بقلم الأديب:احمد عـفيفي
– مصر –
إنتفض على ارتجافة ضيفه الراقد إلى جواره, رآه كمن لدغه عقربٌ
مسح جبهته المعروقة وأسقاه ماءاً بارداً, ثم سأله:ماذا بك؟,صمت الضيف برهةً ثم قال
فى شرود:رأيتنى مُمدداً بلا حراكٍ , وناسٌ كثرُ يلتفون حول جثتى, وامرأةٌ أعرفها تماماً, تنظر إلىّ بازدراء, وتفتح حقيبة يدها وتُخرج علبة سجائرها وتشعل سيجارة, وتنفث دخانها بقوةِِ وارتياح,ثم ينصرف الناس,والمرأة,ويظهر شبحٌ يدنو منى ,كان يُشبهنى تماماً,عاودتُ النظر,رأيت الناس يعودون ويركلون جثتى وينغزونها بالعصى ويبصقون عليها, أولئك الذين لم أرهم البتّة إبّان حياتى
*كانت قارئة الكفً أُخبرتني أنى سأموت فجر ليلة شمً النسيم هذه ,ولم أُصدقها,قمت بغسل يدى بالكحول جيداً وعدت إليها لتقرأ كفًي ثانية ,ففعلت وأكدت نفس النبوءة
كنت أُخمّنُ أن مجهولين يبحثون عنى فى رؤوسهم,ولكن كيف عرفوا بميعاد موتي؟
عاد الذى يشبهنى, واقتحم جثتى ودخلنى , وانتصب بى واقفاً,وكان الفاصل بيننا لا يكفي لمرور ثعبانٌ صغيرٌ جداً, ونحيل,كان بيننا,أمّا خلفنا,فكان الآلافٌ من الثعابين الشرهه, والجرذان السمينة البطيئة الحركة,وكانت هِرةُ سوداءٌ من ذوات الأعين المضيئة, تلاحقنى, تلحس ما تبقى من ظلًى(آهِِ أيها اللحدُ المُسمّى -زوجتى-, حتى الهوام لم يرُقها صُحبتى, وأنتِ ما زلتِ لصقى ,تنفثين فحيحاً منتظماً كأفعى مستقرة)
(مرحى-ماجده- حتى وأنا أتهاوى , تلوحين بقدِّك الرشيق,وفتنتكِ الخالدة,تميلين علىّ كعلامة إستفهام, تسألين:لماذا استطعت أتنفس حتى الآن؟,كثيراً ما تسللتُ فى محاولات يائسةِِ للهروب,فيهرب مني النهار,مخلفاً لى الغبار فأختنق,أصرخ,أجوع ,آكل عظام حروفى,أظمأ,أشرب نحيبى الداخلى,آهِِ -ماجده- ,كان لابُدّ للخريفىّ أن يتكأ على غير خريفية؟,ولابُد من وسيلةٍ للحدِّ من زحف التجاعيد فى القلب والروح , تأخذين علىّ بساطتى, ومع هذا تميلين علىّ بين الحين والآخر ,تذكرينى بأن شيئاً منّكِ ترعرع فيً, وأنى مازلت مُعوزّاً لصوتك الحنون, وبسمتك الخرافية,ورغم وجودى كنصف حىّ ,مازلتُ أتحرّك, وأبعث بمخطوطاتى إلى أصدقائى المنافقين, وأعجبُ أن بصرى مازال مُمتثلاً للرؤية)
(تباً لك – قارئة الكفً-,كنت أودُ قبل موتى أن أهمس فى أذن -شهاب- كلب جارى المرعب والغضوب:بأن -فجر الليلة, هو الأخير فى تجربتى الحياتية,لكنى أخشى ردود أفعاله, إذ رُبما -بحركةِِ شهابيةِِ- واحدة, تحدث مذبحة , هكذا الحارة هُنا غنيةً بالكلاب الشهابية,مازلتُ مُنتظرا نهايتى,وأنا أستعرض سيرتى الوارفة:حيوات كثيرة وكئيبة لم تخذلنى اللهجةُ فى رصد كبواتها,ورغم هذا, أكون أكثرحُزناً وانفعالاً حين أرى الخُبزَ نيّئاً, أومحروقاً,وحين أرى الماء عكراً,والوجوهُ شاحبةً,ومستكينة
يا لشُحّ القدر,هناك الكثير مما كان ينبغى عمله,كرغبتى-مثلاً- أن أحب -طوعاً- من يكرهنى, ومن يُدلل نفسه فى روحى -عُنوةً- ومن يمزّق طائرة حفيدى الورقية, آهٍ من يأتنى بما نسيته داخلى؟,لكن لماذا شقشق الفجر ولم أمُت حتى الآن؟ماذا يحدث؟,معذرة مضيّفى الكريم,أثقلتُ عليك..لكن لماذا تلكِزُنى وتشير للنافذة؟ ما هذا الضوء؟
قال مُضيًفه:إنه عصر الثلاثاء ياصديقي,مرحباً بعودتك للأحياء@
****************************