كتب / رضا محمد حنه
مع كل مساويء الركود الاقتصادي التي لا يمكن تجاهلها، فهو لا يخلو من فوائد أيضاً.
إنه يوفر فرصة جيدة للمراجعة وإعادة تنظيم البيت من الداخل،
وخلق ثقافة أكثر إيجابية داخل المؤسسة،
ويحسن العلاقة بين الموظفين والمديرين،
ويوثق الصلة بين المؤسسات وعملائها،
ويفرز السوق مستبعداً الهواة ومبقياً على المحترفين.
النتيجة التي سينتهي إليها وضع المؤسسة بعد الأزمة من إفلاس أو ترنح أو نمو لا علاقة لها بالمرة بوضع الكيان قبل الأزمة ولا بحجمه…
إنه ليس صحيحاً أن الكيانات الكبيرة أو القوية أو المستقرة مالياً هي التي ستعبر الأزمة بنجاح، بل ربما كان العكس هو الصحيح…
النتيجة ترتبط بشكل أساسي بسلوك قادة هذه الكيانات وتعاملهم مع الأزمة.
الكيانات التي ستتأثر بشكل كبير هي تلك التي تتجاهل الأزمة، أو تتعامل معها بخوف من المستقبل يشل قراراتها، ويصيبها بالذعر.
وفي المقابل فإن الكيانات التي تتعامل معها بذكاء وسرعة وثقة… وتستخدم الأزمة لصالحها من كل الأوجه، وتستفيد من تراخي حدة المنافسة لصالح بناء أنظمتها الداخلية أو تطوير منتجاتها أو توثيق صلتها بعملائها. الكيانات التي ستتمكن من ذلك ستكون لديها القدرة على الاستمرار في ظل الأزمة و على النمو أسرع من منافسيهم بعد اجتيازها.
تقدم هذه المتابعة تسع قواعد ونصائح موجهة أساساً لأصحاب الأعمال، ولكن فوائد تطبيقها ستمتد للأفراد والدول. وتدور هذه النصائح حول ثلاثة محاور: المحور الأول: نظم بيتك من الداخل.
الثاني : طور علاقتك بعملائك.
الثالث : تحرك بأقصى سرعة.
النهايات محددة والقرار لك
ستنتهي هذه الأزمة كما انتهت أزمات كثيرة أخرى في التاريخ… وستخرج الكيانات بعد هذه الأزمة واحدة من ثلاثة:
– إما أن تتأثر إلى الحد الذي يدفعها إلى التقلص ثم الركود ثم الخروج تماماً من السوق، وتصبح مجرد ذكرى… كان هنا شركة اسمها كذا..
– أو أنها ستتحمل الأزمة وتنجح في المرور من عنق الزجاجة بأقل خسائر، وتواصل عملها بعد ذلك بشكل عادي، وكأن شيئاً لم يكن.
– أو أنها ستخرج من الأزمة أكثر قوة وأصلب عوداً، أو ربما تنشأ أصلاً خلال الأزمة وبسببها، وتنجح خلال الأزمة في تغيير خريطة السوق وتتقدم عشرات أو مئات المراكز في قائمة الكيانات الأسرع نمواً أو الأكبر تأثيراً، وذلك بسبب نجاحها في تطوير نفسها من الداخل، أو اجتذاب عملاء جدد أو ابتكار منتجات جديدة.
الحقيقة الجديرة بالتأمل هي أن النتيجة التي ستنتهي إليها وضع الكيان بعد الأزمة من إفلاس أو ترنح أو نمو لا علاقة له بالمرة بوضعه قبل الأزمة ولا بحجمها… (وبالمناسبة ما ينطبق على الكيانات ينطبق على الدول وينطبق على الأفراد) ..
إنه ليس صحيحاً أن الكيانات الكبيرة أو القوية أو المستقرة مالياً هي التي ستعبر الأزمة بنجاح، بل ربما كان العكس هو الصحيح…
فكبر الكيان سيمثل عبئاً ثقيلاً عليه، واستقراره المالي هو بسبب الوضع الحالي للعلاقات ونوعية العملاء، وهو ما سيتم تغييره بالكامل خلال الأزمة. ربما كانت فرصة الكيانات الصغيرة في عبور الأزمة بنجاح أكبر،
ولكن المؤكد أنه لا الحجم ولا الوضع المالي هو العامل الأكثر تأثيراً، وإنما العامل الأكبر هو “طريقة الكيان في إدارة الأزمة”، أو مجموعة القرارات التي اتخذها مديره أو مديروه للتعامل مع الأزمة.
طرق كارثية لمعالجة الأزمة
دعني أضع الأمر بهذه الصورة: هناك طريقتان لعلاج الأزمة كلاهما يقود إلى كارثة:
طريق التجاهل التام،
وطريق الذعر الحاد.
طريق التجاهل: إذا تعاملت مع الواقع باعتبار أن شيئاً لم يكن فسيصيبك أكبر قدر من الضرر. ربما كان كيانك أو بلدك أو صناعتك واقعة جغرافياً أو نفسياً في المنطقة الأقل تضرراً من الكارثة، ولكن هذا لا يعني أنها لن تطولك. ربما لا تكون قد تأثرت بشكل مباشر بالأزمة، ولكن من المؤكد أن عدداً من عملائك قد تأثر بها.. فإذا قرر هؤلاء العملاء خفض نفقاتهم فستتأثر، وربما يكون عدداً من مورديك قد تأثر بها، وهذا سيؤثر على قدرتهم بالوفاء باحتياجاتك منهم، وربما يكون عدداً من منافسيك قد تأثر، فدفعه هذا التأثر إلى خفض الأسعار أو تأجيل الدفع… فكسب ميزة تنافسية لا تستطيع أن تجاريه فيها، وهذا كله سيصيبك بالضرر..
طريق الذعر: وكذلك إذا تصرفت برعونة وانتابتك – كما حدث مع مئات الكيانات الأخرى- حمى تخفيض النفقات أو الاستغناء عن الموظفين أو إيقاف خطط التطوير (استغنت شركات التطوير العقاري في دبي عن حوالي 15 % من عمالتها في المتوسط خلال شهر نوفمبر، كما بلغت الوظائف التي خسرها سوق العمل الأمريكي خلال شهر نوفمبر حسب إحصائية وزارة العمل 530 ألف وظيفة وإذا استمر هذا المعدل فإن الوظائف التي وعد أوباما بتوفيرها في عام 2009 عليها أن ترتفع من 2.5 مليون وظيفة إلى أكثر من 6 مليون وظيفة، ولا أظن أحداً يستطيع).
إذا استمرت الكيانات في التفكير بهذه الطريقة فإن الخسارة ستكون كارثية، وعلى أصحاب العمل أن يفكروا بقدر أكبر من الروية، وعلى رجال الإعلام أن يتسموا بقدر أكبر من المسئولية… قرأت من أيام مقالة لتوماس فريدمان أسرف فيها في التشاؤم حتى أنه كتب أنه هم بأن يقوم إلى مجموعة من الشباب يأكلون في مطعم ويخاطبهم قائلاً: كلوا في بيوتكم فغدا لن تملكوا ثمن هذا العشاء، وقال لهم: اطلبوا من النادل أن يجمع لكم بقية الطعام، فغداً لن تجدوا في بيوتكم ما تأكلونه. إن أثر مثل هذه الرسائل كارثي، وإذا استجاب لها أصحاب الأعمال فخفضوا العمالة خوفاً من المستقبل فهذا يعني أنهم يقتلون أنفسهم بأنفسهم… ولو فكر صاحب العمل بهدوء لوجد أن ما سيقوم بتوفيره من رواتب العاملين خلال فترة الأزمة أقل بكثير من الخسارة التي ستتكبدها شركته بسبب انخفاض ولاء زملائهم، وسيضطر إلى دفع أضعاف أضعافها لاستعادة الكفاءات التي خسرها خلال الأزمة، وخسر ولاءها وخسر معرفتها التي تكونت عبر السنوات.
السلوك الرشيد لمعالجة الأزمة
إذن ما هو السلوك الرشيد في التعامل مع الأزمة؟
ليست هناك وصفة جاهزة… ولكن هناك مبادئ عامة، ونصائح عملية…
فيما يخص المبادئ، فإن القاعدة الذهبية هي: لا تتمادى في التجاهل، ولا تبالغ في التخوف. وتعامل بأكبر قدر من الحساسية والوعي وسرعة الاستجابة. وتخل عن كل أشكال الاسترخاء والترهل وتأجيل القرارات الحاسمة. هذا يجب أن يتم فوراً كوقاية أولية…. وبعد ذلك:
اصرف غاية جهدك وأنفق معظم وقتك في البحث عن طرق إبداعية للخروج من الأزمة ليس بأقل قدر من الخسائر، ولكن بأكبر قدر من المكاسب… وكما يقول هانيبال القائد العسكري المظفر: “ابحث عن طريق… فإذا لم تجد اصنع واحداً”.
ستوفر لك الأزمة غطاء جيداً لاتخاذ العديد من القرارات الصعبة والضرورية التي تأخرت أو تأثر اتخاذها ببعض المواقف العاطفية… كما ستوفر لك الأزمة جواً مهيئاً لطلب المزيد من الانضباط والجدية من موظفيك، وسترفع قدر الشعور بالمسئولية لديهم، وهو ما يعني تخليهم وبشكل فوري ونهائي عن كافة أشكال السلبية والتهاون والاستهتار والإسراف.
يقول الكاتب الإنجليزي ماكس ماكوين: “يا له من شيء مؤسف أن تأتينا فرصة عظيمة مثل الكساد.. ثم نضيعها”.