“الزائرة”

كان وجود هذه الزائرة مثل مطرقة تدق علي رؤوسنا .كلما رآها أحد أصابه الذعر والهلع والهرج والمرج بين الشباب والرجال والنساء في العمارة . كنا ننظرإلي بعضنا البعض في توجس صارم لتلك الزائرة القاسية .. علي مقربة منا تتبعنا بحرص بالغ . كلما رآها أبي أجده يتواري بعيداً . كل الحواس تستعصي علي فهم ما يدور حولنا . أفعالها ممزوجة بالعنف والصراخ .. ألا تخجل من شكلها وتكوينها .. ظل أبي معها يتهامسان بكلمات غير مفهومة ، مصيبة لو اكتشف خطيب أختي الكبيرة فعلتها ! كان أبي ينظر إليها في شك وريبة ، ينفر من خطواتها . جعلتهم يعتقدون أنها تعيش حسب هواهم بينما عاشت هي كما أرادت .. تخدعنا بالمذلة والمسكنة ، مؤذية ولا يجرؤ أحد علي طردها من المنزل كثيرة الشكوي لا ترتاح إلا مع صيحات وصراخ مستمر ، كنت أساعدها حتي تستريح ، أطفيء النور ولكن عندما أهم بإغلاق الباب .. كان أبي يزجرني … كثيراً ننتقد “أبي” لوجودها المتعسف معنا فسمعتها تجلب لنا العار كحدث جلل .. كانت أمي تحاصر أبي بكلمات غاضبة يائسة :
– أنت عندك بنات علي وش جواز ووجودها هيطرد العرسان !!
– ألا تعلمين أنها عنيدة وشرسة ليس في مقدوري أن أفعل شيئاً .
تعرض عليه أن يأكل شيئاً فيرفض رفضاً عنيداً الطعام في فمه مر .. حاولت كثيراً التقرب إلي هذه الزائرة المتغيرة الأهواء لمعرفتها عن قرب عندما تراني أحتضن أبي تعتريها الغيرة والغضب تتحول حياتنا من جراء تصرفاتها إلي جحيم …. فجأة شعر أبي أن صوته قد انطلق رغماً عنه عالياً غاضباً تجاهنا ، أختي الصغيرة نائمة لا أحد يسهر حتي هذه الساعة . في الماضي حاول أبي إخفاء سرها الدفين وكانت أمي أكثر حرصاً منه علي ذلك . جاء اليوم الذي كنت أخشاه طرق علي الباب بشكل عنيف .. هذا ما كنت أتوقعه اهتز كياني كله فتحت الباب في خوف وترقب وجدت خطيب أختي “حسام” حزيناً متجهماً غاضباً .. كان قلبي يحدثني أنه اكتشف سر الزائرة رغم حرصنا وتنبيهنا الشديدين لأبي علي كتمان سرها .. ياللخجل والعار . قال لي ولأمي :
– أنا آخر من يعلم هل هذا سر. ألست واحداً منكم ! .
إبتسمت أمي إبتسامة مصطنعة كشفت بياض أسنانها العلوي المكسور قائلة :
– كنت هأخبرك في أقرب وقت .
يا أمي كل مرض له علاج بإذن الله ، أنتي أمي وهو أبي .. لقد حددت ميعاد مع أخصائي مشهور في القاهرة متخصص في علاج “الصرع” .. تعلقت أمي ببارقة أمل جديدة ، رأيت في عينيها الواسعتين شلالات من الأمل البراق وانسابت بعض الدموع علي وجنتيها .. اقتنع أبي بالذهاب إلي “الأخصائي” بصعوبة بالغة فهولا يؤمن بجدوي العلاج بعد أن كثرت لديه الأدوية والتحاليل والآشعات وبعد فترة تحسنت حالته وأخذت تقلل من زيارتها لنا هذه الزائرة المزعجة .

د . وجيه جرجس

Related posts

Leave a Comment