لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة عادل شلبى
في التاسع من مارس، من كل عام، تحتفل مصر بيوم الشهيد، الموافق لذكرى استشهاد الجنرال الذهبي، الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، خلال حرب الاستنزاف، الذي فاضت روحه إلى بارئها، في التاسع من مارس عام 1969، على الخط الأمامي للدفاعات المصرية على قناة السويس، في سابقة تعد الأولى في التاريخ العسكري، العالمي، أن يستشهد رئيس أركان قوات مسلحة على الخط الأمامي.
كان سيادته، رحمة الله عليه، قد قام في صباح ذلك اليوم، بالمرور على خط الدفاع الأول، للقوات المسلحة، على الضفة الغربية لقناة السويس، على بُعد 200 متر، هي عرض القناة، من قوات العدو الإسرائيلي، التي كانت تبني، حينها، خط بارليف، أقوى الحصون الدفاعية، في تاريخ العسكرية، في العالم. ذلك الخط الذي وضعت القيادة المصرية خطة لتدميره بنيران المدفعية المصرية، بالضرب المباشر، وتم تنفيذ هذه الخطة في عدة أيام، كان آخرها يوم 8 مارس عام 1969، وهو ما دفع رئيس الأركان المصري، في صباح اليوم التالي – يوم الاستشهاد –بالمرور أمام كل نقطة من خط بارليف، ليطلع، بنفسه، على مقدار وحجم التدمير الذي ناله، وكان بصحبة سيادته مدير سلاح المدفعية، آنذاك، وعدد من كبار القادة. وخلال تفقد سيادته لنتائج نيران المدفعية المصرية، من الموقع رقم 6، على خط القناة، حدث تراشق بالنيران، وانفجرت إحدى طلقات المدفعية الإسرائيلية، بالقرب من الحفرة التي كان يقف فيها الفريق رياض، وتطايرت شظاياها، لتصيبه إحداهم، ويستشهد، في الحال، بعد 32 عاماً قضاها في القوات المسلحة المصرية.
تخرج الفريق عبد المنعم رياض في الكلية الحربية المصرية عام 1941، واشترك في الحرب العالمية الأولى، ضد ألمانيا وإيطاليا، حيث كان قائداً لإحدى البطاريات المضادة للطائرات، في المنطقة الغربية. وخلال عامي 1947 و1948 التحق بإدارة العمليات المصرية، ونال وسام الجدارة العسكرية، ليتدرج، بعدها، في المراكز حتى قيادة الدفاع المضاد للطائرات، عام 1954. بعدها، وفي عام 1959، سافر في بعثة للاتحاد السوفيتي، وحصل على تقدير امتياز، قبل عودته لمصر، لاستكمال مسيرته المشرفة. وفي مايو 1967، بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن، عُين قائداً للجبهة الأردنية، أثناء حرب 67، بعدها عاد إلى مصر ليتولى رئاسة أركان حرب القوات المصرية، بعد هزيمة 1967.
عقب استشهاده، كرمه الرئيس عبد الناصر، برتبة الفريق أول، وأقيمت له جنازة عسكرية، وشعبية، من ميدان التحرير، ترأسها الرئيس الراحل عبد الناصر، وخلفه جموع شعب مصر العظيم. واعتبر يوم استشهاده هو يوم الشهيد في مصر، وأُطلق اسمه على أشهر ميادين القاهرة، بجوار ميدان التحرير، وتم وضع تمثال له فيه، فضلاً عن إطلاق اسمه على العديد من الشوارع والميادين والمدارس والمساجد في مختلف مدن مصر، ومثلهم في عدد من الدول العربية، كالأردن والكويت وليبيا وسوريا، اعترافاً بأفضال الجنرال الذهبي، عبد المنعم رياض، الذي يمثل علامة فارقة في تاريخ العسكرية، ليس في مصر وحدها، ولكن في العالم العربي بأكمله.
واستمراراً للاحتفاء ببطولة شهداء مصر، الذين قدموا أرواحهم في سبيل رفعة شأنها، فقد تم إنشاء “النصب التذكاري” لشهداء مصر، في منطقة مدينة نصر، بعد حرب 1973، الذي صُمم على شكل هرم، رمز العمارة المصرية العريقة، وعلى أضلاعه كتبت أسماء الشهداء المصريين، المختلفين في انتماءاتهم الدينية، والمتحدين في الدفاع عن مصر في حروبها المجيدة. وعند النصب التذكاري، دُفنت رفات أبناء الجنود المصريين، الذين لم يتم التعرف عليهم بعد حرب 73، ليكون “قبر الجندي المجهول” رمزاً لكل شهداء مصر، الذين ننعم اليوم بالأمن والرخاء، بفضل تضحياتهم. كما تم إنشاء نصباً تذكارية، في كل محافظات مصر، لتكريم شهدائها، فما من بقعة في أرض مصر، إلا وجادت بخيرة رجالها، للدفاع عن الوطن.
وبالأمس، احتفلت مصر، بيوم الشهيد، ووضعت أكاليل الزهور على النصب التذكاري، بالتزامن مع وضعها على جميع النصب التذكارية في محافظات مصر، وحضر السيد رئيس الجمهورية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، الندوة التثقيفية بمركز المنارة للمؤتمرات، والتي تم خلالها تكريم أسر الشهداء، ومصابي العمليات الحربية، من رجال القوات المسلحة، وأٌقيمت شعائر صلاة الجمعة من مسجد المشير طنطاوي. كما قامت جمعية المحاربين القدماء بإقامة مهرجان رياضي، شمل مباريات ودية بين فرق جمعية المحاربين القدماء، وقدمت العروض الموسيقية، وأقيم معرضاً فنياً للمحاربين القدماء.
وأتمنى أن تمتد الاحتفالات بهذا اليوم لكل مدارس مصر ومؤسساتها التعليمية، ليتعرف أبناء مصر، من الأجيال الجديدة، على قيمة ما قدمه هؤلاء الشهداء لبلدنا الحبيبة مصر، وليعرفوا أن ما نعيشه ويعيشوه، اليوم، من رخاء واستقرار، إنما يعود لتضحيات هؤلاء الأبطال بأرواحهم فداءً للوطن. كما أرجو من وزارة التربية والتعليم أن تهتم بتدريس موضوع شهداء مصر وبطولاتهم، في المناهج، بكل عام دراسي، فأنا أخشى ما أخشاه، في ظل الانفتاح المعلوماتي الذي يعيشه أبنائنا اليوم، بفضل التكنولوجيا الحديثة، أن يسلموا عقولهم لمعلومات مغلوطة عن البطولات والتضحيات المصرية، المستمرة إلى يومنا هذا.
وختاماً، أوجه تحية طيبة مباركة لأرواح شهدائنا العظام، ومثلها لزوجاتهم وأبناءهم وذويهم وجميع أفراد عائلاتهم، ولكل من فقد غال عليه في معارك وحروب مصر، وهو ما لم ولن يفي حقهم على ما قدموه لمصرنا العزيزة