بقلم -هاشم محمود
مساءُ الخميس كان آخر ليل قضيتُه بمدينة جدة، دعاني ابن عمي هاني إبراهيم، وهو من مواليد هذه المدينة الساحرة، إلى قضاء الليلة بكورنيشها الجميل، فركبنا سيارته؛ نجوبُ الطرقات الرحيبة وسط الزحام، إنها ليلة مختلفة في كل شيء فيها.
من حيِّ الفيحاء انطلقنا، إلى شارع فلسطين؛ حيث كان صديقه هشام بانتظارنا، إنها المدينة التي لا تنام؛ حركة دؤوب، توقفنا أمام إحدى محلات بيع الجوالات، حيث هشام بالداخل بانتظارنا.
بالتأمل في وجوه المارة تشعر في صدورهم الرضا، دوريات الشرطة تجوب الطرقات دون ضجيج أو لفت انتباه، وجدتُ رجال المرور يساعدون أصحاب السيارات المتعطلة رغم ارتفاع درجة الحرارة، فالكل يقدم دوره بانتظام جميل، إنها الحياة ولا شيء سواها.
خرج إلينا هشام برفقة مجموعة من أصدقاءه من المحل، مرتديًا بنطالًا أسود وقميصًا أحمر وحذاءً رياضيًّا، حاملًا معه بعض الأدوات الرياضية، ويردد بعنفوان الشباب وبصوت عال “مرحبا بالخميس”؛ حيث لم ينتبه بأن مع صديقه ضيفًا.
يصعد إلى السيارة من الباب الخلفي، بصخب الأصدقاء، بعد أن وضع أغراضه بالشنطة الخلفية، متفاجئًا بوجودي، ومُرحِّبًا بي…
– مرحبًا بك في جدة؛ حيث الرخاء والشدة، يبدو أنك زائر أو معتمر.
فأجيبه: بل معتمرٌ.
– عمرة مقبولة إن شاء الله، أتمنى ألا تُرهقك سهرة اليوم.
يتدخل هاني: أراكَ صادقته من دون مقدمات.
يرد مازحًا: الولد ولدنا…
يتحدثون لهجة مميزة، ممزوجة بروح المحبة، وشوق لقاء الأصدقاء، وصفح الأتراب، يمسحون بها جفاء الغربة، ووحشة البُعد عن الوطن.
تحركنا إلى كورنيش جدة؛ حيث الجمال المتلألأ، والأشجار المنتشرة كالمزارع، مطاعم متنوعة، وأشهرها البيك، علامة تجارية سعودية خالصة المذاق، وزحام كبير، متنوع الوفود.
شاهدتُ أمواج البحر السارقة، خاطفة القلوب، غاسلة الهموم، منسية الأفكار، ورأيتُ السقالة، وهي عبارة عن لسان أسمنتي عاتي، به مظلة خشبية، يمتد إلى مسافة داخل مياه البحر، مع حواجز حديدية صلبة.
الخدمات البلدية والتجارية وفيرة، فكأنك بخدمة فندقية مفتوحة تستظل بسماء الليل، ساحرة أنتِ يا جدة، مسحور من سكنك؛ بل من سكنتِه.