بقلم / د. رشا عبد العزيز
مقولة (الطيور علي أشكالها تقع ) هل هي صحيحة ام بالفعل ممكن ان نقع علي غير أشكالنا ؟!
الكثير من الناس يستخدمون المقولة الشهيرة “الطيور علي أشكالها تقع” للإشارة إلى أن الأشخاص المتشابهين في الأفكار أو الصفات ينجذبون لبعضهم البعض ، ويعود هذا المثل إلى منتصف القرن 16 وإستخدمه الكاتب “وليام تيرنر” فى كتاب الكوميديا الساخرة عن الكاثوليكي المهذب بعنوان “إنقاذ الثعلب الروماني” قائلاً: “الطيور من نوع ولون واحد دائما ما تطير في سرب واحد”.
وبدايةً من هذا الأمر صار هذا المثل يُطلق على المتشابهين من البشر في السلوك والصفات.
ثم إنتقلت هذه العبارة عبر الزمن ليقولها الكثيرون في مواقف مختلفة في حياتنا المعاصرة .
وهناك قول آخر في تفسير هذا المثل، وهو يشير إلى أن معنى الطيور على أشكالها تقع أنه رغم شكلها الذي يساعدها على الطيران بجناحيها وريشها وجسدها فإنها تقع على الأرض وتتحطم .
ولذا نقول هذا المثل في حياتنا في المواقف التي يخطئ فيها العالِمُ، والمواقف التي يفلس فيها الثري، والمواقف التي يبكي فيها القوي، والمواقف التي يحزن فيها الإنسان البشوش دائم الضحك واللهو .
ولكن هذا التفسير قد يكون بعيد بعض الشئ عن ما نفسره ونتداوله في واقعنا لهذه العبارة التي نتناولها بإستمرار .
و قد حاول باحثون في علم النفس من جامعة “ترير” الألمانية التأكد من أن الإنسان أيضا يبحث وينجذب لمن يشبهه في شكله أو طباعه، كما يفعل الطّيور فقاموا بتجربة علي عدد ٥٠ من الرجال والنساء ، فقاموا بعرض صور لنساء “مثيرات” على الرجال، ومعها أيضا صور أخرى لنساء تم إجراء تعديلات على وجوههن بشكل يجعل كل واحدة منهن تحمل بعض الملامح الشخصية لكل رجل من المشاركين في التجربة، ثم وضع نصف الرجال يدهم فى مياه مثلجة لمدة ثلاث دقائق، كنوع من توليد الشعور بالضغط، ثم عرضوا الصور على الرجال وقام جهاز خاص برصد رد فعلهم، من خلال حركات معينة في عضلات العين.
وكانت النتيجة أن الرجال الذين لم يتعرضوا للضغط اختاروا النساء اللاتى تحمل وجوههن ملامح شبيهة لهم، فيما فضل الرجال الذين كانوا تحت الضغط صور النساء المثيرات ، وتوصلت الدراسة إلى أن وجود تشابه بين شخصين يولد شعورا بالثقة المتبادلة بين الطرفين ، وهو أمر ضروري في العلاقات طويلة المدى كالزواج مثلا .
فدعونا نتفق علي أن إختيار الإنسان بقلبه او بعقله لإنسان فهو بالطبع يشبهه او يتوافق معه في شئ ما ربما السلوك او الطباع وربما يجتمعون علي مصلحة او هدف واحد يربطهم والفرق هنا بين الطائر والإنسان ان الطيور تسير في اسراب طبقا لمعايير وأهداف ثابتة لا تتغير فلا يمكن أن تجد سرب الحمام به صقر مثلا .. فهناك فطرة إلاهية في الطيور التي تغرد وتهاجر في مجموعات متشابهة في النوع والشكل .
ولكن الانسان ممكن ان يترك السرب ويحلق بعيدا حينما تنتهي المصلحة او يختلف مع شريكه علي الهدف
وتستخدم هذه المقولة في السلبيات والايجابيات بحسبِ الموقف ، فنجد مثلا ان هذه المقولة منتشرة في مصر وتشير إلى مجموعات أو ثنائيات من الرجال أو النساء يقومون بإيذاء الآخرين والتربص بهم ، سواء بالقول أو بالفعل مع أننا أحيانا نقابل أصدقاء قد لا تجمعهم ديانة واحدة ولا نفس الأصول ولا العرق ولا اللون ولكن تشعر أنهم وجهان لعملة واحدة، ليس لوجود شبه في الشكل، بل بسبب ما نسميه “كيمياء” فيما بينهم وتظهر للعيان من حولهم.
وإنتشرت هذه المقولة لدي الغرب أيضا «birds of feather flock together»، وهم يشيرون بها إلى التوافق بين المجتمعات في كثير من أشيائها وأمورها، فالسائد بين المجتمعات من خلال هذا المثل هو التوافق .
دعونا الآن نتوقف قليلًا عن التوافق في الشكل والمظهر الذي نراه بعيوننا، ولننظر للأفكار والجوهر، فالقرآن المجيد في آياته العظيمة يقول الحق تبارك وتعالى في سورة النور: «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ».
فهذه الآية الكريمة تُشير إلى أن الخصائص التي تميز هذا تجعله يقترب من ذاك، ويتوافق معه، كل وفق طبعه، شرير لشرير، وطيب لطيب، وخبيث لخبيث، وصافي النفس لصافي النفس مثله.
فالإنسان يقع وفقا لإختياراته وليس له الحق ان يتبرأ منها فيما بعد او يركن ذلك لسوء الحظ او عدم التوفيق ، فكل ما تختاره هو بإرادتك ووفقا لمتطلباتك فكل إنسان يعلم جيدا ما يريد فهناك من يريد الشهرة او المال او الحب او الجمال او حتي من يصنع له الطيب من الطعام …
قناعاتك وإحتياجاتك العقلية او القلبية والشعورية هي من تختار وكل إنسان يختار حسب متطلباته وإحتياجاته وبما يتوافق مع سلوكه فأنتم بالفعل تشبهون إختياراتكم و لكن الضغوط والمخاطر أحيانا قد تؤدي لحدوث خلل في هذا المبدأ.
وأخيرا عزيزي الإنسان .. كن شجاعا
فليس من حقك بعد الاختلاف او انتهاء المصلحة ان تقول : ” ليس دائماً الطيور على أشكالها تقع ، ياما الدنيا وقعتنا في ناس لا كانوا يشبهونا ولا يصلحوا لينا”
كن شجاعا .. ولا تنكر إختياراتك حتي وإن أخطأت حتي تستطيع تصحيحها في المستقبل القريب .