وفي اليوم الثاني وجدت شقيقي الأكبر وصاحب السوء و شقيقي الثاني فوق رأسي، ولم أرى أو أسمع شيء بعدها من الضرب والركلات، فتحت جراحي مرة ثانية، واشتد الألم في ساقي وساعدي، وشعرت بنفس الآلام عندما كسرت، بل أعمق منه جذبني شقيقي الأكبر كأنني بهيمة بل أقل منها، فالبهيمة يمكنها أن تقاوم أو تعترض أما أنا كنت كدمية أو كقطعة قماش في يديه يجرني ويقذفني في كل اتجاه وكيفما شاء أشطح اتجاه القذف دون أي اعتراض مسلوب الإرادة لا حول ولا قوة لي،
كل ما يدور في عقلي
– لماذا كل هذا ؟!
وعوضًا أن أمد يد الدفاع المكسور خاطرها كنت أفكر وأعصر نفسي لمعرفة لماذا يعاقبني ؟!
ويتردد في صداها
-أنا لم أقترف أي مكروه، أو يصدر مني همس صوت بسوءٍ لأحد.
أجاب شقيقي الأكبر على تساؤلات هواجسي
قائلا :-
ـ أنت أتيت إلى مكان عمل شقيقك كي تفضحه وجرني إلى الدار في القرية وبعد أن سرق النوم الجميع ومن استطاع منهم قطع يد السارق أغمض ضميره وسمع عينيه عن عمد كرر شقيقي الأكبر نفس الطلب
قائلا:-
-لا أريد أن تراك عيني بعد اليوم، أهرب من قضائي وقدرك معي، أهرب مما أعددت لك، لن أبق فيك عضو يمكنك أن تُعْرَفْ به.
خرجت هذه المرة، الطريق مظلم كظلم وبطش شقيقي الأكبر، الدموع تسبق خطواتي ، مرة كمرارة اليتم أجففها بساعدي المهزوم ونفسي المهدمة فتنهمر من أنفي وفمي، دم جراحي فوق أثري على درب حياتي، ما أقسى شيطان شقيقي الأكبر، أبصرت بصيص خطوات نور يقترب مني، إنه أبي أزر جارنا في القرية ربت عليَّ وألقي الطمأنينة فيَّ، أن الخير مازال موجود في هذا العالم،
أخذ بيدي إلى أخيه صاحب مطعم في المدينة، عملت عنده بذراعي المكسور وساقي المهزومة بستة جنيهات، وفي أخر اليوم الثاني نادى عليَّ وأجلسني قائلاً:-
-بني منذ أن تركت مسقط رأسي وأتيت إلى المدينة بعد ما وقفت لإخواني على أخذ ميراثي من والدي بالسلاح والنواح، وأغلقت باب العودة ورائي بلا رجعة بل هدمته وردمت مكانه زبر حديد العناد، واشعلت ونفخت فيه، ووضعت عليه قطر الخصام والقطيعة حتى لا يستطيع أحد أن ينقبه في يوم من الأيام، ولم أدرك أن الشخص دون أهله عاري، وأن المعيشة دونهم عار، ولو عاش في قصور مشيدة،
ومع الأيام سقط البرقع عن وجه قراري وعَرِفت الْقَاصِي وَالدَّانِي أنه قرار الزوجة وأصبح يضرب بيّ المثل في كل مكان “زوج الست” ما أضعفنا أمام كيدهن وخاصة عندما يسيل لعاب رغبة الشباب عليهن ويتملكن من هوى قلوبنا، بعتُ أهلي وجذوري وأتيت إلى المدينة لعلي أجد لها علاج، فلم أترك باب عيادة طبيب كبير كان أم صغير إلا وطرقته، ولم أسمع عن شيخ أو ساحر إلا وضربت الأرض إليه وقصدته، ولا وصفة حكيم أو لئيم إلا نفذتها، لعلي أجد لأنينها علاج أو مسكن، ولم أكن أعلم أن المرأة الأنانة ليس لها علاج، ولا تصلح أن تكون زوجة أو أم، علمت ذلك بعد أن سرق العمر مني وبلغت من العمر أرذله، والآن أنام نوم الكلاب الضالة في أي ركن أو زاوية أصارع أفكار الليل وظلمته وأقتل نفسي قبل أن أقتلها كل ليلة مئات المرات، لكن ما يمنعني إلا أبنائي الصغار بعد أن رزقني الله إياهم على كبر، أتمسك بالحياة من أجلهم، حتى أخذت هذا المطعم، بني ترى بعين نفسك والوضع لا يحتاج إلا لعين ترى وأذن تسمع ، المطعم أعمل فيه وأولادي ولا يتحملنا ولا يوجد باب رزق أدقه سواه، نقتات من لحمه الحي أو من فتافيت مكسبه، يحملنا ويسير بنا ومن فوقنا تسير الأيام بخطوات متطلباتها الثقيلة ومن شروق الشمس أنتظر الغروب بفارغ الصبر، فالليل رغم صرعات أفكاره يسترنا، وإن كانت تتثلج فيه أجسادنا ومشاعري، أقضي ليلي أغمض عيني عن عمد، أعض على نفسي وهي تعوي بداخلي، وتدق جمجمة فكر رأسي، وضيق سعة اليد حظنا في هذه الدنيا، ونحمد الله على كل حال، فالخير منه والشر من أنفسنا، وكل شيء في المدينة بثمن، ولم يبقِ إلا أن أدفع ثمن ذرات الأكسجين التي في شهيقنا من دخان هواء المدينة الملوث، وحين أتى بك أبيك أزر إلى هنا منعني الخجل أن أرد سؤاله وأكسر خاطره برفضي عملك معنا في المحل، وإكرامًا لأبيك أزر، ولكي ترى بعين حالك،
بنى التمس لي العذر ابحث عن مكان آخر، وأعمل فيه، وأعطاني أجري، وتركني..
ما زلت أكتب لكم
وسأظل بإذن الله أكتب لكم
دمتم بخير أحبتي
سياده/سقراطة