كتبت/مرثا عزيز
الإخوان اختفوا من المفاوضات ولأنهم ظالمون ابتلاهم الله بالأكثر ظلماً، وأراد الله أن يسقيهم من نفس الكأس التى أرادوا أن يسقوا بها الناس، حيث يظهر «الإخوان» بجانب «جبهة النصرة» باعتبارهم «منفلتين»، وأراد الله أن يبتليهم بالأشد منهم، ليقول لهم إن الخط الذى بدأوا به ليس صحيحاً، ما يدل على ذلك أن «النصرة» و«داعش» يقولون إن الإخوان كفار، ويقتلونهم فى أرياف حلب عندما دخلوها، وحينما رأوا الجيش الحر قتلوا منه أكثر مما قتلوا من الجيش السورى.
د. محمود عكام: شباب من جبهة النصرة قالوا لى: «نعلم أننا متورطون وعلى خطأ ولكن لا مجال للعودة»
■ كيف بدأت وانتهت جهودكم للتفاوض مع جماعة الإخوان لحل الأزمة السورية فى مهدها؟
– تربطنى علاقات صداقة ومعرفة بقيادات الجماعة، وبيننا علاقات مقبولة وجيدة، ففى عام 2010 تلقيت كتاباً رسمياً من أحد أعضاء مجلس شورى الجماعة مقيم فى لندن، باسم المرشد العام للإخوان المسلمين فى سوريا، يوضح أن الجماعة تريد أن تتعاون مع الدولة، ووقتها عرضت الرسالة على بعض المسئولين فى سوريا، وطلبت منهم أن يرسلوا الرد المناسب، لكن تأخر الرد لفترة كانت قيادات الجماعة تلاحقنى خلالها.
فى 2014 كنا توصلنا لاتفاق نهائى للمصالحة ووقع محافظ حلب نيابة عن الرئيس الأسد لكنهم فى آخر لحظة تراجعوا بعدما أمرهم داعموهم من أجهزة المخابرات التركية والغربية بعدم التوقيع
وعندما بدأت الأزمة فى مصر، مع بدايات عام 2011، كتب أحد الإخوان السوريين، من المعجبين بى، رغم اختلافاتنا، رداً على مقال لى للتعليق على ما حدث فى مصر، وطالبت فيه بترك تعبير «إسقاط النظام»، واستبداله بـ«إصلاح النظام»، وقال «نريد أن نصلح النظام كما قال الشيخ الشعراوى فى يوم من الأيام: لا نسعى لأن نَحكم بالإسلام، ولكن نسعى لأن نُحكَم بالإسلام».
وأضاف أن الجماعة تسعى لأن يطمئن أصحاب الكراسى على كراسيهم، وعندما تنحى الرئيس المصرى حسنى مبارك عن الحكم، قلت لإخوان سوريا «ما رأيكم أن تأتوا الآن؟»، فقالوا «لا، فالموضوع انتهى، وسنأتى سوريا فاتحين على حصان أبيض»، وعندها رددت عليهم «حصان أبيض أو حصان أسود، أنا هنا، لكن لا أعرف إذا كنت سأستقبلكم وقتها أم لا»، فهم كانوا يتمنون أن يكونوا مع سيادة الرئيس بشار الأسد، وتحت أمره، ورهن إشارته.
■ إذاً كانت بداية التفاوض قبل «الربيع العربى»؟
– بالضبط، فنحن كنا نفاوض عبر وسطاء، وكنت متوجساً من الجماعة، وأتحدث معها بحذر، لكن فى عام 2014 كنت تحدثت مع قيادات فيها بوضوح، وقلت لهم عبر الهاتف «ماذا تريدون فى النهاية؟، أنا لو قلت كلمة الحق فماذا يمكن أن تفعلوا أكثر من قتلى؟، إذا حدث ذلك فهو حكم الله، لكنكم جماعة لا تبغون بعملكم وجه الله».
ودخلنا فى جولات تفاوض طويلة، بعضها وصل عدد الجلسات فيها إلى 27 جلسة، وكان يأتى لنا قيادات من جبهة النصرة، كما تفاوضنا مع الجبهة الشامية، والإسلامية، وأحرار الشام، واكتشف أن بعضهم مغرر به، ويتم اللعب به، والبعض وقع تحت مطرقتهم، وأصبح خائفاً على نفسه من التراجع عن الطريق، حيث جاءنى أشخاص منهم، وقالوا «والله العظيم نعلم الآن أننا على الطريق الخطأ، لكننا تورطنا»، ثم حكوا لى عن اجتماعاتهم مع السيناتور الأمريكى جون ماكين فى باب السلامة.
كثير من المسلحين أبلغونى تبرأهم من المعارضة فى الخارج وقالوا: «لا يمثلوننا»
■ هل حدثت تدخلات دولية لإيقاف عجلة المصالحة؟
– نحن كنا نسير فى طريق المصالحة، ووصلنا إلى نقطة مهمة، وهى نقطة التوقيع على الاتفاق بين الجانبين، حيث وقع محافظ حلب نيابة عن الرئيس الأسد، لكن بعد 20 يوماً من الانتظار وصلنا منهم رد يؤكد أنهم لن يستكملوا الاتفاق، ويوقفون المفاوضات، لأن داعميهم يرفضون هذه الخطوة، فالمخابرات التركية كانت حاضرة بقوة مع هذه التنظيمات، وموجودة معهم فى مكاتب واضحة، بالإضافة إلى أجهزة مخابرات أخرى غربية ودولية.
■ من يدعم هذه التنظيمات؟
– كتبت مقالاً فى السابق بعنوان «من داعميهم تعرفونهم»، اقتباساً من جملة «من ثمارهم تعرفونهم»، والحقيقة أن من يأتينى لا أسأله عمن يدعمه، وإنما أقول له ببساطة «من أنت؟»، البعض قال لى «يدعمنى الأتراك»، وهم الإخوان، والبعض قال «حماس تدعمنى»، وهذه منظمة إخوانية كنت أحذر الناس منها، وهناك من قال «يدعمنى سعد الحريرى»، أو يدعمنى الأمير سلمان أو الأمير عبدالله أو أمريكا أو البريطانيون.
وكنت أرد عليهم «لماذا هؤلاء يدعمونك؟، هل يريدون الإسلام؟، فليطبقوه فى بلادهم»، هل تريدوننى أن أصدق أن من يدعمهم لا يريد الخير لبلاده؟، أنا إنسان بسيط من حلب، من حى صغير، وأتكلم ببساطة، لذلك أقول: إذا كان هؤلاء يدعمونك، هل يريدون للإسلام الصحيح الذى تحمله على حد زعمك أن يكون حاكماً فى سوريا؟، ما أظن ذلك، ولو كانوا حريصين على الإسلام لأقاموا الإسلام فى قطر.
على سبيل المثال، عندما ربحت قطر تنظيم كأس العالم 2022، كانت فرحتها أكثر من الفرحة بنزول القرآن على النبى، وفى إحدى المرات قالت لى زوجتى «هؤلاء يشوهون الإسلام»، فقلت لها «هؤلاء يستفيدون من الإسلام، هل رأيتِ مزوراً لا يزور إلا القيم، مثل الذهب؟، هل رأيتِ مزوراً يزور الرخيص؟»، هؤلاء زوروا الثمين لأنهم علموا أن هذا الثمين له تأثير، فلو دخلوا باسم الجبهة النضالية لن ينجحوا، لذلك دخلوا باسم الإسلام، رغم أنهم لو دخلوا باسم الجبهة النضالية لكنت أيدتهم.
■ هل لديك معلومات عن وجود توافق فى البداية بين «داعش» و«الإخوان»؟
– لا أعرف، لكن أظن أن «داعش» يمثل لغزاً كبيراً، وأنا سمعت من أحد الأشخاص وصفاً للتنظيم أعجبنى كثيراً، قال فيه إن «داعش هو تجمع لأحقاد العالم»، وأنا قلت مرة إننى أعرف بعض الأشخاص من جبهة النصرة والإخوان، لكن حتى الآن ما رأيت من قال لى إنه من «داعش»، وهو كاشف وجهه، فـ«داعش» بالنسبة لى لغز.
أدرت مفاوضات طويلة مع أحرار الشام وجبهة النصرة وصلت لـ27 جلسة وحكوا لى عن اجتماعاتهم مع جون ماكين فى باب السلامة لتنسيق المواقف
■ لماذا لم تفكر خلال المفاوضات فى التعامل مع الكبار فى الخارج؟
– المشكلة أن المسلحين الذين كانوا على الأرض قالوا لنا أكثر من مرة إننا مستقلون ولا علاقة لنا بهؤلاء الذين يدعون المعارضة من الخارج، وعندما أعربت عن عدم اقتناعى بهذا الكلام قالوا لى نحن متفقون فى الرؤى والأهداف ولكن لا نعترف بهم كقادة لنا، والحقيقة أنه لا رباط بينهم، فمثلاً ائتلاف الدوحة فى «خطر مش قطر»، وائتلافات أخرى فى تركيا وسمعت قبل ذلك كلام الرئيس بشار الأسد لما سئل فى لقاء صحفى وسؤاله عن مروان غليوم قال لا أًعرفه لا يوجد كبير بينهم، الكبير هو الذى يمولهم ويرسم أهدافهم ويوجهها، فمثلاً رياض أحجابى زوجته مش معترفة به. والحقيقة أن قادتهم الحقيقيين أجهزة أمنية فى بلاد شتى المشكلة أن عدد الائتلافات المعارضة فى الخارج أصبحت أكثر من عدد فصائل المسلحين على الأرض، الأمور كلها اختلطت ببعضها البعض.
■ كنت أحد الذين شاركوا فى مفاوضات إخراج المسلحين من حلب وكنا نرى الأوتوبيسات الخضراء التى تنقل المسلحين وأسرهم ولا نفهم، كيف نضع مسلحاً وعائلته فى أوتوبيس مكيف ونخرجه إلى مدينة أخرى ليحارب من جديد؟
– تعلمت فى حياتى أنه لا يجب أن نقيس حالة مع حالة أخرى، ولا يجب أن نعاقب المدنيين والأسر بما فعل المسلحون فمثلاً إدلب تختلف عن حلب، أنا أعرف عدداً من المدنيين ذهبوا لتركيا وبعض المسلحين يريدون أن يسووا وضعهم بعد أن وجدوا أن بعض داعميهم تخلوا عنهم لانشغالهم بأمور أخرى، فالآن ما يحدث فى إدلب لا أعرفه ولكنه لن يكون كما حدث فى حلب على الإطلاق الكل يعترف بأن حلب أم المعارك بسبب الوجود التركى والحدود الطويلة، تركيا تركز بشكل أساسى على حلب والموصل، وهم يحلمون بعودة الفتوحات العثمانية، وحلب أصعب من أى مدينة أخرى لأنها المدينة الثانية فى سوريا وهى المدينة الأولى فى كثرة الفصائل وجبهة النصرة وأحرار الشام نشآ فى حلب وغيرها والأتراك يمدونهم، نصر حلب تباشير النصر ونسعى لريف حلب وإدلب وريف حلب الشرقى وكنا نتحدث لا نقول النصر.
■ لماذا تمسكت بالبقاء فى سوريا رغم الحرب الشرسة التى شهدتها؟
– الوفاء والإيمان بالقدر ما أقعدنى فى سوريا، وقالوا لى إن أردت أن تكون محموداً، فكن محموداً هنا، فأنت لن تكون محموداً إذا خرجت، وأنا قلت ذرة كرامة فى بلدى تعادل ألف ذرة كرامة خارجها، وألف ذرة إهانة فى بلدى، تساوى ذرة إهانة واحدة خارجها، وإذا كنت أسعى للنجاة من الموت، فانه سيأتينى فى أى مكان أكون فيه.
حذرت من «حماس» لأنها منظمة إخوانية وكانت تدعم تنظيمات مسلحة تقاتل فى سوريا
وإذا كنت أسعى للنجاة من الإهانة، لم أكن لأحقق ما حققته هنا من كرم، والدليل على ذلك الواقع الذى أنا فيه، وحمدت الله على هذا، وكنت أقول لربى «خيرنى واختر لى»، وأنا مسلم يتبع تعاليم الدين، ومن جملة هذه التعاليم اتباع ما يختاره الله، واستشارة العقلاء، فما خاب من استشار، وما ندم من استخار، لذلك استخرت ربى، فوجدت نفسى هنا، واستشرت العقلاء، فقالوا لى نحن مرابطون معك، إن سافرت سافرنا، وإن بقيت بقينا، فقلت لنفسى واجبى الآن أكبر، لأننى أصبحت منظوراً مقتدى بى، فهل تريدنى أن أخرج حتى يخرج هؤلاء؟، فبقيت.
■ أنت مفتى المدينة فى اعتقادك لماذا دمروا المسجد الأموى رغم أهميته التاريخية؟
– هم الحقيقة لم يختاروا المسجد الأموى بل ضربوا بعشوائية وهذه نزلت على الأموى حتى لا يقول الناس هم من فخخوا المئذنة وعمرها كذا وكذا بل يمكن أنهم يريدون ألا يبقوا فى حلب قداسة حتى تروح القداسة للأشياء التى لا تستحق ذلك، وبعد ذلك بعد ذهاب القداسة عن هذه الأماكن فمن باب أولى أن تزول عن الأشخاص كعكام وغيره.
■ كنت واحداً من الذين يديرون المدينة خلال سنوات الحرب كيف تعايشتم مع ظروف الحرب الصعبة؟
– لم يكن ذلك بشكل رسمى، لكن كنا نلتقى دون تخطيط شكلى، فالهموم كانت تجمعنا، فعندما كنا نبحث عن خبز كنا نلتقى على باب المخبز، وهذا هو التشكل، أنا لا أؤمن بالعمل الجماعى وإنما بالعمل الفردى، لأن العمل الجماعى يجعلك تصبح كسولاً، لأنك تنتظر شخصاً آخر أن يفعل، وكنت أقول للشباب التلقائى «إذا أردنا الإصلاح، فعلينا بالانبعاث الفردى»، مثلما فعل الزعيم جمال عبدالناصر.
وأنا أتحدث عن العمل العام، لن أنتظر أحداً يقول تعالَ حتى نخطط، وإنما سأبذر 500 بذرة، وإذا خرجت بذرة منها للحياة فهذا طيب، عشت وتعايشت مع كل الظروف الصعبة مثل كل مواطنى حلب الشرفاء الذين بقوا فيها، وعندما حاول بعض الشباب أن يأتوا بمولد كهربائى لمنزلى بعد انقطاع الكهرباء منذ سنوات، رفضت، ولم أرد أن يكون لدى ما ليس لدى الآخرين، واستقبلت المحافظ وقيادات الشرطة على أضواء الشموع، وعملنا كلنا معاً من أجل أن نعيش، فعملى كان تجميعياً وليس جماعياً.
■ هل تفاجأت عندما دخلت حلب الشرقية بعد سيطرة الجيش العربى السورى عليها نظراً لكم الدمار الهائل بها؟
– لا، لم أتفاجأ، كنت أعرف حقيقة الأوضاع داخل الجزء الشرقى من المدينة من خلال الصور وعبر مقاطع الفيديو التى كانت تصلنى، وكنت أحزن على الطفل الذى قتلوه أكثر من حزنى على تدمير قلعة حلب، أنا لست مع المبانى وإن كنت أحبها، ولكنى مع الإنسان، فلو خيرونى بين مرض إنسان خطير أو تخريب القلعة لاخترت تخريب القلعة والجامع الكبير والكنيسة الإنجيلية من أجل أن يشفى ويطيب هذا الإنسان، فالأصل هو الإنسان.
رغم القصف المتواصل لحلب على مدار شهور طويلة، رفض مفتى المدينة، الدكتور محمود عكام، أن يغادرها، مفضلاً أن يعيش مع قلة من الأهالى تحت القصف، فيما تولى الوساطة فى المفاوضات بين العديد من الفصائل، ما منحه «ثقلاً شعبياً»، حوّله فى بعض الأوقات إلى الحاكم الحقيقى للمدينة المنكوبة. خلال زيارة «الوطن» إلى حلب «المدمرة»، كان اسم «عكام» يتردد على ألسنة الجميع، بوصفه أحد أكثر الوجوه تأثيراً فى المدينة، وفى حوار مع مفتى حلب، حكى تفاصيل المفاوضات التى قادها مع جماعة الإخوان لحل الأزمة السورية فى بدايتها، مؤكداً تدخل أطراف خارجية لإفشال هذه المفاوضات، بينها المخابرات التركية وأخرى غربية.