لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة عادل شلبى
كنت ضيفاً، منذ أيام قليلة، على أحد برامج القنوات الفضائية، للحديث عن التوجهات الاستراتيجية العالمية مع بداية عام 2022، والمتغيرات المُتوقعة، في ظل الصراعات والنزاعات الجارية، والتي لم تعد بقعة من العالم تخلو منها، أو من شرارة بداياتها، التي قد تتحول، في لحظة، إلى مواجهة عسكرية، تخيم عواقبها على أطراف أخرى، رغم شيوع الفهم الخاطئ باقتصار آثار المشكلات والنزاعات على مراكز اندلاعها، وهو ما يتنافى مع مفاهيم العولمة، التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، دون مبالغة، بما لذلك من مآثر ونقائص.
وخلال تلك المقابلة التليفزيونية، كنت قد تطرقت لما يجري في أوكرانيا، بوجود الحشود العسكرية الروسية على حدودها، وهو ما قدرته الولايات المتحدة الأمريكية، ودول حلف الناتو، بأنه تمهيداً لتقدم القوات الروسية لاحتلال أوكرانيا، مثلما حدث في 2014، عندما قامت روسيا بالهجوم على شبه جزيرة القرم، الأوكرانية، والاستيلاء عليها، وإعلان انضمامها إلى روسيا. وعقدت، في لقائي التليفزيوني، مقارنة بين ميزان القوى العسكرية الروسية ونظيرتها الأوكرانية، فرجحت كفة روسيا، وتطرقت لما لتلك المواجهة العسكرية المحتملة من نتائج، في ظل وعيد الولايات المتحدة الأمريكية، ودول حلف الناتو، بفرض عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا، حينها.
وبعد الحلقة، اتصل بي أحد الأصدقاء، معلقاً بأنني قد أفردت مساحة عريضة، لحديثي عن أزمة أوكرانيا وروسيا، البعيدة عنا، في مقابل حديثي عن أحداث منطقة الشرق الأوسط، رغم أنني عرضت المشكلة الإيرانية، وأزمة سد النهضة، والموقف في اليمن وانعكاساته على أمن البحر الأحمر، وغيرهم من مشاكل المنطقة. فأجبت صديقي “يا عزيزي نحن نعيش الآن في عصر الأواني المستطرقة”، وما يحدث بين أوكرانيا وروسيا من ناحية، والولايات المتحدة ودول حلف الناتو من ناحية أخرى، ستنسحب آثاره، المباشرة، على مصر، وغيرها.
فعلى سبيل المثال، لا الحصر، انخراط روسيا وأوكرانيا، في عمل عسكري، وهما من أكبر الدول المصدرة للقمح، في العالم، سينعكس سلباً على مصر، باعتبارها من أكبر الدول المستوردة للقمح في العالم. فمثل تلك المواجهة العسكرية من شأنها التأثير سلباً على حجم إنتاج القمح عالمياً، وبالتالي ارتفاع أسعاره، بسبب نقص المعروض، تطبيقاً لمبادئ نظريات العرض والطلب، وهو ما يحتم على مصر، ضرورة متابعة الأزمة الروسية الأوكرانية، والبدء، فوراً، في دراسة البدائل المتاحة، لتدبير احتياجاتنا من القمح، في حال نقص الإمدادات العالمية، علماً بأن تلك البدائل قد تنطوي، أو ستنطوي، على ضرورة تدبير اعتمادات مالية أكبر، لمواجهة ارتفاع الأسعار العالمية، وما لذلك من انعكاسات على موازنة الدولة.
وكما للعولمة من نقائص، فلها بعض المآثر، ففي حال شنت روسيا هجومها على أوكرانيا، ونفذت الولايات المتحدة عقوباتها الاقتصادية عليها، والتي من ضمنها وقف تصدير الغاز الطبيعي الروسي لدول شمال أوروبا، والبالغ حوالي 40% من احتياجات الأخيرة، عبر خط “نوردم استريم 2” الجديد، الناقل للغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا، فستتاح الفرصة لمصر، لتصدير فائض إنتاجها من الغاز الطبيعي إلى أوروبا.
وبالطبع، وقبل التفكير في فرض مثل تلك العقوبة، كانت الولايات المتحدة قد درست البدائل المتاحة لتوفير الغاز الطبيعي لأوروبا، ومن ضمنها غاز قطر، فاستدعت، على الفور، أمير قطر، وطلبت منه الاستعداد لتوفير احتياجات أوروبا، بتبديل عدد من عقود الغاز من قطر إلى الصين واليابان، وتوجيهها إلى أوروبا. كما صرحت الولايات المتحدة أنه ضمن خطتها، متوسطة المدى، سرعة استغلال احتياطي الغاز في شرق المتوسط، مشيرة إلى مصر بالاسم، وضرورة الإسهام في استخراج احتياطيها الكبير من الغاز الطبيعي في شرق المتوسط. وهكذا يتأكد لنا أننا يا عزيزي نعيش في عصر الأواني المستطرقة، وأن ما يحدث في روسيا وأوكرانيا وشمال أوروبا، يمتد صداه إلى مصر. تماماً، مثلما عانى العالم بأكمله، من العواقب الاقتصادية لجائحة كورونا، عندما انخفض إنتاج الشرائح الإلكترونية، المتمركز في دول آسيا، مثل الصين، فتأثرت به مصانع السيارات في أوروبا.
ونتذكر، جنوح ناقلة الحاويات Ever Given، في قناة السويس، في مارس الماضي، ومسارعة دول العالم، في إعلان استعدادها لمساعدة مصر، في تعويم السفينة، لأن توقف الملاحة في قناة السويس، يعني عدم مرور 30% من حجم التجارة العالمية إلى أوروبا، ويعني عدم مرور 20% من نفط الخليج إلى أوروبا، ويعني تحويل الملاحة لطريق رأس الرجاء الصالح، وما يستتبعه من زيادة تكاليف نقل البضائع … ومثال آخر، إعلان إسرائيل استعدادها للقيام بعمليات عسكرية، لتدمير المواقع النووية في إيران، حتى لو اضطرت للقيام به منفردة، وما يستتبعه من رد إيراني متوقع، من شأنه إحداث أزمة في سوق النفط، المتمركز 30% من إنتاجه العالمي في منطقة الخليج العربي، من شأنه إحداث أزمة اقتصادية عالمية، تتأثر بها دول العالم، القاصي والداني منها.
أؤكد لك يا صديقي أننا نعيش في عصر الأواني المستطرقة … وكل ما يحدث في أطراف العالم، يؤثر على قلبه، والعكس صحيح، لذا يتوجب علينا الحيطة والحذر واليقظة، في متابعة تفاصيل ما يدور حولنا، بالدراسة والتحليل والاستنتاج والاستعداد لكل ما يؤثر على بلدنا الحبيبة مصر.