بقلم : محمد الشريف
في العام 1672 قام عالم الرياضيات الألماني والفيلسوف وأحد رواد عصر التنوير في ألمانيا «جوتفيرد وليام ليبنيتز» بزيارة غير معلنة إلى فرنسا من أجل بحث سبل إعادة الوحدة الدينية والسلام إلى أوروبا وخاصة بعد الحروب الدينية التى استمرت لأكثر من ثلاثة عقود بين الكاثوليك والبروتستانت، وفى أثناء تواجده هناك، فقد ارسل إلى الملك لويس الرابع عشر والذى كان يحارب الهولنديين فى ذلك الوقت قائلا:
«إذا كان مولاى يريد القضاء على جمهورية هولندا فأحسن وسيلة لذلك هى ضرب هذه الأمة فى مصر، حيث يوجد طريق الهند، وحيث يمكن تحويل التجارة الهولندية إلى طريق مصر». (الاقتباس من كتاب نابليون بونابرت فى مصر من تأليف أحمد حافظ عوض وقد صدر عام 1925)
ولكن لم يستجب لويس الرابع عشر لطلبه.
ومرة أخرى إبان حكم لويس السادس عشر قبل اندلاع الثورة الفرنسية بسنوات قليلة، قال وزير البحرية الفرنسى دى سارتين فى اجتماع مجلس الوزراء:
«إن احتلال مصر هو الطريقة الوحيدة لحفظ تجارتنا فى البحر الأبيض، ومتى توطدت قدمنا فى مصر صرنا أصحاب السيادة على البحر الأحمر، وصرنا نستطيع أن نهاجم إنجلترا فى الهند، أو ننشئ فى تلك الأصقاع متاجر ننافس بها الإنجليز»
وبرغم رفع الخرائط الدقيقة للويس السادس عشر عن السواحل المصرية فإن الأخير لم يرسل الحملة، إلى أن قام سفير فرنسا فى الأستانة فى 1781 بإرسال خطاب إلى حكومته يحثها على غزو مصر معللا وجهة نظره بأن الحرب العثمانية الروسية توشك على الانتهاء لصالح الروس، ومن ثم على فرنسا استغلال قرب سقوط الدولة العثمانية والاستحواذ على مصر، وقد قام في طلبه بتقدير قوة المماليك فى مصر المتأخرة عسكريا فلا يوجد حصون ولا مدافع وقدر الجيش المملوكى بستة آلاف جندى فقط، مما دفع الحكومة الفرنسية بالفعل إلى تجهيز جيش قوامه 28 ألف جندى لهذه المهمة، وتواصلت الحكومة الفرنسية آنذاك من خلال الجالية الفرنسية فى مصر مع عدد من الأقباط الذين كانوا يديرون أملاك المماليك من أجل استطلاع الأحوال ومدى استعداد المماليك لمواجهة الحملة المحتملة، لكن قيام الثورة الفرنسية ومن قبلها حرب التحرير الأمريكية عطل الحملة التى كانت على وشك الانطلاق إلى مصر!
وفى هذه الأثناء فإن أحد السياح الفرنسيين والذين يعتقد أنهم كانوا من الرسل السريين لفرنسا فى مصر استعدادا للحملة التى كانت وشيكة وقتها قام بإرسال رسالة إلى الحكومة الفرنسية متغنيا بثروات مصر غير المستغلة قائلا:
«لو أن فى مصر حكومة عادلة وتوجهت نية هذا الشعب المصرى الذكى إلى خدمة أرض مصر الخصبة، فأى جوخ ينسج من صوف أغنام مصر الجميل، وأى قماش يعمل من كتانها الناعم، وأى أقمشة تصنع من قطنها بنوعيه، وأى حرير ينسج من نتاج دود القز الذى ينمو فى بلد كهذا، صاف لا مطر فيه ولا غمام؟ وأى خير لا يجنى إذا حفرت الترع، وأقيمت الجسور لجعل الأرض صالحة للزراعة، وهى التى دفنت ثلثها الرمال؟ وأى نجاح لا يناله الإنسان إذا بحث عن مناجم الزمرد الذى قال أنه يوجد فى تربة هذه البلاد».
و مثل تلك الأحداث التي تكررت عبر تاريخ مصر الحديث فإن فرنسا وحدها فكرت وخططت لغزو مصر لما لها من قيمة تجاريه توضحها الكثير من مراسلات فرنسا الرسميه بين مسؤوليها وبعضهم البعض.
وأيضا يتضح بجلاء الصورة أن مصر بلا جيش قوي يحمي مصالحها فإنها وبكل تأكيد عرضة لخطر الإستعمار تحت أي مسمى وأية صوره.
التصريحات الأمريكيه عند جنوح سفينة شحن دولية بقناة السويس أن لأمريكا إجراءات خاصه إذا امتدت أزمة غلق قناة السويس بالسفينة الجانحة بها ما هو إلا تصريح استعماري من النوع الثقيل بل وتهديد تفهمه الدبلوماسية المصرية بكل وضوح.
وأوضحت الأزمة أيضا لكل من لم يكن قادرا على تصور مركز وأهمية مصر الإستراتيجية واعتبارها على أنها ممر ملاحي عالمي غاية في الأهمية، ومشاهدة وقراءة تصريحات دول العالم الرسميه والإعلاميه، مدى وثقل مصر في الخريطة الدوليه.
من هنا يجب على السلطات المصريه كشف الأمر بمنتهى الوضوح أمام الشعب المصري لكشف الملابسات والأسباب التي أدت لهذا الحادث.
و مبارك لكل مصر أرض مصر، والحمد لله أن الأزمة لم تطل أكثر من ذلك، وتم استعادة العمل في المجرى الملاحي بشكل طبيعي.
مبروك يا مصر