برع الفنان التشكيلي والسينوغراف كمال بلطرش في ابراز جمال التراث الجزائري وتنوعه رفقة زوجته ماريا إلستوفا عبر لوحاتهما التي زينت قاعة مصطفى كاتب في معرض ثنائي يمتد من 31 أكتوبر وحتى 24 نوفمبر، حيث حرصا على تسليط الضوء على تنوع التراث الجزائري وكذا عراقة تاريخه، فبينما ركزت ماريا إلستوفا على التقابل الجغرافي والفني بين حياة الأسرة التارقية في بيئتها الصحراوية وبين الحياة في القصبة، رحل بنا بلطرش إلى جبال شمخت بتضاريسها ورجالها ونسائها عبر ممرات المروءة والأصالة التي برهن عليها هذا الشعب الأصيل خلال ثورته المباركة.
لوحاتها جمعت بين الأصالة والابداع
الفنانة الروسية ماريا إلستوفا تزاوج بين سحر الصحراء وجمال القصبة
تترجم الفنانة الروسية ماريا إلستوفا جمال الجزائر عبر بسطها لألوانها الزيتية بكل مهارة على لوحات جمعت بين الأصالة والإبداع تحت عنوان” تنوع جمال الجزائر”، حيث تواصل الفنانة رسم قصتها التي تحكيها لجمهورها عن التنوع المبهر للجمال في الجزائر وهو يخطف لب العاشقين للصحراء وبريق رمالها الذهبية، لتعبّر عن انبهارها بهذا التميز الظاهر للتراث الجزائري الذي يحكي عن عراقة هذه الأرض وشرف أهلها وامتزاجهم بالكرم والكبرياء وعزة النفس، حين تلتحم بروح الانسان الصحراوي وهو يعزف على أوتار حبه لألحان الحياة، حيث تعرض بعض اللوحات الرجل التارقي في زيه الأصيل الذي لا يظهر منه سوى عيونه وهي تترجم خبايا الروح، حيث يتحد وشاحه ولون اللوحة في اللون الأزرق وهو يؤسس للصفاء المختزن في النفس حين يقتبس معناه من لون السماء وجمال البحر.
بينما تعرض لوحة أخرى عيونا أكثر عمقا تتحدث عن الآتي بعدما غاصت في تفاصيل الماضي مزاوجة بين الزمنين الأصيلين، إذ توشحت اللوحة اللون الأخضر ممازجة بين خضرة ترمز إلى الحياة وكل غض من الأغصان التي تزهر في كل حين، وتوغل الفنانة في التاريخ حيث تينهينان تعزف على عودها أراجيز المروءة وهي تستدعي الشجاعة وتستثيرها لدى نساء قبيلتها، فيثأرن لأزواجهن ولرجال القبيلة بعد انهزاهمهم ثلاث مرات، وجئن من القبائل العدو بأسرى لتكون تلك شهادتهن على الجسارة بعد الطهارة، وحينها فقط غطى رجال التوارق وجوههم حياء من بسالة نسائهن، وكشفت نساؤهن عن وجوه تشرفت بلون الشمس وضيائها بعدما أعادت هيبة القبيلة التارقية وبسطت سطوة الرجل الأزرق من جديد ولو عن طريق أنثاه.
كما بسطت الفنانة الروسية ماريا، نور الجزائريات المستمد من تراثنا العريق حيث يمتزج بياض الحايك وأزرقة القصبة وأصالة الجزائر بجمال البحر.
كما برعت الفنانة في إظهار أناقة والذوق الراقي للمرأة التارقية وهي تصدر أصوات طبولها وتقذف بها في سموٍّ في سماء سمع الرجل التارقي وهوائه، فيهتز كيانه على نغماتها منسجما مع أمنياته وأحلامه وأصالته.
وقد أبدعت ماريا في تصوير الفن الجزائري ونهمت من تراثه ما زينت به لوحاتها وسكبت في عيون قارئ اللوحات بهجة لا توصف.
وقالت ماريا بأنها انبهرت بهذا التنوع الكبير للتراث الجزائري ما يمكن الفنان من الابحار في حنايا الابداع بكل اشتياق، حيث يجد نفسه منجذبا لهذا التنوع الذي يجعل منه فنانا متميزا يبسط الجمال على لوحاته بكل حب.
جمع بين الريشة والقلم ليقص حكاية الأرض الأصيلة والتواءات المشاعر
الفنان الجزائري كمال بلطرش يصوّر حكايات تنبض بألوان الحياة
كما تطرق الفنان الجزائري والسينوغراف المعروف كمال بلطرش، إلى حكاية من عمق التاريخ الجزائري في لوحاته التي تروي قصة بطولة هذا الشعب الأبي وتتحدث عن شهامته منذ القدم ورفضه لهذا المستعمر الغاصب، عن طريق عرضه للستوري بورد الذي قام به لتصوير فلم بعنوان “جبل باية” للمخرج عز الدين مدور رحمه الله، وتتلون لوحاته باللون الرمادي الذي يستعمل فيه قلمه مبرزا فيه أداته الأولى في فعله الفني وهو القلم، حيث يستدعي اللون الرمادي الرصاصي جذوة المروءة التي كانت تشتعل في قلوب الجزائريين وهم يتفقون على نهاية سعيدة واحدة لحكاية يعرفها الجميع وهي حكاية الحرية والاستقلال، بينما تأخذ لوحات أخرى اللون البني مصورة خريف الحياة الذي كانت تتراكم فيه مشاعر الغضب في صدور الجميع وهم يلفون فكرتهم التحررية في كلمة تعبر من روح إلى روح مكسرة قيود الاستعباد، فمن ولد حرا لا يجب أن يعيش إلا حرا، واللون البني يهمس للجميع بالالتفات إلى الغروب لأنه الوقت الذي تختفي فيه الألوان بعدما تغيب الشمس ولا يبقى إلا الجَسور كي يشعل نارا تحرق المستعمر ومن معه، ولهذا نجد أن بقية اللوحات قد تزينت بألوان الحياة كزرقة البحر وخضرة الأعشاب، وفيها يرمز الفنان إلى استتباب الفرح في نفوس أفراد هذا الشعب الأبي بعدما استقرت فكرته على حياة كريمة يراها تشرق في نفسه مع كل شروق شمس كل صباح، ولا تغرب مهما غابت الشمس لأن نور الحرية قد استوطن كل القلوب.
وتتعرض اللوحات إلى تصوير تفصيلي للأحداث مستندة إلى أمكنتها التي وقعت عليها، كما برع الفنان في بسط الحقيقة وتقريبها من الواقع عن طريق تصوير الشخصيات بلباسها الأصلي في ذلك الوقت، وهو ما يجعله عملا مميزا لا يكتفي بسرد أحداث تاريخية شيقة عن عراقة هذا الشعب وأصالته، بل يعبرها إلى تصوير حضارة ثبّتت معالمها بحروف من نور.
كما أبرز الفنان حوارات خفية بين المرء ونفسه عبر لوحات في الفن التجريدي، وهي لوحات ثلاث تشد الناظر إليها من بعيد كأنها تنصب له فخاخا من جمال وغموض، فيجد نفسه يقترب منها وهو يغرق في تفاصيلها اللامرئية ويعيش حكاياتها الموغلة في الغموض.
إذ تتراءى خطوط الروح متقمصة لمعالم الجسد مستحوذة على تقاسيمه، تحوطها ألوان الحياة وهي تحيط بالانسان إحاطة السوار بالمعصم، حيث كانت تهاجمه من كل النواحي والاتجاهات كعاصفة هوجاء يخترقها وجوده دون اختيار منه ولا تفكير.
ففي اللوحة الأولى نجد الفنان يبسط ألوان الحياة متمازجة كإعصار هائج يستحوذ على المرء ويستدعيه إلى مركزه ولا يترك له خيار الفرار، والألوان كانت متعددة، أهمها الأسود والأبيض وهما يبسطان لوني الحزن والفرح.
في اللوحة الثانية، نجد ذات الانسان عاجزا أمام هذه الألوان أو عاصفة الحياة بشكل عام وحالته النفسية مهترئة ولا يجد بدا من الاستسلام لهذا الاعصار( الألوان) الذي فرض عليه، ولهذا نراه يتعامل بسلبية مع الوضع فيما يبدو لقارئ اللوحة ومتمعنها، في محاولة منه لإيجاد حل لوضعه الجديد.
أما في اللوحة الثالثة، فنجد ذلك المتقمص لروح البشر، قد انبسطت على وجهه الغامض تعابير الفرح والرضا، حين وجد نفسه منسجما مع وضعه الجديد متعايشا مع واقعه، بعدما تقبل ظروفه وعرف بأنه كي يعيش بسلام، عليه أن يتقبل حياته بوجهيها المبتسم والحزين ولا يضيع على نفسه فرصة اقتناص لحظة الفرح ولا يسترسل في حزنه.
جميلة ميهوبي.