للدكتور حسن عبد العال كلية التربية جامعة طنطا
عام جديد على الأبواب نسأل الله أن يكون عام خير ورشد على مصر المحروسة ، وفى بداية كل عام تطالعنا الشاشات بوجوه من يطلق عليهم العرافون أو الوسطاء الروحانيون او قراء الطالع ، أولئك الذين يحاول كل منهم أن يظهر قدرته على التبصير والتنجيم . ورغم ما يحتويه رصيد الشعب المصرى من تدين إلا أن هناك لدى الكثيرين ولع بقراءة الطالع والرغبة فى معرفة ما يحمله المستقبل للأفراد والشعوب من بشائر الخير أو نذر الشر .
ولن أناقش هنا هذا الأمر من حيث الحل والحرمة فلذلك حديث آخر له متخصصون من علماء الدين يقولون فيه كلمة الفصل ، وإنما انا هنا ارصد الظاهرة ومدى انتشارها والوقوف على الفئات الأكثر ولعا بها وحرصا عليها ، واهتمام وسائل الإعلام بها بدافع أشغال الناس عن التفكير فى مشكلات حياتهم التى تتطلب الوقوف على الأسباب والمسببين .
والحق فإن الرغبة فى قراءة الطالع والتنبؤ بالغيب لا تخص شعبنا وحده ، بل لعلها تشمل كل شعوب الدنيا ، وأن اختلفت درجات الاهتمام بها ، وربما كان السبب فى اختلاف الاهتمام يعود إلى ثقافة الشعوب والتعليم ومدى التمسك بتعاليم الدين . ومن يستعرض ما تقدمه شبكات الإعلام العالمية بمناسبة العام الجديد يرى أن الظاهرة تكاد تكون عامة تشمل كل شعوب الدنيا .
ولقد قرأت أن حجم سوق التنبؤات فى الولايات المتحدة على سبيل المثال يقدر بحوالي 2 مليار دولار سنويا ، وفرنسا ارتفع إلى 3 مليار يورو ، فى ظل وجود مائة ألف عراف يزاول المهنة بشكل محترف ، وتلك مؤشرات تدل على انتشار الظاهرة ، ويرى البعض أن سبب انتشار ظاهرة قراءة الطالع والتنبؤ بالمستقبل هو قسوة الحياة وسرعة التغيرات الحياتية وما تصيب به الناس من القلق والتوتر والشعور بالوحدة ، مما يجعلهم يلهثون خلف كل أمر يطمئنهم ويزيل عن أنفسهم بواعث القلق على حاضرهم ومستقبل أيامهم ، وكلما تعقدت ظروف الحياة وازدادت قسوتها زاد اقبال الناس على قراءة طالعهم ومعرفة ما تخبئه الأيام لهم ومن ثم يلجأون إلى العرافين ، وقد زاد الإنترنت من سهولة الأمر .
ويبدو أن الولع بمعرفة الغيب – الذى من المفترض ان يؤمن أصحاب الديانات السماوية أنه لله وحده لا يطلع عليه احدا – هذا الولع يبدوبصورته الفجة عند المشاهير من الساسة والفنانين ورجال الأعمال .
ولقد قرأت فى تاريخ هذا الولع أن نابليون بونابرت كان يلجأ إلى عرافة خاصة هى الآنسة لونورمان ، الذى حكم عليها بالسجن مدى الحياة لأنها تنبأت بالمصير المؤسف لبعض وجوه الثورة الفرنسية مثل مارا ودانتى وروبسبيير . وكذلك الجنرال ديجول رغم ما كان يتمتع به من قوة ، ألا أنه اعتمد على عالم فلك على مدار عشرين عاما ، وأما الرئيس الفرنسى ميتران فقد قرأت عنه أنه كان يثق فى منجمة شهيرة هى اليزابيث تيسيه ، التى نشرت بعد وفاته عام 1996 بعض ما تبادلاه من رسائل تدل على استشارته لها هاتفيا خلال حرب الخليج فى عام 1991، لكى يعرف أفضل الأيام للمشاركة فى الحرب بما أنه مضطر لخوضها ، كما سألها عن الطالع الخاص بجورج بوش وهيلموت كول وصدام حسين خلال هذه الفترة . وكذلك فعل فرانكلين روزفلت خلال الحرب العالمية الثانية ، ومثله رونالد ريحان الذى تعرض خلال فترة ولايته للعديد من الفضائح ومحاولة الاغتيال التى تغلب عليه بمساعدة عرافة تعرف باسم جوان كيجلى كانت تعيش فى فرانسيسكو . وينطبق ذلك أيضا على فنانين مثل مارلين مونرو وجورج كلونى وغيرهما .
إن الخوف مما هو قادم هو بيزنس العرافين وقراء الطالع ومن العجيب ان يتحول اليوم بعضهم إلى مؤسسات كاملة تدار بأحدث الوسائل .