بقلـــم الأديــب المصـــرى
د. طـارق رضــوان جمعــة عقــل
بالأمس القريب ذكرت أننى لست ممن يُثيرون الفتن ولست ممن يهاجمون التطور . فلا إعتناق سياسة الصوت العالى ولا إثارة القَلاقِل تفيد فى بناء مجتمع. فمجتمعنا المصرى مجتمع عامل نشيط يسعى للبناء وإستكمال حضارة أجداد نشروا العلم والحضارة، لكن غاية ما أصبو إليه من مقالى وكتاباتى هى دعوة إلى النظام. فالنظام أساس النجاح. والتنسيق بين الهيئات المعنية بإقامة مشروع ما ليس ترفيه بل ضرورة ملحة، وإلا فارتقب كم هائل من الكوارث والويلات نحن فى غنى عنها.
كنا نحزن عندما نرى مقبرة العبقري الراحل الموسيقار محمد القصبجي تعتليها القمامة، تذكرنا إبداعه في «رق الحبيب» و«قلبي دليلي» وتذكرنا أم كلثوم التي ساهم في خلق نجوميتها، ومن قبلها منيرة المهدية، وعطاؤه الغزير لأسمهان وليلي مراد. وأيضا تجد مدفن الفنان الراحل فريد الأطرش مع شقيقته الراحلة أسمهان وهو المدفن الوحيد اللافت للأنظار في حجمه ومكانته فهو علي ناصيتين وعندما سألنا سبب الاهتمام بهذه المقبرة كانت الإجابة أنها مزار سياحي للعرب والأجانب، تجلب الخير لكل من يقوم بالخدمة في هذه المقبرة، ولا يزورها مصريون لكن روادها من السوريين والتونسيين وبعض العرب الذين يأتون ليسألوا عنها بالاسم. وعلي بعد أمتار قليلة وخلف مقبرة أم كلثوم مقبرة الفنان الراحل أنور وجدي أغني نجوم عصره، مقبرة شديدة التواضع مليئة بالورود الجافة التي تعني أنه لا يدخلها أحد. والكثير من المشاهير تجدهم فى مقابر الغفير. وسط الحديث المتداول عن هدم المقابر الأثرية للماليك، تناثرت أنباء أيضًا عن إزالة مقبرة النجم الراحل فؤاد بسبب محور الفردوس. من جانبه، كشف “محمد” نجل الفنان فؤاد المهندس، حقيقة الأمر إن ما حدث هو إستقطاع 8 أمتار فقط من المقبرة، من أجل بناء الكوبري”.
فبالأمس تم إزالة عدد من مقابر الغفير لإنشاء محور الفردوس. فهذا شىء جيد ولكن أين هذا من إحترام الموتى وأين هذا من حق الأحياء الذين يسكنون هذه الأحواش والمقابر؟!!فالأهالى يؤكدون أن لا أحد قام بإبلاغهم بهذا الهدم المفاجىء، والبعض قال أنه تم إبلاغهم قبل الهدم بيوم واحد فقط. بينما أكد الدكتور محمود نصار، رئيس الجهاز المركزي للتعمير، أنه لا صحة لما يتردد أن إبلاغ أهالي موتى بعض المقابر التي تم إزالتها لإنشاء محور الفردوس يتم فجأة وعبر “التربي”، موضحًا أن الأمر خضع لدراسة دقيقة بدأت منذ دراسة تدشين المحور وحدد على أساسه عدد المقابر التي ستزال وتم إبلاغ ذوي الموتى بذلك وبكل الإجراءات.
وأكد رئيس الجهاز المركزي للتعمير، برنامج “القاهرة الآن”مع الإعلامية لميس الحديدي، أنه تم إصدار تعليمات برفع رفات الموتى قبل عملية الهدم ولم تلقَ في العراء كما ردد البعض، ورغم ذلك لم يتم إزالة غرف الدفن في كافة المقابر بل تم إزالة بعض الغرف الخارجية في الاحواش، ومن أخلى مقبرته تم تعويضه، عبر إدارة الجبانات بمقابر تعويضية مجهزة فورا للنقل.
فى الوقت ذاته طالب عدد من سكان مقابر الغفير بضرورة توفير سكن بديل لهم وحياة كريمة بعد إزالة جزء من الجبانات التى يقيمون بها وذلك ضمن أعمال التطوير التى تشهدها القاهرة وتحديدا إقامة محور الفردوس.
ويقول الأستاذ عادل فهمي، من سكان المنطقة : “تسبب الهدم في تبعثر العفش وقطع المياه والكهرباء واضطررت لنقله إلى الشارع حيث لا يوجد مكان،إحنا ناس محترمين ومش مشردين كما يتهمنا البعض وأولادنا في التعليم العالى وشهادات، داعيا إلى ضرورة قيام الدولة بتوفير سكن للأسر المضارة وعددهم لا يتجاوز 20 أسرة فى شارع الغفير حيث كانوا يسكنون الأحواش المطلة على الشارع منذ أكثر من 50 عاما.
الغريب فى الموضوع هو ما أنكرته وزارة الأثار المصرية وأكده المواطن ا لمصرى صلاح السعيد، من السكان قائلاً: أقيم داخل ترب الغفير من 50 سنة، ولدينا مقابر تاريخية وأثرية مر عليها 100 سنة وأكثر، والمدافن بها رسومات فرعونية تم الاستعانة بها من الأقصر ونقوش مميزة لا توجد في أي مكان، داعيا إلى ضرورة الحفاظ على ما تبقى من تلك المقابر فهى تاريخ وتضم رموز.
وأشار السكان إلى أن نواب البرلمان قبل كل إنتخابات يزورنا ويقدموا لنا الوعود البراقة لإنتشالنا مما نحن فيه، وبعد الحصول على أصواتنا لا نجد من يسأل عنا، وليس لنا باب نلجأ إليه سوى رب العباد ورئيس البلاد بأن يجد لنا حلا نريد سكنا لائقا يحمينا من قسوة الأيام.
ولكن هنا ما يثير الدهشة، حيث منازل المشاهير الأثرية، التى صارت تاريخ آيل للسقوط بسبب الباعة جائلون.. أكوام القمامة.. الحيوانات الضالة، باتت مصادر تهديد منازل المشاهير الأثرية والتاريخية فى مختلف المحافظات بعد أن طالتها يد الإهمال، نظراً لعدم إدراجها ضمن المبانى الأثرية، أو لنقص الاعتمادات المالية اللازمة لإعادة ترميمها فباتت أماكن مهجورة، وصارت مطمعاً لسماسرة العقارات.
ونشرت جريدة “الوطن” ما يتعلق بقصر رفاعة الطهطاوى الذى هجره الأحفاد، والباعة الجائلون يغلقون أبوابه. وقال محمود إسماعيل ،أحد سكان المنطقة القريبة من القصر، أن القصر يضم مكتبة بها كتب نادرة ومخطوطات، وهى تابعة لوزارة الثقافة، ولكنها غير مفتوحة للجمهور، مؤكداً أن جميع التجديدات التى تمت فى القصر والمكتبة كانت على نفقة أبناء رفاعة الطهطاوى: «لا يعرف أحد متى تم بناؤه تحديداً، فهناك روايات تقول إن «رفاعة» شيده بعد أن تم تعيينه ناظراً لمدرسة الألسن، ومنهم من يقول إنه تم بناؤه عقب عودته من فرنسا، حيث كان المبنى عبارة عن منزل قديم وتم هدمه وبناء القصر مكانه».
وبالمثل الإهمال يضرب منزل “المناديلى”،تاريخ رشيد،فقد استشعر أهل رشيد الأمل فى قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى مؤتمر الشباب بالإسكندرية، الخاص بالإهتمام برشيد وتحويلها إلى منطقة سياحية مفتوحة، وإعادة عصرها السياحى الذهبى مرة أخرى.
خطوات قليلة قطعتها الدولة على طريق تنفيذ تلك المهمة الوطنية، إلا أن الدور لم يصب المنازل الأثرية الشهيرة برشيد، وبات ٢٢ منزلاً أثرياً يرجع تاريخ بنائها إلى القرن ١٨، مجرد أطلال تؤوى الحيوانات الضالة، دون أن تفلح محاولات إعادة التأهيل لكثير من المنازل الأثرية الشهيرة، فمنها ما تحول إلى جدران لا تعبر عن قيمتها الأثرية، ومنها ما اختفى تحت الأرض تماماً، وطُمست معالمه.
من المفارقات العجيبة أن تكون هناك توجيهات للقيادات التنفيذية خلال مؤتمر الشباب، العام الماضى، بالاهتمام بآثار رشيد الإسلامية وترميمها، ولا نرى أى جديد على أرض الواقع.
ونترك هذه المأساه لنعيش مع كارثة أخرى سببها عدم التخطيط والنظام والتنسيق بين الأطراف المعنية وهى ما كشفته”القومية للأنفاق” من حقيقة حدوث إنهيار بعمارة الزمالك بسبب أعمال حفر المترو.وأضافت الهيئة إلى أنه تم إخلاء السكان من العقار المذكور وتم تعويضهم ماليًا للإقامة البديلة، لحين الانتهاء من كافة الإجراءات والدراسات والأعمال الهندسية ولحين عودتهم إلى العقار مرة أخرى، مؤكدة أن كل ما حدث هو هبوط بسيط في أحد أركان العمارة، وهبوط في الساحة الأمامية والسور الخارجي لسفارة دولة البحرين.
أفادت صحيفة “أخبار الخليج” البحرينية، أنه تم إخلاء مبنى سفارة مملكة البحربن، بمنطقة الزمالك في القاهرة، بسبب هبوط مفاجئ في مدخل المبني وتصدع عمارة “الشربتلي” المجاورة لها وإخلائها من سكانها نتيجة أعمال الحفر في مترو الأنفاق.وانتقل سفير مملكة البحرين، هشام بن محمد الجودر، إلى منزله القريب من مبنى السفارة، ليواصل عمله من هناك، كما انتقل موظفو السفارة إلى منازلهم.وقام اللواء خالد عبد العال، محافظ القاهرة، بتفقد هبوط مدخل السفارة، والميل الحادث بعمارة الشربتلي حيث تم إخلاء العقار بالكامل من السكان حرصًا على سلامتهم.