✍️ عمرو نبيل الفار
مجموعة من الحوادث المتفرقة وغير المرتبطة ببعضها البعض أثبتت قدرة الفرد على تحقيق تغيير في مجتمعه سواء بالإيجاب أو السلب كانت بدايتها مع حملة (#OscarSoWhite) ، ثم انتخابات الرئاسة الأمريكية ومن بعدها حملة( Me_too#) التي أطلقتها الممثلة الأمريكية “أليسا ميلانو” عام 2017 على خلفية فضائح هارفي وينشتاين الجنسية، لتشجيع النساء على الحديث عن حوادث الاعتداء والتحرش الجنسي التي يتعرضن لها في مجال العمل، وهي الحملة التي تطورت لاحقًا لتشمل حملات موازية طالبت بالمساواة بين الرجال والنساء في الأجور شاركت بها العديد من النجمات من العاملات بمجال صناعة السينما في هوليوود.
ولكن لماذا كل هذا الجدل حول الأوسكار؟
ربما كان الأمر مختلفًا بالنسبة لصناعة السينما الأمريكية، فاستوديوهات السينما في هوليوود لا تحصل على التقييم فقط من خلال ما تقدمه سنويًا من أفلام تحقق عائدات عالية في شباك التذاكر أو ما تلقاه من إشادات نقدية ولكن أيضًا بقدر ما تستطيع اقتناصه من جوائز أوسكار في الحفل السنوي المقام في فبراير من كل عام، فهذا يعني إشادة بما تقدمة من أعمال تساهم في رفع مستوى صناعة السينما الأمريكية.
فالفكرة في الأساس وراء أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة التي بدأها “لويس ماير” رئيس شركة جولدن ماير كانت من أجل تأسيس منظمة تتوسط في النزاعات العمالية بدون نقابات وتحسن صورة الصناعة، ونوقشت وقتها فكرة إنشاء نادى للنخبة يجري اختيار رئيسه بالانتخاب يُقيم اجتماعًا سنويًا لمناقشة كيفية سير الأعمال داخل المنظومة السينمائية وتناول المشاكل المتعلقة بالعمالة.
ومع مرور الوقت انتقلت الأكاديمية إلى أبعد من ذلك، وتشكلت لجنة من أجل تقديم جوائز استحقاق، ولكن لم تبدأ تلك اللجنة في إجراء مناقشات جادة حول هيكل الجوائز وحفل التقديم حتى عام 1928 عندما وافق مجلس الإدارة على قائمة تضم 12 جائزة يتم تقديمها، وتم تأسيس نظام التصويت للجوائز، وبدأت عملية الترشيح والاختيار، وهو ما نعرفه الآن باسم “جوائز الأوسكار”.
أكاديمية الأوسكار في النهاية جهة مسؤولة عن مراقبة وتحسين مستوى صناعة الأفلام الأمريكية، ولكن عندما لا تعود هذه الجهة تمثل العاملين فيها، أو تصبح الأفلام التي تنتج منفصلة عن واقع مجتمعها، المهدد أصلًا بتحولات اجتماعية تقضي على تنوعه الذي كان أحد أبرز أسباب نهضته، يتطلب الأمر تغييرًا جذريًا.
من أجل هذا كله اعتلت في عام 2016 رئيسة الأكاديمية في ذلك الوقت “شيرل بون إيزاك” المنصة، لإلقاء البيان المتعلق بتغيير سياسة الأكاديمية، والذي جاء بعد فشل الأكاديمية للعام الثاني على التوالي في تحقيق التنوع بين المرشحين لجوائز الأوسكار، وقد أعلنت أن “الأكاديمية ستتولى القيادة ولن تنتظر أن تمضي الصناعة قدمًا”.
أما إذا أردنا فهم نتائج التغييرات التي جرت عام 2016 والتي من شأنها تحقيق التنوع بين أعضاء الأكاديمية، ربما علينا في البداية التعرف على الطريقة التي يتم بها اختيار أعضاء الأكاديمية والآليات المتبعة في التصويت لاختيار الفائزين.
وللحصول على عضوية الأكاديمية، يجب أن يكون المرشح لنيل العضوية من النشطين في مجال صناعة السينما، ويجب أن يحصل على رعاية اثنين من أعضاء الأكاديمية يمثلون الفئة التي يعمل بها، ويحصل الفائزين والذين رشحوا سابقًا لجوائز الأوسكار تلقائيًا على عضوية الأكاديمية دون رعاة.
وقد اعتاد الأعضاء على التمتع بحقوق التصويت مدى الحياة، ولكن منذ التعديلات التي تمت عام 2016 اقتصرت حالة التصويت على 10 سنوات قابلة للتجديد لتجنب أعضاء لم يعودوا نشطين في مجال صناعة السينما، ولا تأتي حقوق التصويت مدى الحياة إلا بعد التجديد لثلاث فترات، وأولئك من غير النشطين يصبحون أعضاء فخريين ولا يمكنهم التصويت.
ووفقًا لتقرير نشره موقع هوليوود ريبورتر في فبراير الماضي، فإن نظام التصويت المعمول به حاليًا يُشار إليه باسم نظام “بطاقة الاقتراع التفضيلية”والهدف من ورائه هو التأكد من أن أفضل فيلم فائز هو الأكثر شعبية بين الأعضاء.
وقد ذكر الموقع أن نظام التصويت المعمول به حاليًا لاختيار الأفلام المرشحة لجائزة أفضل فيلم قد تم بدء العمل به بعد واقعة استبعاد فيلم فارس الظلام” لكريستوفر نولان” من الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار لعام 2009 واستبداله بفيلم آخر هو القارئ الذي تناول الهولوكوست ولعبت فيه كيت ونسليت دور البطولة.
لكن يبدو أن آليات التصويت تلك لم تكن كافية، ففي ظل أعضاء متوسط أعمارهم 63 عامًا أغلبهم من المتقاعدين أو غير النشطين في مجال صناعة السينما يُصبح من الصعب عليهم تقبل فكرة وجود فيلم مستوحى عن قصص مصورة (الكوميكس) بين الأفلام المرشحة لجوائز الأوسكار، وهو مُشابه لما حدث مع فيلم Selma في السنوات التالية.
من هنا بدأت الأكاديمية تتبنى سياسة التمييز الإيجابي من أجل تحقيق التنوع، حتى وإن كان ذلك سيعني منح الأقليات والملونين امتيازات أكبر لفترة من الوقت من أجل استعادة التوازن وتحقيق نوع من تكافؤ الفرص، يمكن الاستغناء عنه في المستقبل إذا تلاشت الأسباب التي آدت إلى وجوده.
والتمييز الإيجابي هي سياسة متبعة في المؤسسات الأمريكية بشكل عام وضعتها الحكومة لتحقيق نوع من تكافؤ الفرص لأولئك الذي تم اقصائهم لأسباب تاريخية على أساس العرق أو العقيدة أو اللون أو الأصل القومي، وهي عادة ما تتعلق بتكافؤ الفرص في التوظيف والتعليم، وقد تم تطبيقها بموجب أمر تنفيذي وقعه الرئيس “جون ف. كينيدي” عام 1961 بعد ضغط من حركة الحقوق المدنية، وقد اتسعت الدائرة عام 1965 في عهد الرئيس “جونسون” وتم إضافة فئة “الجنس” إلى قائمة الفئات المحمية ليشمل القرار النساء أيضًا.
وبعد ثلاث سنوات، ربما بدأت سياسة التنوع تترك أثرًا ملموسًا على أرض الواقع بداية من عام 2017، فقد شهد حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ89 فوز لأكثر من ثلاثة مرشحين من ذوي الأصول الأفريقية، إذ حصلت” فيولا ديفز” على جائزة أوسكار كأفضل ممثلة مساعدة عن دورها في فيلم “Fences”، بينما حصل “ماهرشالا” علي جائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم “Moonlight”، الذي تطرق لمشكلة بطله مثلي الجنس الذي ينتمي لمجتمع الأمريكيان من ذوي الأوصول الأفريقية، وقد فاز الفيلم بدوره بجائزة أفضل فيلم تسلمتها منتجته “ديدي جاردنر” .
ولكن هل هذا ما كانت تسعى إليه حملة #OscarSoWhite؟
تجيب عن هذا السؤال مطلقة الحملة “إبريل رين” من خلال مجموعة من التدوينات أطلقتها على موقع “تويتر” بعد الإعلان عن قائمة المرشحين لجوائز الأوسكار لعام 2018، قائلة أن الأغلبية تركز بلا مبرر على الأفلام التي تعكس تجربة أصحاب البشرة السمراء، بينما لم يكن ذلك هو هدف الحملة.
وقد أوضحت رين أن ترشيحات جوائز الأوسكار لعام 2018 كرمت بالفعل العديد من الرجال والنساء من ذوي الأصول الأفريقية، سواء أمام الكاميرا أو خلفها، من بينها ترشيحات للممثلين في أدوار رئيسية مثل “دينزل واشنطن” عن دوره في فيلم (Roman J. Israel, Esq) و”دانيال كالويا” عن دوره في فيلم (Get Out) الذي رُشح لجوائز أفضل فيلم وأفضل سيناريو أصلي وأفضل مخرج، ولكن في الوقت الذي يحتفي فيه أصحاب البشرة السمراء بجوائزهم فإن غيرهم من الملونين ما زالوا مضطرين للقتال من أجل الحصول على مكان لهم على الطاولة، وهو الحال أيضًا مع النساء من العاملات بمجال صناعة السينما اللاتي غبن عن ترشيحات الأفلام بخلاف القائمتين النوعيتين لأفضل ممثلة وأفضل ممثلة مساعدة، وهو ما جعل “رين” تُصرح في النهاية أن الطريق مازال طويلاً.
ويبدو أن مشكلة تمثيل المرأة في جوائز الأوسكار ما زالت قائمة للعام الحالي، إذ أشار المركز النسائي للإعلام في الولايات المتحدة إلى أن 75٪ من المرشحين لجوائز في
فئات غير التمثيل هم من الرجال، وقد تم استبعاد العديد من صانعات الأفلام عن الجوائز في فئات مثل أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل تصوير سينمائي وأفضل مونتاج سينمائي وأفضل سيناريو أصلي/مقتبس، وقد نوه المركز إلى أن فوز النساء بالجوائز لا يعني بالضرورة حصولهن على فرص عمل مساوية للرجال في مجال صناعة السينما.
ولكن من ناحية إيجابية شملت جوائز الأوسكار هذا العام الملونيين والمهاجريين أيضًا، فحصل المخرج المكسيكي “ألفونسو كوارون” على جائزة أفضل مخرج وأفضل مدير تصوير عن فيلمه( Roma) الذي نال جائزة أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية أيضًا، وكذلك ذهبت جائزة الأوسكار أفضل فيلم لصناع فيلم( Green Book) الذي تناول قصة رجلين من عرقين مختلفين جمعتهما رحلة في الجنوب الأمريكي فترة التعصب العرقي في الستينات.