بقلم /أحمد حسين
ليس هناك أسوأ من أن يمتلك المرء الطاقات والقدرات، ثم تبقى محبوسة في داخله.. وتلك حالة عدد كبير من المبدعين المصريين، وحالة الغربة التي يكتوون بها ويعانون مرارتها وقسوتها، الأمر الذي يجعل بعضهم عاجزًا عن الاستمرار في ممارسة الإبداع، بينما يضطر البعض الآخر لممارسته كمصدر للقمة العيش، وهنا مكمن الخطر، لأنه قد يتنازل عن بعض ثوابته ومبادئه وقناعاته رغبةً في بلوغ تلك الغاية، فيخرج عنه محتوى غير مُرضٍ ولا يعبر عن مكنونات نفسه، وهو حال كثيرين من المبدعين المصريين الذين حكمت عليهم ظروفهم المعيشية بما لا يريدون ويتطلعون، ولا شك في أن هذه الغربة الإبداعية المؤلمة هي نتاج تراكمات سياسية واجتماعية وثقافية متنوعة، والتى ظلت تتفاقم وتتفاقم وتتفاقم حتى بنت ترسانة من المعوقات التي تحتاج لأجيال من العلماء والباحثين من أجل إمكانية تجاوزها والتحرر من آثارها السلبية.
وفى تقديرى أن أزمة المبدع المصرى حاليًا ترجع للعديد من الأسباب، لعل أهمها:
أولًا: غياب الإعلام عن كل أشكال الإبداع الحقيقى، وانشغاله فقط بأى محتوى يحقق انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعى، رغم أن الانتشار ليس دليلا على النجاح، وكذلك ليس كل ناجح منتشرا، وبالتالى تضيع الأعمال العظيمة وسط أمواج التسطح، ويتوارى مبدعون كان مكانهم الطبيعى تحت الأضواء وفى بؤرة اهتمام المجتمع.
ثانيًا: اهتمام وزارة الثقافة بقشور الثقافة، مثل: «الاحتفاليات والندوات والمؤتمرات واللقاءات البروتوكولية.. إلخ»، بينما لا توجد لدى الوزارة أي برامج مدروسة تصل الناس بالثقافة، وتحببها إليهم، وتجعلها ضمن أولوياتهم ورعية الإبداع والمبدعين ودفعهم دفعا إلى توظيف طاقاتهم وقدراتهم في تيسير الصعب وكشف الغامض وإنعاش الأفكار والرؤى، والانشغال بالأحسن عن الأسوأ والأصلح، عن الأفسد والأجود، عن الأردأ.
ثالثًا: تحوّل غالبية القطاع الخاص عن المشروعات الجادة المهتمة بتنمية وعى المواطن وخيالاته وأحاسيسه ومشاعره، والاتجاه نحو المشروعات ذات العوائد المادية الكبيرة، مثل: المشروعات الغذائية والعقارية والسياحية والإعلانية، لذلك لن تجد مؤسسة تجارية أو رجل أعمال يتبنى موهوبا أو مبدعا.
رابعًا: عدم الاهتمام بالكفاءات عند اختيار القيادات بالقدر المناسب في بعض الأحيان، ونتيجة لذلك لا خطط حالية أو مستقبلية، ولا تصورات لمشروعات سواء ثقافية أو علمية أو أدبية.. أو.. أو.. حالة تصحر لا يترتب عليها إلا التصحر، وعندما تعطش الأرض، فهل يُنتَظر منها أن تُنتِج الزرع؟!.
إن هناك مبدعين كُثُرا فُرِضَت عليهم الغربة ولم يختاروها، لديهم الإمكانيات التي تجعلهم ملء السمع والبصر، ومع ذلك يتسولون حقهم ليس في الإبداع فحسب وإنما في الحياة أيضا.
إن الإبداع زينة الحياة ودليل على استمرارها، والقضاء على المبدعين وتركهم فريسة للإحباط واليأس بمثابة حكم بالأشغال الشاقة على أي مجتمع.. فما بالنا إذا كان هذا المجتمع لا يزال يبحث لنفسه عن عنق زجاجة يخرج منها للوجود.