آراء كتاب ونخب عمانية حول الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.

خميس بن عبيد القطيطي: في مئوية الزعيم جمال عبدالناصر 

خميس بن عبيد القطيطي

يسدل الستار بعد أيام قلائل على ذكرى مئوية الزعيم الخالد جمال عبدالناصر هذه الذكرى التي احتفت بها الجماهير والقوى الشعبية العربية الناصرية من المحيط الى الخليج، فقد كانت ذكرى مئوية ميلاده في 15 يناير 2018م حيث ولد جمال عبدالناصر في هذا اليوم من عام 1918م، وكقائد عربي كان مالئ الدنيا وشاغل الناس حتى بعد رحيلة الذي ناهر نصف قرن إلا انه مازال حديث الجماهير العربية وحديث الاعلام، ومازالت صوره مرفوعة في كل مناسبة قومية عربية، وهو الزعيم العربي الوحيد الذي مازالت بعض دول العالم تحتفي به كقائد ثوري حقق العديد من المنجزات على الصعيد الوطني والقومي بل خرج من دائرته العربية والافريقية ليساهم في تأسيس منظمة عدم الانحياز، وعرف بمواقفه القوية في مجابهة القوى الاستعمارية في المنطقة ما أدى ذلك الى الاصطدام بتلك القوى من خلال تأييده لحركات التحرر في الوطن العربي وافريقيا، ذلك ما أقض مضاجع الغرب كثيرا، لكن عبدالناصر صمد في مجابهة تلك المواقف التي استهدفت مصر والامة العربية. 

لقد ترك جمال عبدالناصر مبادئ عظيمة أسست لمدرسة فكرية ناصرية ومشروعا مازال قائما حتى اليوم وتجربة فريدة في الحكم تقوم على أسس الحرية والاشتراكية والوحدة من أجل القضاء على الاستعمار ونبذ التخلف والطبقية والتجزئة، واعتمدت تلك المبادئ على تأسيس جيش قوي والقضاء على الاقطاع والقضاء على الاستعمار وتحقيق عدالة اجتماعية وحياة ديمقراطية، وتعتبر هذهالمرتكزات من أهداف ثورة يوليو 1952م التي قادها الزعيم جمال عبدالناصر. 

الحديث عن هذا الزعيم قد يحتاج الى مجلدات ونحن اذ نحتف بمئوية ميلاده لابد أن نقف على محطات هامة في حياتة مع محاولة اسقاط موضوعي موجز عن بعض ما نسب إليه والى ثورة يوليو 52م ومعرفة بعض جوانب تلك التجربة الناصرية، كما سنسلط الضوء على محاولات تشويه تاريخه التي مازالت مستمرة حتى اليوم، وسنستعرض بعض الانجازات التي حققها خلال مسيرته التي امتدت منذ ثورة 23 يوليو 1952م ولغاية رحيله في 28 سبتمبر 1970م. 

هناك محطات رئيسية من حياة هذا الزعيم لابد من المرور عليها، فقد ولد لعائلة بسيطة من بني مر في محافظة اسيوط وتوفيت والدته وهو في مازال على مقاعد الدراسة، ثم أكمل دراسته الثانوية وألتحق بالكلية الحربية في مارس 1937بعد ان تم رفض طلبه في عام 1936م بسبب حصر القبول على أبناء الطبقة العليا من المجتمع، ولحسن حظه وحظ زملاءه ان معاهدة 1936م ترتب عليها زيادة أعداد الضباط في الجيش المصري فتحقق لعبدالناصر أمنيته للالتحاق بالكلية الحربية، وهذا الوضع كان يمثل دلالات سلبية حول النظام الاجتماعي القائم في فترة ما قبل الثورة، فكانت الاوضاع السائدة تقوم على الطبقية، وكان الاحتلال الانجليزي يسيطر على مفاصل الدولة، وكانت عوائد قناة السويس تصل الى 35 مليون دولار لا تحصل مصر منها الا على الجزء اليسير جدا قد لا يتعدى المليون، ومازال هناك حتى اليوم الكثير من الواهمين من يعتقد أن عهد ما قبل الثورة يمثل حالة من الرفاه الاقتصادي للشعب المصري متجاهلين الحالة السائدة من سيطرة رأس المال على السلطة، والخلل في تركيبة النظام الاجتماعي. 

لقد أتيحت لجمال عبدالناصر الفرصه كونه ضابط مشاة التنقل بين عدد من المواقع داخل مصر وخارجها من منقباد الى السودان، وحظي بفرصة مواتية للقراءة والاطلاع خلال تلك الفترة وذلك تعزيزا لتوجهاته الشخصية، وخلال تلك المرحلة حدث حادثا أثر كثيرا على توجهاته السياسية عندما حاصرت الدبابات البريطانية قصر الملك فاروق وسلم السفير مذكرة للملك بتعيين مصطفى النحاس رئيسا للحكومة على أن يقوم بتعيين حكومة موالية للانجليز وخير الملك بين التنفيذ أو الخلع، هذه الحادثة ألقت بظلالها وأحدثت هزة نفسية عنيفة بين ضباط الجيش طالت تاثيراتها أبناء الشعب المصري عموما لتغيير واقع الخنوع والاستسلام ورهن الارادة الوطنية للاحتلال الاجنبي، لذلك أثارت تلك الاحداث وغيرها نفوس ضباط الجيش وابناء مصر لتغيير ذلك الواقع، وألتقى عبدالناصر في تلك الفترة بعدد من الضباط الذين شاركوه نفس الهم الوطني والذين أصبحوا لاحقا أعضاء في مجلس قيادة الثورة. 

لقد شارك جمال عبدالناصر في حرب فلسطين عام 1948م وحدث حصار الفالوجا وظلت القوات المصرية المحاصرة تقاوم حتى انتهت الحرب بالهدنة التي فرضتها الأمم المتحدة في 24 فبراير 1949م، وجرح عبدالناصر أثناء الحرب مرتين ليمنح لاحقا النجمة العسكرية تقديرا لجهوده في تلك الحرب، وهكذا عندما تتهيأ الظروف والمواقف لمثل هؤلاء القادة ليصبحوا من القادة التاريخيين. 

واستكمالا لبعض المحطات التاريخية من حياة الزعيم جمال عبدالناصر وصولا الى العام الذي سبقالثورة فمع اندلاع المواجهات في مدينة الاسماعيلية بين قوات الاحتلال الانجليزي ورجال الامنالمصريين الذي أدى الى سقوط عدد كبير من الضحايا وحدث حريق القاهرة الذي ألتهم دار الاوبرا ماأدى الى خسائر مادية كبيرة، ومقابل تلك الاحداث لم يكن التحرك الرسمي بالمستوى المأمول بل انالملك كان يحتفل بعيد ميلاد نجله وولي عهده في قصر عابدين وسط القاهرة، كل تلك الارهاصات أدت الى التعجيل لتنفيذ الثورة وتحدد تاريخ 23 يوليو 1952م للقيام بتلك الثورة، فسيطر الضباط الاحرار على قيادة الجيش والمراكز الهامة بالدولة، وبث بيان ثورة يوليو 52م بعد نجاح لافت، وكانت ثورة بيضاء لم يسقط خلالها أية ضحايا، وسلم الملك السلطة وقرر نفيه الى الخارج وتم ترتيب ذلك بمراسم خاصة، مما يؤكد أن الثورة ليس لديها نزوع نحو الانتقام، وأعلن تعيين اللواء محمد نجيب لرئاسة الجمهورية رغم انه لم يكن في اللجنة التنفيذية لمجلس قيادة الثورة، وبعد عامين آلت الرئاسة لجمال عبدالناصر بعد مطالبة نجيب بتوسيع صلاحياته كرئيس في تعيين وعزل الوزراء والضباط ولم يكن لمجلس قيادة الثورة الخروج عن نظامه الاساسي، وربما كانت هناك أسبابا أخرى لذا تم قبول استقالته وأصبح عبدالناصر رئيسا للجمهورية في عام 1954م، وفي نفس العام وقع عبدالناصر اتفاقية الجلاء مع الانجليز وقد كان ذلك هو الهم الوطني الأول للثورة، وفي نفس الوقت بدأت مصر حراكا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا، فانشئت المصانع التي بلغت 1200 مصنع من مصانع القطن الى مصنع الصواريخ البالستية وهكذا عندما تقرر الشعوب وقيادتها الانطلاق نحو المستقبل تعززها الارادة الوطنية، وحصل الفلاحين على قطع أراض زراعية ملكا لهم، وفي عام 1956 أعلن عبدالناصر تأميم قناة السويس فشنت بريطانيا وفرنسا واسرائيل عدوانا ثلاثيا على مصر وبدات المقاومة الشعبية المصرية الى أن أعلنت الامم المتحدة ايقاف العدوان، فحقق عبدالناصر ما كان يصبو اليه وبقيت قناة السويس تحت السيطرة المصرية، ويحاول البعض اثارة هذه النقطة بان الاتفاقية المتعلقة بالقناة كانت تنتهي في عام 1968م، ولم يدر بخلدهم هل سيكون تسليم القناة مضمونا في ذلك التاريخ دون عوائق وهل سيتم ذلك اصلا بدون نضال وطني؟!

في 22 فبراير 1958م قامت الوحدة العربية بين مصر وسوريا وأصبح عبدالناصر رئيسا للجمهورية العربية المتحدة فكانت تلك الوحدة هي لبنة أولية في مشروع الوحدة السياسية العربية، ولا يشترط ان تكون وحدة فيدرالية، ولكن تجربة مصر وسوريا كانت تجربة رائدة وفريدة توخت الوحدة العربية الاندماجية ليكون للعرب موقفا موحدا وجيشا واحدا على شاكلة التكتلات الدولية الأخرى التي حدثت في أماكن أخرى خلال فترات لاحقة. 

لا شك ان السد العالي كان يمثل مشروعا عظيما واكبر مشروع عالمي في القرن العشرين بدأت الدراسات فاستقدم الخبراء وتقدمت مصر بطلب قرض الى البنك الدولي حاولت الولايات المتحدة ايقافه ثم تمت الموافقة عليه لاحقا بعد استخدام اوراق الضغط التي وظفها عبدالناصر في صالحه، وبدأت الاعمال في السد العالي في يناير 1960م، وعلى الصعيد الداخلي ايضا حقق عبدالناصر عدد من المنجزات فيما يتعلق بالوضع المعيشي في مصر ودعم السلع الغذائية الرئيسية وقانون الاصلاح الزراعي وبنى برج القاهرة ومبنى هيئة الاذاعة والتلفزيون وكانت اذاعة صوت العرب تعلن عن ظهور قيادة عربية محورية تحرك الجماهير العربية في اتجاه واحد مؤكدة على موقف موحد يجمع الامة العربية وقيادتها المحورية، وكان عبدالناصر يمثل تلك القيادة الجامعة والتفت حوله جميع القيادات العربية، كما ساهم في دعم ثورة الجزائر ودعم التحرر في عدد من الاقطار مما جعل الغرب يتوجس منوجود هذا القائد العربي الذي جعل القاهرة محورا للاحداث العالمية، بالاضافة الى ذلك كان هناك عددمن المنجزات الاخرى على الصعيد الداخلي مثل تأسيس اذاعة القرآن الكريم التي بثت القرآن مسجلاالى مناطق اخرى وساهمت في نشر الاسلام وبناء عدد كبير من المساجد وتطوير جامعة الازهر لتشملمختلف العلوم، وتستقطب عدد كبير من الدارسين من مختلف الدول شاملة الدراسة والاقامة والمعيشة ،والكثير من المنجزات الاخرى التي وضعت مصر في مصاف الدول الصاعدة. 

وفي يونيو 1967م كان على مصر أن تواجه استفزازات اسرائيل وعدوانها المتكرر على القرى الفلسطينية وتهديدها لسوريا فتم اغلاق مضائق تيران امام السفن الاسرائيلية ما اعتبرته اسرائيل اعلانا بالحرب في حين لم تكن مصر جاهزه لتلك الحرب واعتمد جمال عبدالناصر على راي القائد العام للقوات المسلحة عبدالحكيم عامر في تاكيد الجاهزية للحرب، لذا فقد باغتت اسرائيل القوات المصرية والسورية وحدثت هزيمة يونيو 67م أو ما يسمى بحرب النكسة، وأعلن عبدالناصر مسئوليته وأعلن تنحيه عن السلطة فورا الا ان الجماهير العربية خرجت في مسيرات مليونية رافضة تنحي عبدالناصر ومطالبة له بالبقاء في السلطة، فاستجاب عبدالناصر لتلك التطلعات والامال الجماهيرية، وفي الخرطوم أعلن العرب في مؤتمر القمة العربية الطارئة عن الاءآت الثلاث:)لا صلح لا تفاوض لا اعتراف( وأعلن عبدالناصر ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، وبدأت حركة تحديث في الجيش المصري شملت القيادات والتسليح والاستعداد لمعركة قادمة كما بدأت حرب الاستنزاف التي كبدت اسرائيل خسائر فادحة على المدى المستمر والطويل، وعرضت مبادرات سلام أكثر من مرة ولكن عبدالناصر كان يؤكد على ان القدس والجولان وغزة قبل سيناء، وفي نفس الوقت واصل تحديث الجيش واستعدت مصر والامة العربية للمعركة القادمة، إلا ان الاجل لم يمهل هذا الزعيم رغم انه كان يقود عملية التحديث ويقود مصر والامة العربية استهدادا لتلك المعركة، ودخلت مصر معركة التحرير في اكتوبر 1973م بعد رحيل عبدالناصر بنفس الاعداد والتسليح الذي أعده عبدالناصر لتلك المعركة وتحقق النصر. 

هناك محاولات كثيرة أرادت النيل من الزعيم جمال عبدالناصر ومازالت حتى اليوم تعمل على تشويه صورة هذا الزعيم العربي الكبير لكنها لم تفلح فالزعيم عبدالناصر يتصدر المشهد العربي كقائد امة رسم مبادئ عظيمة، وعاش زاهدا ونزيها وصادقا في وقت كان يواجه القوى الامبريالية بأنفة وكبرياء من أجل عزة وكرامة هذه الامة، ولم يملك عبدالناصر شيئا ليورث أبناءه أو عشيرته بل ترك لهم العلم كما هو لجميع أبناء مصر ووسع العلوم والمعارف ونادى بمجانية التعليم والصحة، واليوم هناك من استفاد بهذه المنح فانكرها للاسف الشديد، وأنكر جهود هذا الزعيم منهم من تدفعه نوازع الجهل ومنهم من يريد الانتقام، ولا ريب أن القوى الاستعمارية الغربية والكيان الصهيوني هم من أكبر أعداء عبدالناصر فحاربوه في عهده وجندوا أجهزتهم لتشويه صورته بعد رحيله وبمساعدة الرجعية العربية فليس غريبا اليوم أن تجد من يردد هرطقات تشوه صورة هذا الزعيم متجاهلا كل ما قدمه هذا الزعيم من انجازات ومن عنفوان واعتزاز عربي، وكان يمثل القيادة المحورية العربية ورسخ مبادئه التي ظلت ثابتة من بعده. 

لا شك أن عبدالناصر ليس نبيا مرسلا وبطبيعة الحال هناك بعض ما أعتبر من اخطاء التجربة الناصريةمثل حالة حقوق الانسان في السجون وبعض الممارسات الخاطئة التي حدثت والتي تم اكتشافها لاحقافحوكم أصحابها، وكذلك حرب 67م التي حدثت في وقت لم تكن القوات المسلحة جاهزة فعليا وربمااستدرجت مصر لتلك الحرب، ومن المغالطات التاريخية أن يحمل البعض انفضاض وحدة مصروالسودان دون دراية بان السودان كان لديه الحق في  استفتاء لتقرير المصير ومسألة الانفصال كانت خاضعة لمعاهدات وجدول زمني محدد، ولكن المشوهين والواهمين والمغرر بهم لا يمكن لهم وضع التقييم العادل والصحيح لانهم مازالوا تحت سطوة افكار سممت قلوبهم وعقولهم ولكن ذلك لا ينقص ذلك من مكانة العظماء في التاريخ، وعلى كل حال فالزعيم جمال عبدالناصر كان يعمل مخلصا من أجل بلده وأمته واراد القدر ان يرحل في خاتمة قومية عربية خالصة بعد نهاية اجتماعات القمة العربية الطارئة لمناقشة احداث أيلول الاسود في 22 سبتمبر 1970م، فرحم الله جمال عبدالناصر وغفر له وأسكنه فسيح جناته.  [email protected]

 

خميس بن عبيد القطيطي: في ذكرى ميلاد عبدالناصر: عندي خطاب عاجل إليك.. 

تحتفي الجماهير العربية من المحيط الى الخليج وفي سائر أنحاء العالم دائما بمناسبات مئوية الزعيم جمال عبدالناصر أو رحيله أو أي مناسبة كان عبدالناصر جزءا منها وباعثها، وتستمر تلك الاحتفاليات حتى بعد مرور نصف قرن على رحيل عبدالناصر، مما يؤكد على حقائق ودلالات ومعاني قد لا يدركها بعض المتأدلجين بإعلام الاسلام السياسي أو المشوهين الذين طالهم أعلام التشويه منذ نصف قرن على رحيله، وللأسف لم يتأمل لهذه الظاهرة الجماهيرية التي لم تأت من فراغ، وهنا لن أتحدث عن أعداء الرئيس عبدالناصر فهؤلاء حاولوا مرارا وتكرارا عبر منابرهم وأجهزة إعلامهم نسج الادعاءآت

والأباطيل والأكاذيب في محاولة لتضليل الرأي العام والانتقام من هذا الزعيم الذي كان سدا منيعا في وجه قوى الاستعمار ومجتمع )النصف في المائة( من رجال المال والاقطاع والمستفيدين من حقبة العهد الملكي أو جماعة الاخوان المسلمين الذين حاربوا عبدالناصر حيا وميتا ودسوا الاباطيل ونسجوا الأكاذيب واعترفوا بتلك المؤلفات الكاذبة لاحقا، وكذلك الرجعية التي عملت وما زالت تعمل وفق إرادة الاستعمار القديم والحديث، كل هذه المجاميع ورغم قدراتهم الاعلامية الضخمة لم يتمكنوا من زحزحة عبدالناصر قيد أنمله من صدارة المشهد العربي ومن قلوب الملايين فبقي صامدا رغم تقادم الأعوام والسنين وتناسخ الرؤساء والقيادات من بعده حتى اليوم، فلماذا غاب الجميع وظل عبدالناصر وحدهخالدا وشامخا في قلوب الملايين رغم كل ذلك الهوس التضليلي وحجم منظومات التشويه والمحاولات المسيئة الى تاريخه؟!!

ظلت صور عبدالناصر مرفوعة على الهامات في كل مناسبة عربية سواء كان عبدالناصر جزءا منها أو لم يكن كذلك فلم يستطع الاعلام المعادي تغيير هذا المشهد طوال نصف قرن بعد رحيله وسيظل الى أبعد من ذلك لأن هذا الاعلام لا يمكن أن يغير المفاهيم ولا يمكن أن يقلب الحقائق ولا يمكن أن يسيء لمبادئ جليلة تمثلت في الحرية والاشتراكية والوحدة والعدالة الاجتماعية ومقاومة الاستعمار، رافقها إحداث ثورات صناعية وزراعية وتعليمية وبناء السد العالي كأعظم مشروع في القرن العشرين وتجميع القران الكريم بأصوات القراء في مصحف مرتل عبر اسطوانات التسجيل ووصوله الى كافة أنحاء العالم ،وقوانين الاصلاح الزراعي ودعم السلع الاساسية وبناء الكثير من المساجد والجسور وافتتاح مبنى

الاذاعة والتلفزيون وبرج القاهرة والكثير من البنى التحتية في مصر، وجلاء قوات الاحتلال الانجليزي وتأميم قناة السويس وغيرها من المنجزات العظيمة في بلده، كل ذلك جاء بعزيمة وإصرار في تحقيق نهضة وطنية، بالاضافة الى دعم ثورات التحرر في الوطن العربي والتي مازالت تدين بهذا الفضل لجمال عبدالناصر الى اليوم، وتجاوز عبدالناصر الدور المحلي والاقليمي الى العالمية في تأسيس منظمة عدم الانحياز، والتصدي بقوة وندية لقوى الاستعمار في سبيل تحقيق مشروع وطني وقومي عربي حتى اعترف أعداء عبدالناصر أنهم يكرهون عبدالناصر ولكنهم لا يستطيعون شراءه أو مساومته أو تهديده لانه بلا رذيلة، والتفت الجماهير العربية حوله في جميع خطاباته فأصبح عبدالناصر مركزا

من مراكز القوة العالمية حتى قال عنه الرئيس الامريكي نيكسون: أن العالم يتحكم به ثلاث قوى الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة ومصر عبدالناصر، فهناك من الشواهد ما أثبتت ذلك منها تواجده على

منبر الامم المتحدة ليلقي خطابه الذي كان أول خطاب باللغة العربية فوقفت جميع الوفود لتحيته وهو يتقدم لالقاء خطابه عام ١٩٦٠م، وعندما انسحب عبدالناصر حين أراد مندوب كيان الاحتلال إلقاء كلمته انسحب معه عدد كبير من وفود العالم، وكذلك حادثة سفينة كليوباترا التي رست في ميناء نيويورك ومنع اتحاد العمال الذي يتحكم به اليهود تفريغ السفينة من القطن وإعادة شحنها بالقمح للضغط على مصر وشعبها بسبب مواقف عبدالناصر، لم يستغرق الأمر سوى ثلاث ساعات فتوجه عبدالناصر الى اذاعة صوت العرب موجها خطابه الى اتحاد العمال العرب في مختلف الموانئ العربية ليتوقف الجميع عن تفريغ وشحن كل السفن الامريكية مما أجبر الخارجية والرئاسة الامريكية لانهاء الازمة واعادة تفريغ وشحن سفينة كليوباترا، كل ذلك عندما تمتلك الأمة قيادة محورية قادرة على مخاطبة الجماهير والارتباط معها في مواجهة التحديات الدولية، وهو ما أكدته الجماهير العربية يومي ٩، ١٠ يونيو ٦٧م بعد اعلان تنحيه بعد الحرب عندما خرجت تلك الملايين في مسيرات للمطالبة بعودة عبدالناصر في أضخم استفتاء شعبي على زعيم في التاريخ وتكرر ذلك المشهد المليوني يوم رحيله رحمه الله، فهكذا كان عهد عبدالناصر الذي أسس لنهضة صناعية وزراعية وتعليمية في مصر وهكذا هو الحال لأي أمة أرادت النهوض والتقدم لتعيش معززة مكرمة بين الأمم، ونظرا لهذه المنجزات التي حققها عبدالناصر أراد الاعداء محاربته والانتقام منه، وليس غريبا على قوى الاستعمار ذلك، فهي التي زرعت كيان الاحتلال في قلب الوطن العربي وعملت على تقويته على حساب العرب، فلا يمكن أن تسمح بنهضة عربية في أي بلد عربي، لذلك يراد للوطن العربي التبعية والتخلف والتشرذم، لذلك أدرك عبدالناصر تلك الحقيقة فكان قارئا جيدا للتاريخ فكافح طوال) 18( عام منذ ثورة الضباط الاحرار في ٢٣ يوليو ١٩٥٢م ولغاية رحيله في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠م، فجاءت رسالته رحمه الله لتحقيق نهضةوطنية وعدالة اجتماعية وتأميم خيرات بلده لأبناءه وتحقيق مشروع عربي لصالح أمته، اجتهد كثيرا وحقق الكثير من المنجزات، لذلك حاول أعداءه التخلص منه وكسر شوكته فلم يفلحوا لأنه صادق في نواياه ومخلص تجاه وطنه وأمته، وعرف عنه الزهد والبساطة فلم يجدوا فرصة لاسقاطه، وهكذا سيظل منهج الاستعمار في لعبة الأمم مع كل بلد أو قائد يحاول التخلص من التبعية وأسباب التراجع

ويحاول بناء أمة متسلحة بالعلم والمعرفة وتعتمد على نفسها في دورة حياتها المعيشية، لذلك ستظل معادلة المواجهة قائمة. 

عندما تصدر بعض الاصوات النشاز التي تقول ماذا جنينا من عهد عبدالناصر سوى الحروب، نقول نعم عندما فرضت الحروب كان على العرب التصدى لها، نعم خسرنا في ٤٨م ونجحنا في ٥٦م ثم خسرنا في ٦٧م لكننا لم نفشل كانت هناك إرادة حقيقية ولم ترفع الراية البيضاء بل أعقبها مزيدا من التحدي على الصعيد السياسي الوحدوي العربي، واستمرت عجلة التنمية الصناعية والزراعية والعلمية على مسيرتها مما يؤكده تقرير الأمم المتحدة للتنمية عام ٦٨م بعد الحرب الذي سجل معدلا مرتفعا للتنمية في مصر، وهذا يعني أن مصر رغم الحرب لم تنحني وبقيت صامدة قوية واستمرت فيها عجلت البناء والتنمية، بل انها استفادت من دروس حرب ٦٧م فعملت بقيادة عبدالناصر على إزالة آثار العدوان ،فسخرت قوى الاقتصاد والتنمية لتعزيز القوات المسلحة وتم تحديث الجيش وتغيير القيادات والاستعداد للحرب بكل ما أمكن والاستفادة من دعم الأشقاء في تغيير ميزان القوى، ولأن الأمة العربية كانت تحمل قضية مصيرية فكان العمل بكل عزيمة واصرار بقيادة عبدالناصر لازالة آثار العدوان من خلال حرب الاستنزاف الطويلة التي أرهقت كيان الاحتلال الصهيوني، الذي طالب بوقف إطلاق النار وتوقيع اتفاقية سلام مع مصر عبدالناصر، لكن عبدالناصر قالها أن الصراع مع العدو هو صراع وجود لا صراع حدود ،ورفع العرب لاءآتهم الثلاث في مؤتمر الخرطوم لا صلح لا تفاوض لا اعتراف وما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة، وكان رحمه الله صادقا وأثبتت الايام ذلك، رغم أن كيان الاحتلال كان يبادر بإعادة سيناء كاملة دون قيد أو شرط مقابل تخلي مصر عن دورها القومي العربي في مواجهة الاستعمار وعدم المطالبة بتحرير كامل الأراضي العربية، لكن لم يكن لقائد مثل جمال عبدالناصر أن يتخلى عن دوره العروبي فأكد على عودة كل الاراضي المحتلة من الجولان الى القدس والضفة والقطاع وأخيرا سيناء ،فكان الاعداد المنظم لجبهات القتال والدعم العربي لها، لذلك تحققت ملحمة العبور عام ٧٣م التي أستعدت لها مصر والأمة العربية منذ نهاية حرب يونيو ١٩٦٧م وأجريت التجارب والخطط في عهد عبدالناصر، ورغم الأخطاء التي حدثت لاحقا بعد العبور إلا أن حرب أكتوبر ١٩٧٣م كسرت مقولة الجيش الذي لا يقهر وأثبت أن العرب متى ما اتحدوا وعززوا قدراتهم واعتمدوا على أنفسهم وحققوا مبادئ التعاون التضامن والدفاع العربي المشترك وتم تفعيل العمل العربي المشترك، ومدوا جسور التعاون في مختلف المجالات فإنهم قادرون على تحقيق الأنتصار. 

وعندما نعيد تذكير الأجيال بالزعيم جمال عبدالناصر فإننا نستذكر رمزا تاريخيا ترجم معاني العزة والكرامة للأمة العربية وحقق عدد من المنجزات في بلده وعلى خارطة الوطن العربي والعالم، ورسخ مدرسة فكرية ما زالت قائمة الى اليوم تعرف بإسمه، واستذكاره هنا لتحفيز الاجيال وتعريفهم بتاريخ عظيم لاستنفار معاني ومبادئ القومية العربية والاعتماد على الذات العربية في إقامة نهضة صناعية وزراعية وعلمية في مشروع عربي متكامل اقتصاديا وسياسيا، وتطوير العمل العربي المشترك دائما ،لذا سيظل عبدالناصر خالدا في تاريخ العرب لانه أسس لتلك المفاهيم وطبقها على أرض الواقع، ولاتوجد تجربة بشرية معصومة من الخطأ بطبيعة الحال لكن يظل عبدالناصر أحد الرموز العربية في التاريخ العربي الحديث والمعاصر، فلا غرابة أن تكون جنازته أكبر جنازة في التاريخ، وظل معلقا في

قلوب الملايين من أبناء الأمة العربية من المحيط الى الخليج وملهم الأحرار في سائر بلاد العالم، وهذه من محبة الله لتجتمع على محبته هذه الملايين، وعلى المشوهين والمؤدلجين تأمل هذه الحقيقة.

كاتب عماني

 [email protected]

 

 

 

 

  حول التجربة الناصرية

 :خميس بن عبيد القطيطي

ما زالت ذكرى مئوية ميلاد الزعيم جمال عبدالناصر تجول في أذهان الجماهير العربية، وما زالت الندوات والمؤتمرات الناصرية تشخص تلك التجربة الحاكمة، ورغم مرور ما يناهز نصف قرن على رحيله، إلا أن هذا الزعيم يظل حديث الشارع العربي ومالئ الدنيا وشاغل الناس في مختلف الأحداث التي صنعها عبدالناصر، فبين مؤيد ومنتقد وعاشق وناقم على تلك التجربة يظل اسم ناصر نشطا في

الأوساط الإعلامية العربية عموما، وما يهمنا في السياق التالي التجول في بعض محطات تلك التجربة التي حكمت مصر منذ ثورة يوليو 1952م وحتى وفاته في 28 سبتمبر 1970م عن عمر يناهز 52 عاما كانت حافلة بالعطاء، ومن الطبيعي مثل هذه الحالة التي التفت حولها الجماهير العربية بل والأنظمة الرسمية العربية أن تحتل الصدارة في الفكر السياسي والاجتماعي العربي، كون الأمة كانت تبحث عن قائد ولم تتوفر تلك الصفات والسمات إلا بشخصية عبدالناصر في العصر الحديث، ولا سيما أن عبدالناصر جاء بثورة تعتبر من اهم الثورات في التاريخ الحديث والتي قضت على نظام ملكي في أكبر الدول العربية تبع ذلك التخلص من الاستعمار الأجنبي، ورغم رحيله المبكر إلا أنه بقي خالدا في

 .قلوب الجماهير العربية

وللحديث عن تجربة ناصر في الحكم بعد نجاح ثورة الضباط الأحرار والتي كان ناصر مهندسها وقائدها ورغم أن الرئاسة آلت إلى اللواء محمد نجيب باتفاق مجلس قيادة الثورة، إلا أن استلام عبدالناصر القيادة أصبح أمرا لا مفر منه بعد عامين، والسؤال الذي يجب أن يسأل هنا: لماذا عبدالناصر بالذات؟ والجواب يأتي عفويا كونه الأقدر والأكثر جاهزية وكفاءة وهيمنة وقدرة، والأكثر حضورا بين الضباط الأحرار، وأبرز شخصية قبل وبعد الثورة. لذلك حظي بإجماع مجلس قيادة الثورة، وبالتالي فالثورة كانت بحاجة إلى تكملة المشوار بقيادة شخصية قوية تأسست على قيم وأيديولوجيا مناهضة للاستعمار الخارجي، وقد شارك عبدالناصر قبل ذلك في حرب 1948م ضد كيان الاحتلال، وهي أولى الحروب العربية الإسرائيلية، وهذه تعتبر أهم المواقف التي أضافت إلى

عبدالناصر الكثير من المكونات الشخصية، بالإضافة إلى مكونات بشرية أخرى تشرب فيها عبدالناصر قيم العروبة والقومية والحرية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية، وهذه المكونات التي أصبحت لاحقا

 .مبادئ للثورة ونموذجا للفكر الناصري

خلال ثمانية عشر عاما حرك عبدالناصر العالم من القاهرة، وأصبحت تلك العاصمة العربية محورا للأحداث العالمية بدءا من توقيع اتفاقية الجلاء مع الاستعمار الإنجليزي عام 54 مرورا بتأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي عام 56م، تبعه تأسيس عدم الانحياز في مؤتمر باندونج والذي تصدره عبدالناصر كزعيم ثوري لبلد عربي كبير يتسع نفوذه ليشمل الوطن العربي والقارة الإفريقية، ومن ذلك المؤتمر بلغ نفوذ عبدالناصر وعلاقاته المبنية على التحرير ورفض الاستعمار لتشمل عواصم عالمية صاعدة ولقاءاته المستمرة وتنسيقه مع تلك الدول؛ لذلك حظي بالاحترام الكبير في مختلف

محطاته، وفي عام 1960م استقبله معظم قادة العالم عند وصوله إلى نيويورك للمشاركة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، بل إن كلمته كانت أول كلمة تلقى باللغة العربية في هيئة الأمم المتحدة ،ومع تحركه لإلقاء كلمته وقف الجميع وصفق لعبدالناصر؛ لأن عبدالناصر وقتها لم يكن فردا أو حاكما لبلد واحد، بل كان يمثل أمة ويمثل عددا كبيرا من دول العالم الثالث التي ما زالت تشارك الأمة العربية حتى اليوم بالاحتفال بمئوية هذا الزعيم. إذن عبدالناصر كان يمثل القيادة الرمزية للأمة العربية والتي توجها بتجربة فريدة في الحكم، فقد كان زاهدا على المستوى الشخصي وعظيما شامخا في وجه

القوى الدولية، وجميع صوره ولقاءاته توضح ذلك، وهذا يؤكد أن الأمة تحتاج إلى قائد فذ يجمع مثل تلك الصفات والكاريزما والهالة العظيمة، وأهم مبدأ هو التفاف الجماهير حوله، ولعب الإعلام دورا مهما في إنجاح تلك التجربة الناصرية، فقد كانت خطابات عبدالناصر الحماسية تحرك الأمة من الخليج إلى المحيط، ولذلك وقفت تلك الجماهير خلف هذا الزعيم والتفت حوله، وهذا أمر مهم جدا في تلك

التجربة الناصرية باستقطاب الجماهير والهيمنة على مشاعرها؛ كونها تنظر إليه كقائد يمثل نموذج القيادة العربية المحورية من المحيط إلى الخليج، الأمر الآخر والأهم والذي مكن من اعتلاء تلك التجربة وتصدرها التجارب الحاكمة هي العلاقة مع شعبه وتواضعه وحرصه على تحقيق الأمن الغذائي والمعيشي في أكثر من مسار، أولها منح الفلاحين قطع أراض بالتملك وقانون الإصلاح الزراعي ودعم السلع الغذائية والاهتمام بأحوال الشعب وأموره المعيشية، فقد كان دائم الاتصال بوزير التموين لمناقشته في بعض المسائل المعيشية، فقد كان عبدالناصر لصيقا مع شعبه وبلده فأراد أن يجعل من بلده نموذجا للاستقلال الوطني والعدالة الاجتماعية والاشتراكية التي ردمت الفجوة بين رجال الإقطاع وكبار التجار في البلد لذلك حظي بحب الجماهير، بالإضافة إلى ما كان يتميز به هذا الزعيم من تواضع وزهد وصدق وأمانة وعفة يد، فقد رحل ولم يورث أبناءه الأموال، بل ورثهم وورث أبناء الشعب المصري التعليم والعلاج المجاني والتعليم العالي وأسس 1200 مصنع ظلت تمثل عصب الحياة الاقتصادية لمصر حتى بعد رحيله، وقد نشر صندوق النقد الدولي قبل وفاة عبدالناصر تقريرا أشار إلى مستوى النمو الاقتصادي المتقدم في مصر والاعتماد على الذات، وقد رفد الاقتصاد بالصناعة واعتبرت مصر ضمن الدول الصاعدة، وبلغ قيمة الجنيه المصري مستوى عاليا مقابل الدولار الأميركي، كل ذلك لأن عبدالناصر كان لديه هدف ثابت برفع مكانة بلده والأمة العربية عموما، وكان السد العالي الذي بناه عبدالناصر بعد سلسلة طويلة من الدراسات والمواقف الدولية المعارضة مع الولايات المتحدة والبنك الدولي نموذجا في الإرادة والتحدي، فكسب ناصر الرهان؛ لأنه كان يمتلك تلك

 .الإرادة والعزيمة ويمتلك الأوراق الرابحة رغم صعوبة الأوضاع في تلك الفترة

إذن عبدالناصر كان يمتلك المؤهلات في حضوره القيادي وتجربته التقدمية الاشتراكية في الحكم ،ويتعامل مع القوى الدولية بمستوى عالٍ من الندية، والتاريخ يذكر حادثة سفينة كليوباترا التي رست في ميناء نيويورك ورفض عمال الشحن تفريغها من القطن وشحنها بالقمح حسب اتفاقية الصادرات والواردات الموقعة بين البلدين، وهذا كان بتخطيط مدبر للضغط على الشعب المصري وعلى ناصر خصوصا، فلم يستمر الحدث أكثر من ثلاث ساعات بعد اتصال السفير المصري في واشنطن بوزير

الخارجية الذي أبلغ بدوره عبدالناصر بما حدث فما كان من عبدالناصر إلا أن اتجه إلى مبنى الإذاعة وتحدث مخاطبا الجماهير العربية وعمال الشحن والتفريغ في الموانئ العربية بتوضيح ما حدث بكل شفافية، والهدف هنا كان لكسر الإرادة الوطنية التي تتمسك بها مصر في وجه القوى الاستعمارية ،فما كان من عمال الشحن في جميع الموانئ العربية من طنجة إلى البصرة إلا أن نفذوا إضرابا تاما وتوقف العمال عن شحن وتفريغ السفن الأميركية لتنتهي الأزمة خلال ثلاث ساعات، وهذه حادثة معروفة ومشهورة ومنشورة أيضا، وهكذا عندما تمتلك الأمة قيادتها المحورية التي تنطلق من أسس ومبادئ ثابتة.. فقد أسس عبدالناصر تلك التجربة على الحرية ثم الوحدة التي سعى من أجلها ،

وتحققت بالفعل بوحدة الموقف والكلمة ووحدة الجماهير العربية والتفافها حول قيادتها من المحيط إلى الخليج، بالإضافة إلى بروز عبدالناصر بين الزعماء العرب كميزان يحكم تلك التوازنات والاتجاهات ،وأزمة أيلول الأسود هي خير شاهد على ذلك، ثم عمل عبدالناصر على الاشتراكية والتي تحدثنا عنها أعلاه وبلغت مصر مراتب متقدمة في النمو الاقتصادي بشهادة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ،وأخيرا عمل عبدالناصر على تكريس مبدأ التحرر، فدعم ثورات التحرر في الوطن العربي وإفريقيا ،وأصبح القائد الملهم في تلك المرحلة من التاريخ؛ لذلك لا غرابة أن تبقى صور ناصر مرفوعة مع كل

 .مناسبة قومية عربية

نحن هنا نشخص تلك التجربة الفريدة التي استقطبت جميع المؤهلات العربية وتبنت قواعد متينة وصلبة، وكرست مبادئ ما زالت صالحة في كل وقت، ورغم أن العمل والنشاط والمثابرة التي تميز بها ناصر في مرحلة نضاله في الحكم الذي استمر حتى سبتمبر 1970م فكان لا بد من أن تحدث بعض الأخطاء في تلك التجربة؛ منها استعجال الحرب مع إسرائيل عام 1967م والقوات العربية لم تكن في جاهزية لهذه الحرب، ولم تكن الجيوش محدثة والأسلحة كذلك، واستغلت قوات العدو الفرصة واستطاعت إلحاق هزيمة بالعرب؛ لذلك اعتبر عبدالناصر نفسه هو المسؤول عنها تماما وأعلن تنحيه ،ولكن كان هناك موقف عظيم لا ينساه التاريخ بخروج الجماهير العربية وفي جميع المدن المصرية رافضة التنحي، وقالت كلمتها: عبدالناصر نعلم أنك أخطات، ولكن سنحترب معك، وتبقى أنت القائد

ونحن معك، ورضخ عبدالناصر لتلك المطالب الشعبية العارمة وتم في الخرطوم اجتماع التحول العربي الذي أطلق لاءاته الثلاث: لا صلح لا تفاوض لا اعتراف، وهو ما جعل الأمة بأكملها تتجه نحو البناء وجولة فاصلة مع العدو، وتم تحديث الجيش وقامت حرب الاستنزاف التي كبدت العدو خسائر باهظة وأدت إلى استجداء السلام مع عبدالناصر، ولكنه كان يرفض السلام دون عودة كامل الأراضي المحتلة من الضفة والقطاع والجولان والقدس قبل سيناء. هكذا كانت تجربة ناصر الثورية التي سجلت بعد

رحيلة كتجربة تقدمية رائدة في الحكم تعتبر هي التجربة الأنجع في التاريخ العربي الحديث بغض النظر عن تلك الأخطاء. واليوم تقف الأمة في حالة متراجعة تحركها القوى الأجنبية؛ لأنها فقدت القيادة وفقدت مثل تلك التجارب العظيمة، لذلك بقي عبدالناصر يمثل حالة رمزية خلدها التاريخ العربي، وظل خالداً في قلوب الملايين.

 

 

 أبريل في الذاكرة العربية

 خميس بن عبيد القطيطي

شهد شهر أبريل من عام ١٩٦٠م إحدى أهم الأزمات في تاريخ القومية العربية، وتأتي أهمية هذه القضية من الناحية السياسية المعبرة عن قوة الموقف العربي في المواجهة مع قوى الاستعمار، وتعبر عما تمتلكه الأمة العربية من أوراق رابحة عندما تكون هناك قيادة محورية يحيط بها ملايين العرب في موقف موحد. ولنمعن في التفاصيل من خلال مقال للأستاذ سعيد الشحات نشره في صحيفة اليوم السابع باستعراض ما حدث للباخرة المصرية “كليوباترا” التي رست في ميناء نيويورك بتاريخ ١٣ أبريل من عام ١٩٦٠م، وكانت تبلغ حمولتها) ٨( آلاف طن وبطاقم عدده) 103( من الرجال وبقيادة القائد )الكابتن( أحمد بهاء الدين، وهي محملة بشحنة من القطن المصري طويل التيلة وبضائع أخرى على أن تعود محملة بالقمح )العيش( الذي يستخدمة أبناء الجمهورية العربية المتحدة في إقليمها الجنوبي )مصر( كما يسمى في ذلك الوقت باعتبار الوحدة العربية بين مصر وسوريا كانت قائمة، وما  . يمثله القمح من أهمية غذائية كبيرة لأبناء مصر في طعامهم اليوميلقد سبق وصول الباخرة “كليوباترا” حملة سياسية موجهة ضد مصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي بسبب منع الرئيس جمال عبدالناصر سفن “الاحتلال” من عبور قناة السويس، كما تمت مصادرة عدد من السفن المتجهة من وإلى “إسرائيل” وبعد تدخل الأمين العام للأمم المتحدة أفرجت مصر عن السفن مع الاحتفاظ بالبضائع التي كانت تحملها ،ولجأت “إسرائيل” إلى مجلس الأمن لتقديم شكوى ضد مصر بسبب فرض سيادتها على معبر قناة السويس رغم أنه معبر دولي للملاحة البحرية، وجاء رد عبدالناصر أن مصر لن تنفذ حتى لو حصلت “إسرائيل”

على قرار من مجلس الأمن إلا إذا نفذت “إسرائيل” قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين وخصوصا حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم أو تعويضهم، وبالتالي فإن الحملة على مصر هنا اتخذت مسارا آخر عبر مناطق نفوذ “إسرائيل” وذلك من خلال علاقتها مع اتحاد البحارة الأميركيين الذي بدوره أصدر بيانا بمقاطعة تفريغ وشحن البواخر

المصرية في الموانئ الأميركية، وقد تصل المقاطعة إلى دول أوروبا الغربية لإذعان مصر فيما يتعلق بمرور سفن “إسرائيل” عبر قناة السويس، ولذلك فقد توقف عمال الشحن والتفريغ في ميناء نيويورك عن التعامل مع الباخرة كليوباترا، فقام السفير المصري في واشنطن مصطفى كامل بمناشدة وزارة الخارجية للتدخل والطلب من الرئيس “آيزنهاور” التدخل لحل الأزمة، إلا أن الخارجية الأميركية رفضت باعتبار أن تدخل الرئيس لا يكون إلا في الحالات التي تؤدي إلى تهديد الأمن القومي، ونقل خبر صحفي من الصحافة الأميركية بتاريخ الـ١٤ من أبريل ١٩٦٠م عن مظاهرة عمال الشحن والتفريغ في نيويورك ضد وصول الباخرة المصرية “كليوباترا” احتجاجا على المقاطعة العربية ضد “إسرائيل”، ونشرت الأهرام المصرية في صفحتها الأولى بتاريخ الـ١٥ من أبريل ١٩٦٠م “مانشيت” يقول: )إسرائيل تحرض عمال الشحن في أميركا ضدنا( وتشير الأهرام كذلك إلى ما نشر في الصحف الإسرائيلية التي تحرض الموانئ الأوروبية على فعل نفس الشيء الذي قام به عمال نيويورك، وذكرت مصادر صحفية أن سكرتير عام عمال الموانئ الإسرائيلية “الهستدروت” كان قد أبرق إلى اتحاد العمال العالمي  .       للشحن   يشكره    على       موقفه     من  الباخرة       كليوباترا

حاول السفير المصري في واشنطن تفادي الأزمة واحتواءها في مهدها، لكن تأثير اللوبي الإسرائيلي كان له دور في تصعيدها، فكان لا بد من استخدام أوراق القوة السياسية الناعمة من قبل الرئيس عبدالناصر وذلك عندما توجه إلى تدويل الأزمة وإشراك اتحاد العمال العرب فيها )الأزمة( بعد أن شرح لهم ما حدث في ميناء نيويورك ومحاولة “إسرائيل” الضغط على مواقف الجمهورية العربية المتحدة الداعمة لحق أبناء الشعب الفلسطيني. وبالفعل تصاعدت الأزمة؛ ففي يوم الـ١٧ من أبريل ذكرت الأهرام أن حادثة الباخرة ستتحول إلى أزمة سياسية كبرى، وأولت موضوع الباخرة أولوية في التغطية الصحفية اليومية، وكل ذلك موثق بالأهرام وتوجد نسخ منه لمن أراد الاطلاع عليها، وهنا تحولت الأزمة إلى أزمة دولية بعد تهديد عمال الشحن العرب بالتوقف عن التعامل مع السفن الأميركية، ونشرت الأهرام نص حديث الرئيس جمال عبدالناصر إلى تلفزيون كولومبيا بتاريخ الـ٢٦ من أبريل مؤكدا “لا يوجد أي حق لإسرائيل بالمرور عبر خليج العقبة ولا عبر قناة السويس وأن المنع لا يرتبط بحرية الملاحة، ولكن بحقوق الشعب الفلسطيني، وأن المنع سينتهي بتنفيذ إسرائيل للقرارات الدولية

المتعلقة بفلسطين خصوصا حق اللاجئين بالعودة إلى بلادهم وتعويضهم وليس “أو” تعويضهم عما لحق بهم من خسائر، وأننا نعتبر كل ممتلكات إسرائيل هي ممتلكات عرب فلسطين الذين حرموا من ممتلكاتهم وأراضيهم” وفي نفس ذلك اليوم رفضت المحكمة الفيدرالية وللمرة الثالثة الدعوى القضائية المقدمة من قبل أصحاب الباخرة “كليوباترا” لرفع المقاطعة عنها، كما نشرت الأهرام أيضا برقية أرسلها اتحاد العمال العرب إلى الرئيس الأميركي “آيزنهاور” يطالبه فيها بالتدخل لانهاء الأزمة، كخيار أخير قبل أن تبدأ المقاطعة العربية للسفن الأميركية في الموانئ العربية من طنجة إلى البصرة، كما تشير الأهرام إلى أن محكمة الاستئناف في نيويورك قررت تأييد الحكم السابق بعدم تنزيل الباخرة، وعليه فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة “داغ همرشولد” أن مقاطعة الباخرة لن يؤدي إلى فتح قناة السويس أمام

 .                    الملاحة        الإسرائيلية

وبعد أن وصلت الأزمة إلى نهاية مسدودة وصعَّد اتحاد العمال العرب موقفه بعدم التعامل مع السفن الأميركية، هنا جرت مشاورات بين وزير الخارجية “جيمس ديلون” مع رئيس اتحاد نقابات العمال ومجلس المنظمات الصناعية لإنهاء الأزمة بعد أن أحدثت الأزمة حرجا للإدارة الأميركية حينها وذلك بعد انتهاء مهلة اتحاد العمال العرب لتنفيذ حملة مقاطعة ضد السفن الأميركية والتوقف فعليا عن شحن وتفريغ السفن الأميركية في مختلف الموانئ العربية، فتم إرسال برقية عاجلة من قبل رئيس اتحاد نقابات العمال الأميركيين “جون ميني” إلى رئيس عمال البحر في نيويورك بتفريغ الباخرة “كليوباترا” وشحنها بالقمح وفقا لاتفاقية التبادل التجاري بين البلدين لتنتهي تلك الأزمة بانتصار سياسي سجله العرب بقيادة جمال عبدالناصر بعد أن تم تدويل القضية وإشراك اتحاد العمال العرب في القضية، وبعد ممارسة اتحاد العمال العرب دوره التاريخي المشهود والتهديد بالمقاطعة وتنفيذها بعد انتهاء  .”المهلة المحددة، مما أدى إلى انتهاء أزمة الباخرة “كليوباتراكتبت صحيفة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ الـ٧ من مايو ١٩٦٠م “مانشيت” عريضا بعنوان “انتصرنا” مثمنة وقوف الأمة العربية خلف الجمهورية العربية المتحدة في واحدة من أهم معارك القومية العربية ضد الاستعمار، فعادت “كليوباترا” إلى مصر باستقبال شعبي كبير بعد تحقيق انتصار سياسي أكد على أهمية وحدة موقف الأمة العربية في  . ظل قيادة محورية التفت حولها الجماهير، رحم الله جمال عبدالناصر

 

 

 

المحلل السياسي علي بن مسعود المعشني 

 “رحل ناصر وبقيت “الناصرية “

في مِثلِْ هذا اليوم 28 سبتمبر 1970، رحل عن دنيانا الزعيم العربي جمال عبدالناصر، وبرحيله تيتم العرب كأمة وشعب وحكام وأفراد ولغاية يومنا هذا.

لا يشعر بهذا الفقد، من لم يعش تفاصيل سنوات التحدي والكبرياء العربي 1952- 1970، تلك السنين التي تحولت فيها أنظار العالم قاطبة من النظر إلى قوى عظمي تقليدية، إلى قاهرة المُعز وزعيمها الشاب جمال عبد الناصر، الزعيم الذي قاد طموح العرب في التحرر والانعتاق من أغلال المستعمر، وتسلح بكبريائهم وتاريخهم وحضارتهم ليبعث المشروع العربي الحضاري بعد غياب قسري امتد لقرون طويلة بفعل الاحتلالين التركي الرجعي والغربي المسعور؛ لاضطهاد العرب ومحو حضارتهم وتاريخهم وتكريس التخلف والفرقة والشتات والتناحر بينهم. بع ث  الزعيم عبدالناصر مجد العرب وشرفهم وكبريائهم، فأيقظ العالم من حوله ممن كان العرب قناديل هدى وضياء لهم عبر التاريخ البشري وفصول ومراحل وأطوار الحضارة العربية الإسلامية، فرحب بمجيئه وفرح البوذي في الصين والأرثوذكسي في روسيا والهندوسي في الهند والكاثوليكي في شرق أوروبا وأمريكا الجنوبية والوثني في أفريقيا، فكان زعيمًا للعرب بالداخل وأملهم وحلمهم وزعيما لحركة عدم الانحياز وقبلة للأحرار في العالم وأبًا روحياً لحركات التحرر من الاستعمار الغربي في القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية. من أسباب كاريزما الزعيم عبدالناصر وطغيان شخصيته هو كونه شخصا قارئا نهما وذا فكر ومشروع معاً، وكل زعيم ذي فكر ومشروع لابدُّ أن يكون قارئاً نهمًا، وله مؤلفات تحمل وتعُبر عن فكره ورؤيته، لهذا كان للزعيم ناصر مجموعة تحتوي على ثلاثة كتب قام بكتابتها وهي “فلسفة الثورة” و”يوميات الرئيس جمال عبد الناصر عن حرب فلسطين”، و”في سبيل الحرية ،”وهي القصة التي بدأها وهو طالب بالمدرسة الثانوية عن معركة رشيد وفازت بالجائزة الأولى في المسابقة التي أجراها المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية. لهذا عرُف الزعيم ناصر من قبل المقربين منه بأنه الشخص الذي يقرأ كل شيء يقع تحت عينيه، فكان موسوعيًا في طرحه ونظرته للعالم من حوله ومستقلاً في فكره وموقفه، بينما الكثير من قادة اليوم لا يقرأون أي شيء، فكانوا أتباعًا لأهواء المستشارين وضحايا لأقوال الصحف ووسائل الإعلام الغربية التي لم يدركوا يومً ا أنها سيوف مسلولة بأيدي الخصوم وإن بانت وسوقت نفسها كالحية الرقطاء الناعمة أو كالحرباء الفاتنة بألوانها الزاهية.شخصية الزعيم جمال عبدالناصر المشُبعة بقيم العروبة الأصيلة وصدقه وتبسطه وعفويته جعلته صديقاً ومحببًا للجميع في الوطن العربي من مختلف الأطياف العرقية والدينية والمذهبية وخارج الوطن العربي؛ بل وحتى من خالفوه أو اختلفوا معه بالفكر أو بالسلاح لجأوا إليه في لحظات ضعفهم فآواهم وأكرمهم.

قدر الزعيم ناصر حين قاد ثورة 23 يوليو 1952، أن يقاتل على عشرات الجبهات في وقت واحد بداخل مصر وخارجها في الوطن العربي والعالم، ففي مصر كان لابدُ له من محاربة نفوذ الإنجليز وسيطرتهم على مفاصل الدولة المصرية بمقدراتها ومؤسساتها الحرجة وعلى رأسها مؤسستا الحكم والجيش، والإقطاع والبشوية التي جعلت غالبية الشعب المصري مجرد سُخرة وعبيد لدى فئة صغيرة جدًا من الإقطاعيين والبشوات مُلاك الأرض والمصير!! وكان الوطن العربي من شرقه إلى غربه يرزح تحت نير الاستعمار الإنجليزي والفرنسي؛ حيث لم تكن سوى اليمن والعراق وسوريا ولبنان والسعودية والمغرب والأردن خارج تصنيف الاحتلال بالمفهوم القانوني، ولكنها في المقابل تحت رحمة وتأثير ونفوذ الغرب بشكل أو بآخر.

التحولات التي شهدتها الأمة بعد رحيل زعيمها والعودة القوية للنفوذ والتبعية للغرب وصولاً إلى “الإبراهيمية” اليوم ومرورًا بالتطبيع وبسط ثقافة كامب ديفيد ووادي عربة، واستنسار البغاث الحبشي والتركي وتجاسرهم على الأمة، والتلويح بتجديد وعد بلفور وسايكس بيكو عبر مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفصول الربيع العبري البائس، وتجفيف الناصرية والتجاسر على مكوناتها من عروبة وقومية عربية ودعوات للوحدة والتضامن العربي، والتسويق للقطُرية، وإطلاق العنان لأبواق “الإخوان” وأخيلتهم المريضة والطابور الخامس للنيل من الناصرية وعبدالناصر ودعاة الوحدة والتضامن العربي جميعها تشير وبقوة إلى حجم تأثير الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، وإلى مدى حضوره في زمنه وإقلاقه لراحة جميع هؤلاء ممن هبتَّ رياحهم اليوم بفعل تمكين ودعم الغرب لهم بوعي وبلا وعي، ويشير كذلك إلى حجم فقد الأمة العربية لزعامة وقيادة بحجم وتأثير الزعيم جمال .

وبالشكر تدوم النعم..

قبل اللقاء: “الناصرية هي المصرية كما ينبغي أن تكون… أنت مصري إذن أنت ناصري… حتى لو انفصلنا عنه )عبد الناصر( أو رفضناه كشخص أو كإنجاز. وكل حاكم بعد عبد الناصر لا يملك أن يخرج على الناصرية ولو أراد إلا وخرج عن المصرية أي كان خائنا”. د. جمال حمدان مؤلف كتاب “شخصية مصر.” 

في ذكرى رحيله الـ٥١ .. عبدالناصر حضور  رغم الغياب

 :خميس بن عبيد القطيطي

أنُادى علي ك أبا خالدٍ، وأعرفُ أنىّ أنادى بوادْ، وأعرفُ أن ك لن تستجي ب، وأنَّ الخوار ق ليستْ تعُاد، هكذا استحضر الشعراء العرب ذكرى رحيل الزعيم الخالد والهرم الرابع جمال عبدالناصر، فأبدع الأدباء العرب في تخليد ذكرى الزعيم الملهم حبيب الملايين، كما أبدع غيرهم في محاولات التشويه ،ولكنهم لم يفلحوا أمام هذا الحضور الطاغي على خريطة الجغرافيا العربية من المحيط إلى الخليج، فهو مالئ الدنيا وشاغل الناس، فقد كان عبدالناصر ظاهرة عربية كبرى في تاريخ القيادات العربية، وما زال حتى اليوم وغدا تستحضره الملايين من أبناء الأمة العربية في كل مناسبة عربية، فهو الزعيم العربي الخالد الذي لم يغب عن الذاكرة، وهو الحاضر في كل مناسبة عربية رغم محاولات التلفيق والتشويه التي لم ولن تنتهي، لكنه كما قال الشاعر الكبير نزار قباني: “تضيق قبور الميتِّين بمن بها، وفي كل يوم أنت في القبر تكبر” فلا بدَُّ لهذا الوصف من أسرار ومنجزات ومبادئ وضعته في صدارة الذاكرة العربية وفي عمق الوجدان العربي، فهو الزعيم الذي منح هذه الأمة حيزا من الاعتزاز ونادى بالوحدة والحرية وصنع الكرامة العربية، وقد وصفه شاعر مصر الكبير عبدالرحمن الأبنودي: “لا ننسى أن عبد الناصر هو الذي قال: “ارفع رأسك يا أخي .. فقد مضى عهد الاستعباد” وفاض في أشعاره فرثاه باللهجة المصرية قائلا: “عشنا الحياة وياه كالحلم فلا فساد ولا رهن بلاد، يومها انتشينا ثقافة وعلم، وفي زمنه ماعشناش آحاد كنا جموع في زمن ناصر، كان الأمل في خضرِته بكِْر، مافيش لصوص للقوت والمال، ومصر أبطال ورجال فكر، ومثقفين ستات ورجال جيوش جمال عبدالناصر” هكذا كان تاريخ عبدالناصر وتجربته في الحكم حتى رحيله المفاجئ في ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠م ـ رحمه

 .الله

لن نتحدث عن المنجزات التي حققها جمال عبدالناصر فهي ساطعة لكل منصف ومؤتمن في قراءة التاريخ، كذلك لن نتحدث عن محاولات التشويه التي غلبت عليها حمى الأيديولوجيات، لكن سوف نقتطف بعض الدلائل التي تبين رمزية هذا الزعيم حتى أن من ناصبوه العداء وجدوا أنفسهم يرثونه عند رحيله. لذا فقد بكاه من كان بالسجون مثل الشيخ عمر التلمساني والشاعر أحمد فؤاد نجم وغيرهم الكثيرون الذين شعروا أن غيابه هو غياب للمشروع العربي، ورثاه الشيخ الشعراوي بعد سنوات من رحيله بعدما رآه في المنام والقصة معروفة فذهب إلى ضريحه معتذرا ودعا له، وهذه هي حقائق موثقة. هكذا هم المفكرون ممن يقرأون التاريخ بتمعن وحيادية، ولا عزاء للغوغاء والمغيبين

 . وضحايا التشويه، فهذه الاستشهادات والدلالات تبين قيمة هذا الزعيم ـ رحمه الله

بقي عبدالناصر خالدا في ضمير الشعوب وفي قلوب الملايين، وما زال حديث الإعلام وشاغل الناس

حتى اليوم، فهو حاضر رغم الغياب الذي ناهز نصف قرن من الزمان، وليس ذلك بمستغرب على زعيم كان يمثل المشروع العربي والقيادة المحورية، فقد كرَّس مدرسة ناصرية راسخة تنهل منها كل القوى والنخب العربية، وبرحيل ناصر فقدت الجمهورية العربية المتحدة، وفقدت الأمة العربية وفقدت الإنسانية جميعا رجلا من أغلى الرجال، حيث فقدت القيادة التي يلتف حولها العرب، وفقدت مشاريع الوحدة والتضامن والتحرر، وفقدت العدالة الاجتماعية، وعاثت قوى الاستعمار بمقدرات الأمة وثرواتها، لقد فقدت الأمة العربية السياج المنيع للأمن القومي العربي والسد العالي أمام قوى

 . الاستعمار.. رحم الله جمال عبدالناصر وجعله في روح وريحان وجنة نعيم

 

Related posts

Leave a Comment