أحمد أسامة
تعرضت ليبيا لنكسات عديدة منذ تدخل حلف الناتو عسكريًا لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي، إرهاب وانعدام أمن وحروب وانقسامات، كان أبرزها نكسة “فشل” عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في 24 ديسمبر 2021، والتي أرجئت حتى اللحظة بسبب الخلاف بين الفرقاء، ما أدّى إلى تدحرج المشهد من الخلاف على مرجعية الانتخابات إلى الانقسام الهيكلي السياسي بوجود حكومتين، وتدخل خارجي قوي، ترأسه حاليًا الولايات المتحدة الأمريكية، التي تصب نفوذها تدريجيًا في عملية التمهيد للانتخابات المقبلة. وبينما تتباين المواقف الداخلية بشأن حل الأزمة وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بين مجلسي النواب والدولة، قفزت إلى المشهد مبادرة طرحها الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، في 27 شباط/فبراير 2023، لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المؤجلة.
قفزت مبادرة المبعوث الخاص للأمم المتحدة في حقل الألغام في المشهد الليبي، واختصرت الحل بتشكيل لجنة لم تخض في تفاصيلها من ناحية العدد، والجهة التي ستقوم باختيار أعضاء اللجنة، والإطار الزمني المتاح لتشكيلها، وبدء عملها، واحتمال انطلاقها من حيث انتهى المجلسان – مجلس الدولة ومجلس النواب – ولم تحدد الجهة التنفيذية التي ستتولى الإشراف على الانتخابات، لا سيما في ظل الصراع الدائر بين حكومة الدبيبة وحكومة باشاغا. قبل التقاط الأطراف الليبية المبادرة الأممية، ألقى باتيلي قنبلتين، الأولى هي إشارته إلى فشل البرلمان الليبي شرق البلاد والمجلس الأعلى للدولة في طرابلس في التوافق على قاعدة دستورية للانتخابات، وهو حكم مسبق لم يوفق فيه. أما القنبلة الأخرى، فهي إقحامه الأطراف الإقليمية والدولية في المشهد الليبي، وذلك بتأكيده أن كل الشركاء الإقليميين والدوليين وافقوا على إجراء انتخابات في 2023، لافتاً إلى أن جميع الدول أكدت أن مصالحها لن تتحقق في ليبيا إلا بإنشاء دولة مستقرة ومسالمة، الأمر الذي يعني أن مبادرة باتيلي اهتمت بالدول المؤثرة في الأزمة الليبية، من دون الالتفات إلى مواقف الأطراف الليبية التي يبدو أنه أغضبها. وهنا يذكر أنه وفور إعلان المبعوث السنغالي باتيلي خطته، سارعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى إعلان دعمهما لها. وحضت السفارة الأميركية في بيان “القادة الليبيين” على أخذ خطة الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا “بروح بناءة”.
فلم تتأخر ردود فعل الأطراف الليبية على المبادرة الأممية التي كان بعضها رافضًا لها، والبعض الآخر متخوف منها بسبب الهيمنة الأمريكية على العملية، الأمر الذي سوف ينعكس حتمًا على العملية الانتخابية نفسها. وبعد يوم من صدورها، انتقد مجلس النواب الليبي في 28 شباط/فبراير 2023 الإحاطة التي قدمها مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا أمام مجلس الأمن الدولي، وقالت رئاسة البرلمان: “نستغرب ما تضمنته إحاطة المبعوث الأممي من مغالطات بشأن فشل مجلسي النواب والدولة في إقرار القاعدة الدستورية”. ومنذ ذلك الحين وتتواصل الانتقادات والتحذيرات من خطر الاعتراف بمبادرة مُهيمن عليها من قبل واشنطن، لأنها ستسعى في المقام الأول لإقصاء شخصيات غير موالية من الترشح، هذا الأمر تحديدًا حاول مجلسي النواب والدولة تجنبه لإعطاء الحق للجميع بالترشح وللمواطنين حق انتخاب من يشاؤون، وكان هذا بالطبع قبيل انتزاع زمام المبادرة منهم من قبل باتيلي.