بقلم الكاتب مصطفي كمال الامير
بداية ربما علينا في مصر تعليم أولادنا تاريخ آبائهم وأجدادهم في العصر الحديث وإيجازه
في خمس حروب هي ( ١٨٨٢ التل الكبير ضد الإنجليز – حرب فلسطين ١٩٤٨- العدوان الثلاثي ١٩٥٦ حرب السويس – هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧ – نصر ٦ اكتوبر ١٩٧٣ )
وخمس ثورات هي ( ثورة عرابي ١٨٨١ – سعد زغلول ١٩١٩ – ناصر ١٩٥٢ ) ثم ثورتي ٢٥ يناير ٢٠١١ و ٣٠ يونيو ٢٠١٣
وكانتا بدون زعماء حقيقيين للثورة مما إدي الي اختطافهم من الإخوان وقيام الجيش باستردادها وتصحيح مسارها تلبية لرغبة الشعب المصري
منذ ثورة العبيد في الامبراطورية الرومانية بقيادة المصارع سبارتاكوس طلباً للعدالة والحرية من عبودية طبقة النبلاء وقادة الجيش والقياصرة الملوك
ثم نهايتها الماساوية بمقتل سبارتاكوس نفسه واختفاء جثته وتعليق رفاقه الثوار فوق الأعمدة علي طول الطريق من ارض المعركة حتي العاصمة روما وهم مصلوبين حتي الموت قبل ٧٠ عاما من ميلاد السيد المسيح عيسي عليه السلام
الإنسان دائماً في حالة صراع مستمر دفاعاً عن ارضه و وجوده وحريته سواء من ظلم الاستعمار
أو ضد كل نظام استبدادي ظالم للخلاص منه
والوصول الي اليوتوبيا والمدينة الفاضلة
لكن الواقع مختلف تماماً بدليل اختلاف رفقاء السلاح والنضال ضد الاستعمار بعد تحرير بلادهم
كما حدث في بلاد كثيرة منها أفغانستان بعد تحريرها من الروس السوفييت ثم قتالهم مع بعضهم آنذاك وحتي تاريخه مع حركة طالبان
وكذلك في المغرب بعد تحريرها من الفرنسيس والأسبان لكن زعيم ثورة الريف عبدالكريم الخطابي لجأ بعدها الي مصر حتي مات ودفن فيها
وكما كان في جنوب السودان بعد استقلالها عن الشمال وكانت الحرب الأهلية الدامية بين سيلفا كير ونائبه رياك مشار
وصولا ً الي السراب في الثورات الشعبية حول العالم لتغيير أنظمة الحكم ويتمثل ذلك في سوء نتائجها العكسية التي قامت من اجلها الثورة بكل مثالية وحسن نية ممن اشعلوا فتيل نار هذه الثورات فيكونون هم من اول ضحاياها ومجرد وقود وحطب لنار هذه الثورة المقدسة
التي لا تتحول الي نورا لدفع الظلم عن الكادحين والمظلومين المقهورين
إلا بعد سنوات طويلة تزهق فيها الأرواح وتسيل فيها الدماء التي تبدأ إعادة ترتيب طبقات المجتمع ما بين الصعود للفائزين والهبوط للخاسرين
وذلك بعد التحول من أنظمة اغلبها ملكية الي أنظمة جمهورية شعبوية تتاجر بأحلام البسطاء والعامة من الناس بشعارات تلهب حماسهم ومشاعرهم
لكنها لا تسد جوعهم ولا تروي عطشهم او تحقق أحلامهم في الجمع بين الخبز والحرية وصولا الي يوتوبيا المدينة الفاضلة الخيالية
والأمثلة كثيرة في عصرنا الحديث بدءاً من الثورة الفرنسية التي نجحت في إسقاط الملكية الفرنسية العريقة
لكنها قطعت رقاب عشرات الألاف من الفرنسيين المواليين للملكية بما فيهم رأس الملكة الأخيرة ماري أنطوانيت قطعت بالمقصلة الفرنسية الشهيرة
تحولت فرنسا بعدها للنظام الجمهوري بعد حقبة حكم نابليون بونابرت الذي بدا مرحلة فرنسا الاستعمارية لدول الشرق وأفريقيا السمراء واسيا الصفراء
وحتي امريكا ( ولاية لويزيانا ) وكندا ( مقاطعة كيبك )
وكانت ثورة العبيد الزنوج في امريكا شمالا وجنوبا الذين تم شحنهم كالحيوانات في سفن اوروبا مع جشع تجار العبيد البيض الذين قاموا بنقلهم الي العالم الجديد بكل وحشية مقيدين بالأغلال الحديدية وإلقاء جثثهم في المحيط طوال رحلة المرور المريرة عبر الأطلسي وهو ما سجلته روايات عديدة اشهرها قصة ( الجذور ) وبطلها كونتا كينتي ومناضلين آخرين مثل مالكولم أكس ومارتين لوثر كينج ومانديلا وصولا الي معجزة وصول اول رئيس اسود للبيت الأبيض في أمريكا وهو باراك أوباما الرئيس 44 في تاريخ أمريكا القصير
ثم الثورة البلشفية عام 1917 لطبقة العمال في روسيا بزعامة فلاديمير لينين ضد ملكية ال رومانوف الذين تم إعدامهم
تم بعدها تطبيق الفكر الشيوعي الماركسي لكارل ماركس الذي استفادت منه طبقة أخري جديدة تماماً من بروليتاريا الحزب الشيوعي والأمانة المركزية لعشرات السنين
قبل ثبوت فشل هذه النظرية تماماً حتي داخل روسيا نفسها وطريقة الحكم التي كانت تتمثل في تركيز كل الموارد الطبيعية والطاقات البشرية في يد القطاع العام والدولة المركزية التي تقوم بإعاشة المواطن وتوفير احتياجاته الأساسية مع قمع حريته في التعبير وحرية العقيدة مع انعدام روح الابتكار والمنافسة في دولة الخوف التي انهارت بعد سياسة المصارحة ( جلاسنوست ) للرئيس الأخير قبل تفكك دول الاتحاد السوفييتي ميخائيل جورباتشوف والكتلة الشرقية لحلف وارسو قبل ربع قرن بعد انهيار سور برلين ثم توحيد ألمانيا ( الشرقية والغربية ) ثم تفكيك دولة يوغسلافيا الي اربع دول ( صربيا وكرواتيا وسلوفينيا والبوسنة ) وتشيكوسلوفاكيا الي جمهوريتي التشيك والسلوفاك
في عام ١٩١٧ كانت ثورة الضابط التركي مصطفي كمال اتاتورك ضد الخلافة العثمانية العتيقة في تركيا الذي حولها الي جمهورية علمانية وقام بالغاء الطربوش التركي الاحمر الشهير وحول اللغة التركية من الحروف العربية الي اللاتينية الغربية وأغلق المساجد وحولها الي متاحف ومنع الأذان والصلاة للمسلمين وجذورهم الضاربة في البانيا والبوسنة والدول الأخري التي كانت تحت السيطرة التركية لعقود طويلة
وتزامنت معها ثورة أخري مضادة للأتراك هي ثورة القبائل العربية بمساعدة ضباط مخابرات بريطانيا ( لورانس العرب ) أملا في التحرر من الاحتلال العثماني لكنهم وقعوا بعدها فريسة سهلة لتقسيمهم بين البريطانيين والفرنسيين والايطاليين والأسبان وللاحتلال الجديد من إسرائيل لفلسطين العربية في ١٩٤٨
ثم قامت ثورة الأحباش في إثيوبيا ضد الإمبراطور هيلاسلاسي وقيام الجمهورية الإثيوبية برئاسة مانجستو هيلامريام مع رفيقه الاريتري اسياس افورقي الذي طالب بعدها بانفصال إرتيريا عنها لتصبح بعدها إثيوبيا دولة برية مغلقة بدون موانيء بحرية ثم نشوب الحرب الطاحنة بين البلدين منذ ١٩٩٨ لعشر سنوات مما إدي الي انتشار المجاعة وتفشي الأمراض الوبائية هناك
ثم التصالح معاً مما خول آبيي أحمد في الحصول علي جائزة نوبل للسلام عام ٢٠١٩
وكانت الثورة الخمينية في ايران في عام ١٩٧٩ ضد نظام الشاه رضا بهلوي الذي تخلي عنه كل حلفائه في أمريكا والغرب واستضافه الرئيس السادات في مصر تقديرا لتعاونه معها بالبترول والباصات الإيرانية
مما إدي الي تأمر ايران ( الإسلامية ) علي قتل الشهيد السادات بعدها بعامين فقط في ٦ اكتوبر ١٩٨١
هذه الثورة الإيرانية التي أعدمت عشرات الألاف من المعارضين الايرانيين علي أعواد المشانق أسست للدولة الدينية ودخلت في حروبا عبثية مدمرة مع العراق وقامت بمحاولة تصدير الثورة الي دول البحرين والكويت ولبنان واليمن والعراق
وحتي في السعودية التي تعاني الأمرين منها حاليا
ثم قيام الثورة الإندونيسية ضد الرئيس سوهارتو الذي كان مناضلا مع الزعيم سوكارنو ضد الاستعمار والاحتلال الهولندي الطويل لأكبر دولة إسلامية سكانيا التي استقلت عنها جزيرة تيمور الشرقية بعد هذه الثورة
سوهارتو الذي حكم جزر الهند الصينية ( اندونيسيا ) لعقود طويلة بعد الاستقلال قبل محاكمته قضائيا ( تماماً كما حدث نفس السيناريو مع مبارك الذي لم يأخذ منها العظة والعبرة )
لكن بلاده تخلفت اجتماعيا واقتصاديا عن النمور الآسيوية الأخري في ماليزيا المجاورة وجزيرة سنغافورة والعملاق الصيني والياباني
وكانت قبلها ثورة شعب الفليبين ضد الديكتاتور فرديناند ماركوس وزوجته ايميلدا التي دارت حولها الأساطير ثم انتخاب كورازون أكينو أرملة الزعيم المعارض اكينو الذي تم إعدامه قبل الثورة وتوالي الرؤساء بعدها علي الفليبين التي فشلت في اللحاق بجيرانها ( ماليزيا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية والصين واليابان )
والثورة الرومانية من الشعب الغاضب ضد الزعيم الروماني نيكولاي شاوشيسكو الذي تم إعدامه في الشارع مع زوجته ايلينا بعد محاكمة ثورية صورية سريعة جداً
لكن الأوضاع في رومانيا لم تتحسن كثيرا بعد هذه الثورة بل ظهرت طبقات أخري أكثر فسادا
وصولاً الي سراب الثورات العربية حالياً التي سرت كالنار في الهشيم العربي
ودعوها زوراً وبهتاناً بالربيع العربي المزعوم لعدم مروره علي فلسطين المحتلة من إسرائيل
وكان قبلها سقوط سياد بري في الصومال ثم اعدام صدام حسين في العراق ثم ثورة الياسمين وسقوط بن علي في تونس
وثورة اللوتس وسقوط مبارك في مصر
ثم الثورة الدموية علي القذافي في ليبيا وعبدالله صالح في اليمن
ثم الحرب الأهلية الطاحنة في سوريا لإسقاط بشار الأسد
لكن النتيجة جاءت سلبية ومختلفة تماماً عن الأحلام الوردية للثورة ومن دعموها بالمال والسلاح والاعلام
فسقطت كل هذه الدول ( عدا مصر ) في مستنقع الدماء و الفوضي الشاملة وانهيار الدولة بعد نزع كل عناصر الاستقرار السياسي والاقتصادي عنها
حتي تركها العالم تواجه مصيرها المحتوم بالتقسيم والضياع كالريشة في مهب الريح
درس عملي من التاريخ الحديث
الربيع الاوروبي لدول أوروبا الاشتراكية بدأ مع سياسة المصارحة ( برسترويكا وجلاسنوست ) للرئيس الأخير قبل تفكك دول الاتحاد السوفييتي ميخائيل جورباتشوف والكتلة الشرقية لحلف وارسو قبل ربع قرن بعد انهيار سور برلين
ثم توحيد ألمانيا ( الشرقية والغربية )
ثم تفكيك دولة يوغسلافيا الي اربع دول ( صربيا وكرواتيا وسلوفينيا والبوسنة ) وتشيكوسلوفاكيا الي جمهوريتي التشيك والسلوفاك
وتفكك دول الاتحاد السوفيتي وتركت روسيا وحيدة
وتقسمت اوكرانيا وجورجيا
وانفصلت تيمور الشرقية عن اندونيسيا وتقسم السودان بين الشمال والجنوب وإقليم دارفور في الطريق
الوحدة والرخاء والقوة للغرب
بينما علينا نحن في الشرق والجنوب تقسيم بلادنا لإضعافها بالحروب الأهلية
كذلك المؤامرة الدولية الحالية علي مصر من اثيوبيا وتركيا
وتزامن أزمة سد الألفية مع تدخل تركيا في ليبيا المتواطئة مع تنظيم إخوان ابليس بعد تجريمه في خمس دول عربية
لعمل كماشة علي مصر العظيمة وذلك بسرقة غازها ومياهها
إذن قواعد اللعبة واضحة لمن يريد ان يري الحقيقة
الكاتب مصطفي كمال الأمير
ختاماً مع كلمات سبارتاكوس الأخيرة كما تخيلها الشاعر الراحل أمل دنقل
“وليس ثَمَّ من مَفَرٍّ
لا تحلُموا بعالَمٍ سعيدْ
فخلْفَ كلِّ قيصرٍ يموتُ
قيصرٌ جديدْ
وخلْفَ كلِّ ثائرٍ يموتُ
أحزانٌ بلا جدوى
ودمعةٌ سُدى