بقلم /أحمد حسين
ربما كشفت حلقات مسلسل “الاختيار 3” وتحديداً المقاطع الفيلمية التوثيقية، التى وردت بها بعض من معاناة الأمة المصرية، على مدى السنوات التى سبقت وأعقبت ثورة يناير عام 2011.
على رأس هذه المعاناة ما فرضه بعض الأشخاص وتبنته بعض الجهات من مصطلحات لم تكن تتناسب مع الواقع الذى يعيشه المجتمع المصرى. ومن هذه المصطلحات مصطلح “النخبة”، الذى أراه أحد أسباب النكبات التى مرت بها مصر على مدى العقدين الماضيين، خاصة خلال الفترة ما بين يناير 2011 حتى ثورة 30 يونيو المجيدة عام 2013.
لقد دفع هؤلاء بأنفسهم على الساحة وقدموا أسماءهم للرأى العام على أنهم النخبة المنتقاة، القادرة على التفكير والإبداع ووضع السياسات، وإدارة الأزمات، والتى تستطيع أن تحدث تغييراً على أرض الواقع فى مصر.
والواقع نفسه كان عكس ذلك تماماً، فقد كان الحدث أكبر بكثير من الأطروحات التى قدمتها هذه النخبة المصطنعة. فمصر لم تشهد حراكاً ثورياً على مدى قرابة ستة عقود سبقت هذا التاريخ، وتحديداً منذ يوليو عام 1952. كما أن العقود الثلاثة الأخيرة من عصر مبارك قد ساهمت فى ترهل فكرة النخب عموماً، ودفعت بأشخاص إلى عدة مواقع، ساهمت بقدر كبير فى “تجريف” المجتمع المصرى، وتسطيحه بصورة ساهمت بشكل كبير فى وصول تيار الإسلام السياسى وتقدمه بهذه الصورة.
الأطروحات التى قدمتها هذه النخبة والتى إذا جاز الوصف أو التعبير أن أصفها بـ”النكبة”، كانت أطروحات وفق أجندات أعدت مسبقاً، فغالبية هؤلاء -للأسف العميق- كانوا قد تعرضوا لاختراقات كبيرة، من جانب جماعة الإخوان وتيار الإسلام السياسى عموماً للسيطرة والقدرة على العمل الممنهج والمخطط له مسبقا، كما ساهمت أجهزة المخابرات الغربية فى صناعة شخصيات وجماعات ودفعها بقوة إلى المشهد السياسى والنقابى، وتصديرها على أنها صانعة التغيير فى هذا البلد.
فى مارس 2011 زارت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون ميدان التحرير، الذى كان يمثل حتى هذا التاريخ قلب الحراك الثورى ومحور التأثير، وصفت هيلارى كلينتون الميدان بأنه: “تذكرة عظيمة بقوة الروح الإنسانية والرغبة فى الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، وإنه أمر مثير أن نشهد أين حدث ذلك، وأن أرى أين انطلقت تلك الثورة بكل ما أصبحت تعنيه للعالم”.
كلينتون عبرت فى تصريحات رسمية قبل ساعات من زيارتها لميدان التحرير عن تأييدها لعملية انتقال مصر نحو الديمقراطية، ثم قالت بعد ساعات أخرى، فى مؤتمر صحفى مشترك عقدته مع نظيرها المصرى نبيل العربى: “لقد كسرتم القيود وتغلبتم على العقبات فى سعيكم لتحقيق حلمكم فى الديمقراطية، والولايات المتحدة والرئيس أوباما وأنا سنقف إلى جانبكم فى رحلتكم هذه. ولكن هذه اللحظة التاريخية تعود لكم، فهذا هو إنجازكم”.
موقف “النخبة” كان متبايناً، بعضها اعترض اعتراضاً صريحاً، والبعض الآخر صمت فى انتظار ما ستسفر عنه الأيام المقبلة. لكنى أتوقف أمام ما قاله عصام العريان الناطق باسم جماعة الإخوان، حينما أكد أن الحركة لم تدع للقاء كلينتون، وأن جماعته كانت ستقاطع اللقاء لأن “أى تدخل أمريكى سيقوض الثورة ولن يدعمها”.
حديث “العريان” كان جزءا من المخطط، الذى اعتمدته إدارة أوباما من قبل للتعامل مع ما أسمته بـ”الربيع العربى”، وهو ما كشفت عنه الرسائل المسربة لهيلارى كلينتون، وهى التى شغلت منصب وزيرة الخارجية الأمريكية بين عامى 2009 و2013، تطرقت فيها إلى طبيعة العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية فى عهد أوباما بتنظيم الإخوان الإرهابى، ومنها تمويلات لدعم الجماعة واستخدام “النخبة” المصرية “المصطنعة” لتأييد المخطط الأمريكي.
كل الأقوال الصادرة ممن وصفوا أنفسهم بـ”النخب” تحتاج إلى مراجعة.. وربما يكشف المستقبل عن مزيد من المفاجآت!.