إلى خارج النافذة جالسة على مقعد جانبي من الباص فرأيت مشهدا غريبا و ترك أثره على قلبي ولم أنسه حتى الآن، وهذا مشهد الفراق الدائم الذي لا لقاء بعده، وليس هذا مشهد فراق الروح من الجسد، وليس هذا فراق الحبيبة من الحبيب، بل هذا فراق لم تتصوره الأرض والسماء، ولم تتخيله أم ولا أب ، ربما تندهشون من هذا النوع الغريب من الفراق، وتشتاقون إلى الاطلاع على هذا النوع الغريب من الفراق، ربما أتت أذهانكم بتخمينات كثيرة، ولكم أن تخمنوا، ولكن ستعود تخميناتكم كاذبة عندما تعرفون أن هذا فراق أم من طفلها الصغير الذي يبكي، و هذا فراق القلب من القلب ، فافترق قلب من قلب.
رأيت مشهد طفل يبكي على فراق أمه، ذهبت أمه إلى مكان آخر وتركته وحيدا، ولا أعلم مصدر فراقه من الإبن، ربما تجادلت مع أبيه فتركت بيته ،أو ربما طلقها أبوه فطردها من البيت ، أو ربما تطلقت من زوجه لأنها لا تريد أن تعيش معه ، فمهما اختلفت الأسباب لست متأكدة منه.
رأيت الطفل يبكي و جدته تمنعه من الذهاب مع أمه و الطفل كان مصرا على أن يصحب أمه ولم يطب له شيئ سوى أن يرافق أمه، و لكن أمه كانت مجبرة على الذهاب وحيدة ، فركبت على الحافلة بعد أن تركته وحيداً، فأخذ الطفل يد أمه و بكى منتحبا، وسالت من عيني أمه دموع وداع لا لقاء بعده .
آه ، كم من أسرة حرمت من السعادة بسبب التقاليد البشرية ، كم من أطفال ابتعدوا من حنان الأم و شفقة الأب بسبب النخوة المزعومة التي ينعيها الإسلام، تجادل أب و الأم بسبب حقير و تألم أطفال دون ارتكاب الخطأ، فما كان ذنب ذلك الطفل؟ وما ذنب كثير من أمثاله من الأطفال؟ فهم أبرياء لم يرتكبوا أي جريمة، ولكنهم يعانون بسبب مشاجرة أباءهم مع أمهاتهم .
ألا نستطيع أن نحل المشاكل بدون الفراق؟ هل الفراق طريقة وحيدة للنجاة من المشكلة؟ فلو كان الأمر كذلك فلا حاجة للتزوج والعيش معا لمدة محدودة، لا حاجة لهذا النوع من الزواج الإجباري الذي تتمازج فيه الأجساد، لأنه ليس إلا وسيلة لتخريب عالم الروح وهدم عالم القلب، وأما الزواج الحقيقي فتتمازج فيه الأرواح قبل تمازج الأجساد، ولو التقت الأرواح مرة لا تفترق أبدا، ولو تماوزجت الأرواح لا تفترق القلوب أبدا، لو تمازجت الأرواح يعرف الإنسان الصبر والعفو عما حدث بسبب حال طارئ.