لواء دكتور/ سمير فرج
متابعة عادل شلبى تسارعت وتيرة الأحداث السياسية، والعسكرية، على الاتجاه الاستراتيجي الغربي، على حدودنا الغربية مع ليبيا، مؤخراً، لتتغير معها الحسابات، والتقديرات؛ فها هو وزير الدفاع التركي، ورئيس أركانه، في زيارة لطرابلس، لتفقد قواتهم بها، يعقبها، بأيام، زيارة وزير الدفاع التركي لقطر، ولقاءه الأمير تميم، ولا عجب أن تقوم قطر، في نفس الأسبوع، بتجنيد مرتزقة من الصومال، ودفعهم إلى طرابلس. وعلى المستوى الأوروبي، يجتمع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، لبحث التهديد التركي للأمن القومي في البحر المتوسط، ودول جنوب أوروبا، المتمثل في التدخل التركي بليبيا، بدعم حكومة فايز السراج بالمعدات العسكرية، ونقل المرتزقة من شمال سوريا إلى طرابلس، إضافة لتدريبهم، في معسكرات كلية الشرطة بطرابلس، لتبدأ، حكومة السراج، بالتصعيد، ودفع ميليشياتها المسلحة من مصراته للهجوم على سرت، تحت غطاء إعلامي، مُدبر، في محاولة لإرهاب قوات الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر.
وعلى المستوى السياسي وبعد تصريح الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن سرت – الجفرة هو خط أحمر، لن تسمح مصر لميليشيات المرتزقة والإرهابيين باختراقه، حضر رئيس البرلمان الليبي، المنتخب، عقيلة صالح، ليطلب من البرلمان المصري السماح للجيش المصري بحفظ الاستقرار الليبي، ووحدة الأراضي الليبية، في مواجهة النفوذ التركي. أعقبها زيارة رؤساء القبائل الليبية لمصر، ولقاءهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وطلبهم ضرورة تدخل الجيش المصري، للقضاء على المليشيات والمرتزقة والفصائل التابعة لحكومة الوفاق، المدعومة من تركيا. وهو ما رد عليه إردوغان، عقب صلاة الجمعة، الماضية، بتصريحه أن التدخلات المصرية في الشأن الليبي غير شرعية، مضيفاً أن موقف الإمارات العربية هو قرصنة، ومستطرد بأن “بلاده ستواصل تحمل المسؤولية وأنها لن تترك الأشقاء الليبيين وحدهم” على حد قوله!
في المقابل، وبعيداً عن الثرثارات الدعائية، اجتمع البرلمان المصري، وقرر بالإجماع الموافقة على إرسال قوات مصرية، بمهام قتالية، خارج الحدود، للدفاع عن الأمن القومي المصري، بالاتجاه الاستراتيجي الغربي، والتصدي لأعمال المليشيات الإرهابية المسلحة، مؤكداً أن القوات المسلحة المصرية، وقيادتها، لديها الرخصة الدستورية، والقانونية، لتحديد زمان، ومكان الرد، على هذه الأخطار، والتهديدات. وهنا تساءل عموم الناس، عما إذا كان ذلك يعني أن شبح الحرب يدق على الأبواب؟ وهل ستشتعل الأجواء في الصحراء الليبية؟ فرأيت أن أسعى في الإجابة على تلك التساؤلات، بطرح بعض السيناريوهات، والبدائل، المحتملة، من وجهة نظري.
السيناريو الأول، يذهب لاحتمالية توقف العمليات العسكرية بين مليشيات ومرتزقة حكومة السراج، المدعومة من تركيا، وبين قوات الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير حفتر، والإبقاء على قوات التحالف في مصراته، وعدم التقدم باتجاه سرت، وهو ما ستعمل تركيا على عدم تحقيقه، لتعارضه مع مصالحها، بالوصول إلى سرت، للسيطرة على حقول النفط الليبية. كما أن هذا السيناريو غير ملائم لحكومة السراج، التي تسعى للاستفادة مما حققته من تقدم، للسيطرة على مقدرات الشعب الليبي، بدعم تركي، متمثل في إمدادها بالمرتزقة من شمال سوريا، والصومال، وباستغلال القواعد العسكرية التي أقامتها تركيا بليبيا، إحداهما جوية في الوطية، والأخرى بحرية في مصراته.
لم تحظ احتمالية تنفيذ ذلك السيناريو بنسبة تتجاوز 10%، حتى يوم الاثنين الماضي، الذي أحدث انقلاباً في الموازين، بعد اتصال الرئيسين السيسي وترامب، واتفاقهما على تثبيت وقف إطلاق النار، وضرورة التزام الطرفان بموقعهم على الأرض، مع البدء في تفعيل الحوار، والحلول، السياسية، تحت إشراف الأمم المتحدة. أعقب ذلك اتصال بين الرئيس الفرنسي ماكرون، أنشط أعضاء الاتحاد الأوروبي المطالبين بوقف التدخل التركي في ليبيا، مع الرئيس ترامب، اتفقا فيه على نفس البنود المتفق عليها مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتصل، بذلك، احتمالية تنفيذ السيناريو الأول إلى 70%، استناداً على الخبرات السابقة في تعامل إردوغان مع القوى الكبرى، مثلما حدث من قبل، عندما قضت المحاكم التركية بحبس القس الأمريكي برونسون لأكثر من 32 عاماً، إلا أنه تم الإفراج عنه، فوراً، واستقبله الرئيس الأمريكي في البيت الأبيض، عقب تلويحه بفرض عقوبات على تركيا. ومرة أخرى، بعدما قررت الولايات المتحدة سحب قواتها من شمال سوريا، أعلن إردوغان خطته العسكرية للاستيلاء على شمال سوريا، بالكامل، بعمق 35 كم، وهو ما رفضته الولايات المتحدة، وفي زيارة، خاطفة، من مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، ووزير الخارجية الأمريكي، تراجع إردوغان، فوراً، عن تنفيذ خطته. فهل سيلتزم إردوغان، هذه المرة أيضاً، بالقرار الأمريكي، والضغوط الأوروبية، المستنكرة للتدخل التركي بليبيا، والتي تؤكد على ضرورة وقف إطلاق النار، والوصول لحل سياسي، بإشراف أممي، وهو ما يفرض على إردوغان الخروج من المعادلة.
أما السيناريو الثاني، فيدور حول تمسك إردوغان بغطرسته، ورعونته السياسية، والاستمرار في دعم السراج بالميليشيات المرتزقة، ودفعهم في اتجاه سرت، للاستيلاء على المدينة، أو حتى أجزاء منها، لتقوية الموقف التفاوضي للسراج، عند إجراء أي مفاوضات مستقبلية، وهو السيناريو الذي أتوقع أن يفكر إردوغان في عواقبه ملياً، إذ سيدفع نفسه لمواجهة المجتمع الدولي، الرافض لتدخله في ليبيا، وإلى صدور قرار من الأمم المتحدة، بوقف أعمال القتال، فوراً، كما سيدفع نفسه لمواجهات داخلية، لا تصب في مصلحته الانتخابية، في ظل رفض المعارضة التركية، لتدخله في ليبيا، وما صرح به أحمد داوود أوغلو، رئيس وزراء إردوغان الأسبق، بأن مواجهة تركيا لمصر، في ليبيا، لن تكون في صالح تركيا.
أما السيناريو الثالث، والذي أستبعد، شخصياً حدوثه، فيتمثل في إصرار إردوغان على مهاجمة سرت والجفرة، بقواته المرتزقة، لا لكسب موقف تفاوضي، وإنما للاستيلاء، الفعلي، على ثروات الشعب الليبي، ولتهديد الأمن القومي المصري، وهو ما ستتصدى له القوات المسلحة المصرية، بالتدخل المباشر، في ظل شرعية تدخلها، المصدق عليها من البرلمان، والشعب المصري، والمؤيدة من المجتمع الدولي، الذي أتوقع، حينها، أن يضطلع بمسئولياته في محاولة لتفادي تلك المواجهة العسكرية المباشرة.