بقلم الأديب المصـــرى
د. طــارق رضـــوان جمعــة عقـــــل
بحسب الفطرة البشرية الأخ في البيت لا يشتهي أخته، والأب في البيت لا يشتهي ابنته، أما لو تبنى رجل فتاةً صغيرة، وكبرت هذه الفتاة، فهي عند صاحب البيت مشتهاة .
لو تبنى رجلٌ طفلاً صغيراً، ثم شب هذا الطفل، وفي البيت فتاةٌ في ريعان الصبا، ربما وقعت الفاحشة داخل البيت, دون أن يعلم أحد، لأن الطفل المتبنى، أو الطفلة المتبنَّاة، إذا شبَّت، وكبُرت، وأينعت، ليست من أحد أفراد الأسرة, إنها امرأةٌ غريبة، وإن هذا الابن شابٌ غريب، ربما وقعت الفاحشة في البيت .لذلك أراد الله جل جلاله ، أن يبطل عادةً جاهليةً هي عادة التبني.
تبنى الأطفال يعد أحد القضايا الشائكة التي يتداولها الناس ،والكثير منا يتحدث في هذه القضية ومشروعيتها من عدمه دون الإطلاع علي رأى الشرع والقانون.
هناك فرقاً بين التبني والكفالة، فالكفالة تكون لطفل معلوم النسب أو مجهول النسب وتربيته دون أن ينسبه له فهذه كفالة، وهذا جائز شرعًا وحلال ومن يفعلها يأخذ أجر وثواب عظيم.
أما التبني هو أن ينسب الإنسان الطفل لنفسه، فهذا لا يجوز وحرام شرعًا، والله سبحانه وتعالى يقول: “وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ”، ويقول أيضًا: ” ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ”. فمسؤوليات الكفالة في الإسلام هي كل مسؤوليات وواجبات التبني عدا ما منعه الإسلام من تغيير الأنساب وما يترتب على ذلك من الآثار.
الإسلام حثَّ على كفالة اليتيم وتربيته والإحسان إليه والقيام بأمره ومصالحه، حتى جعل النبي – صلى الله عليه وآله وسلم- كافل اليتيم معه في الجنة فقال: «وَأَنَا وَكَافِلُ اليَتِيمِ فِي الجَنَّةِ هَكَذَا» وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالوُسْطَى، وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، رواه البخاري.
والبعض يرى أن تحريم التبني معناه تحريم الأسرة البديلة، والكثير من الناس لديهم عدم فهم لقضية تحريم التبني. في القرن الـ 19 لم يكن هناك دور إيواء، ولم يكن هناك دور أيتام ولم تظهر أطفال الشوارع، لكن بعد الحرب العالمية الثانية بدأت تظهر دور الأيتام. ولا بد أن يفهم الفرق بين التبني المحرم شرعا وبني الأسرة البديلة التي تحوي اليتيم والمقبولة شرعا.
مــا هــى أهم شروط تبنى الأطفال بمصر
1) التأكد من عدم استغلال الطفل في أى عمل كان وتربيتة تربية كريمة.
2) أن يكون الأب والأم والزوجة مصريان وأن لا يكون لديهم اكثر من طفلين، وذلك لضمان كون هذه الأسرة صالحة لتربية طفل آخر وقادرة علي تحمل نفقات ذلك الأمر.
3) يجب ان تكون الأسرة متعلمة ذات سمعة خالية من الشوائب والفضائح العامة ، وذلك لضمان أن يعيش الطفل حياة كريمة وسط بيئة سليمة .
4) يجب أن لا يقل سن الطفل المتبنى عن عاميين حتى يمكن نقله الى اسرة أخرى وفى بيئة مختلفة وجديدة.
التبنى والفراعنــة:
جدير بالذكر أن الدراسة، الصادرة عن مركز الأقصر للدراسات والحوار والتنمية، بحزب الشعب الجمهورى أفادت بأن قدماء المصريين عرفوا تبني الأطفال قبل آلاف السنين، وأن الزوجين العقيمين كان بإمكانهما اللجوء إلى التبني لتعويض عجزهما عن الإنجاب. كما كان إنجاب ما بين 10 و15 طفلاً، هو سبب للتفاخر بين العائلات، وأن الملك رمسيس الثاني، كان مثار إعجاب لشعبه لأنه أنجب مئة من الذكور وخمسين من الإناث.
وعرف القدماء ما يعرف اليوم في مصر بـ”تنظيم الأسرة .” كان هناك وصفات شعبية لمنع الحمل ، مثل تناول الزوجات لألياف نباتية مغلفة بخليط من اللبن الرائب والعسل، وملح النطرون وروث التماسيح”، ووصفة أخرى عبارة عن قطن مغموس في “لحاء النخيل والسنط، بجانب الحامض” أو “الحمض اللبني”، الذي كان يعمل كمادة فعالة لقتل الحيوانات المنوية.
التبنى والسيـنمـا:
السينما المصرية لم تكن بمنأىً عن هذه الظاهرة، فقد كان لها دورا كبيرا في إلقاء الضوء عليها منذ عشرات السنين، حيث أُرّخت ظاهرة اختطاف الأطفال عبر عدد لا بأس به من الأفلام، مصحوبة بمعالجة وتحليل لأسباب الخطف التي تنوعت من فيلم لآخر، ما بين الخطف للاستخدام في التسول أو التبني أو طلب الفدية، أو لأغراض تجارة الأعضاء. فنذكر فيلم فيلم جعلوني مجرمًا “1954” و فيلم الغجرية “1960” حيث كانت تتم سرقة الصغار في المهد على أن يعيدهم مقابل فدية أو يبيعهم إلى من يرغب في تبنيهم.
ويعتبر فيلم آخر الرجال المحترمين “1984” سابقةً من نوعه، حيث تمكن من تغيير الصورة النمطية المنتشرة لدى الجميع عن خاطفي الأطفال وعن دوافعهم، وجمع بين شخصيتين من طبقتين اجتماعيتين مختلفتين تمامًا، ليخرج الخاطف من صورة المجرم أو المتشرد أو متحجر القلب، إلى صورة السيدة ميسورة الحال ابنة الطبقة الاجتماعية العليا، التي انفطر قلبها بعد فقدانها ابنتها لتصاب بخلل نفسي جعلها تتعلق بأطفال غرباء.
التبنى و المسيحية:
التبنى لا تحرمه المسيحية وهو حق إنسانى للأقباط لا يمكن لأحد منازعتهم فيه ، بل هو واجب مسيحى قبل ان يكون حقاً . فهو يجمع الطفل المحروم من دفء الأسرة مع عائلة محرومة من نعمة الإنجاب ، وبذلك يتخلص الطرفان من ألم اليتم والعقم فى لحظة واحدة بمعادلة إنسانية رائعة تفيد الجميع.
بل حتى بعض عائلات العالم المتقدم التى لديها اطفال تقوم بتبنى اطفال من العالم الثالث بمختلف أعراقهم واجناسهم لإنتشالهم مما هم فيه من بؤس ، على الرغم من عدم حاجتهم للأطفال بل إنطلاقاً من العطاء الإنسانى والتعبير العملى عن المحبة والرحمة. وما يدين به الاقباط فى هذا المقام هو لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس التى تبيح التبنى وتنظمه. والتى بنيت على الحق الكتابى القائل :
“طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ ” عظة السيد المسيح على الجبل إنجيل متى الأصحاح الخامس أية 7.
وأخيراً فقد ورد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وآله وسلم-: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ -وَأَحْسِبُهُ قَالَ- وكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ»، متفق عليه.