بقلم محمد نبيل محمد
استراتيجية تحصين الوعى وبناء الفكر(٦)
محاولات الآخر لترويج الأكاذيب لتضليل الوعى العام
نستكمل الآن مساعى الآخر فى هدم العمود الثانى للإعلام وبالطبع ليس بآلية مسلسلة ونمط متتالى, بل كما ذكرنا عن سياسته فى تحقيق التشكيك والهدم للثوابت والتى تقوم تلك السياسة على مبدأى الحشد لكل طاقاته الممكنة والعمل بالتوازى لا بالتتالى حتى يتم تحقيق استراتيجيته (متعة القتل) فى توقيت متسارع, ومن هنا كان سعيه فى التشكيك والهدم لمثلث الثقافة الدينية مساوياً وموازياً لهدم الأعمدة السبعة المُؤسسة للإعلام حتى يتسنى له تقويض عناصر القوة الناعمة, وبالتالى تحقيق السياسة الثانية بعد “التشكيك والهدم” وهى “الإحلال”, والقصد هو استبدال الذى هو مستورد وشر وأدنى بالذى هو أصيل وخير وقيّم, وورد فى المقال السابق فقدان الإعلامى لقدراته فى البقاء بذاكرة ووجدان الإنسان الجمعى, وسقوط أول الأعمدة المُؤسسة لإعلام واهى ضعيف, والآن يأتى الدور على العمود الثانى وهو”المصداقية”, وبمعنى آخر قدرة منصات الإعلام أن تطول جميع جمهورها دون إستثناء بالتأثير الإيجابى فى الرأى والمعتقد للجمهور المتلقى على تنوعه الديموجرافى, وبالتالى فى تبنيه سلوك يتفق وأهداف الرسالة الإعلامية, وتشير أدبيات الإعلام التى تُنظّر لمصداقية الإعلام بأشكاله ووسائله المختلفة ما بين المرئى والمسموع أوالمتلفز, إلى الإذاعى عبر الأثير, ثم المطبوع المقروء نهاية بالإعلام الإليكترونى, وثمة توافر عناصر محددة فى ممارسات الإعلام لتتحقق المصداقية ومن أهمها على الإطلاق الدقة وهى مراعاة الإعلامى لدقة المعلومات الواردة فى رسالته فلا تكون معلومات فضفاضة أو مرسلة أو لا أصل لها, بل محددة واضحة صريحة, وثانى عناصر المصداقية هى الموضوعية أو قدرة الإعلامى الإحترافية على تجنيب آرائه الشخصية وعدم خلطها بمضمون الرسالة وعملياً المقصود هو عدم التأثير بالرأى على الجمهور المتلقى وتركه وحده أمام إعلام صادق دقيق غير ملون ليختار المتلقى إلى أى اتجاه سيقوده رأيه إليه , وثالثاً تأتى صحة الخبر أو الرسالة الإعلامية داعمة للمصداقية لدى الجمهور فلا ينبغى أن نتحدث عن أكاذيب وأوهام وظلال لا أصل لها فى الوجود الإنسانى عدا خيال الإعلامى أو حصيلة عناءه الزائف بحثاً عن الحقيقة, وربما كان للمعالجات الإعلامية للعديد من الأحداث ذات الأهمية والتأثير فى الرأى العام الجمعى كحادثة رصيف نمرة 6, والتى كشفت تلك المعالجات الإعلامية عن عوار فاضح للإعلام منذ بدايتها وحتى انتهاء آثارها فلا كان الإعلام سبّاقاً فى نقل الحدث من موقعه وترك الساحة للإعلام الوافد والدخيل ليكون مصدراً للمعلومات عن حدث مصرى على أرض مصرية تتناقله وسائل الإعلام الغربى والمجاور فى شماتة تؤذى الوجدان العام للمصريين, ناهيك عن بث سموم الشائعات السوداء استغلالا للحدث وفجاعته واستكمالاً لمحاولات الهدم المنظم والمخطط من جانب أعداء الوطن, وتبدأ عمليات التأثير بالإعلام الممنهجة ببث فيدوهات مفبركة ومجتزئة تقود العربة المعصوبة وتثير وتقلب الرأى العام بلا هدف وطنى واعى وتؤجج المشاعر استثماراً للدماء الذكية تحت شعار “قولة حق أُريد بها باطل” والمفعول به هو المواطن الذى إنكشف ظهره بإنسحاب الإعلام المحلى والقومى سواء الرسمى منه والخاص كلاهما خانا المواطن وتركاه فريسة أنياب إعلام وافد مضلل لم يختلف كثيراً الأمر فى التاريخ القريب عندما أعلنت البى بى سى مقتل ما يقرب من الخمسين عنصراً للامن الوطنى فى حادثة الواحات وتلطّم المواطن بين إذاعات وقنوات الغرب المتقطرة أنيابها بالدماء, وكهدف سهل ومستضعف لمنصات إعلام الشرق الأدنى التى خانت عروبتها وإن كانت فى حجم علبة الكبريت! حتى حسمت القوات المسلحة الأمر بإعلانها مهاجمة العناصر الإرهابية والإفراج عن العنصر الأمنى رقم 19 حياً ولم تتم مقاضاة البى بى سى وغيرها ممن روجوا الإشاعات المثبطة لعزيمة المصريين ولم تتم مواجهة منصات الشرق الأدنى بزيف أعلامهم وأكاذيبهم المضللة للرأى العام, ولأن إعلامنا الذى يذكر التاريخ – فقط ! – إنه من أهم أسلحة القوة الناعمة ليس لمصر وحدها بل للعروبة وللعالم الثائر ككل, أصبح محل الرثاء, فلا رد من سلاح فسد وارتدت داناته للخلف! عندما فقد مصداقيته ومبادرته الوطنية وحرفيته المهنية وضعف آداءه إلى الحد الذى جعله ينسحب من ميدان معارك الجلين الرابع والخامس تاركاً الأرض والمجال والوجدان والعقل لإعلام أسود يحارب المصريين اللذين حُرموا من التحصن خلف درع الإعلام الوطنى الغائب! نعود للمصداقية التى جانبت الإعلام فى كل أخباره حتى بعد واقعة محطة مصر يتجاذب نجوم التوك شو ترشيحات تعين وزير للنقل من بين عداد الأموات تماماً كما كانت الكوميديا تسخر من انتخابات العهد البائد ومن توقيعات مرشحين أموات لرموز سياسية الآن جوّد الإعلام آلياته ورشح أمواتاً لتولى حقائب وزارية مازلت أكرر “أيها الخجل أين حمرتك” وتنافست المواقع الإخبارية وشكلت الأكاذيب مظلات حمقاء لنجوم الإعلام أصحاب الملايين حتى إن أحدهم يتقاضى نظير كذبه بالعملة الصعبة وليست عملة بلاده ويدعى الوطنية ليل نهار مُزايدة على هذا الجمهور المسكين المطحون بين مطرقة إعلام الغرب والشرق ذو الأهداف الهدامة, وسندان إعلام كاذب فاقد للمصداقية على الإطلاق, ونتحدث فى النهاية عن بناء الوعى للجماهير, وحاضر آلية البناء الكذب, وسلاح الإعلام يُسقط قذائفة بزاوية 90 درجة (فوق رؤوسنا), وهكذا إنهار العمود الثانى للإعلام وإلى اللقاء فى مرثية الإتاحة (العدد فى اللمون!) فى المقال القادم(إن شاء الله) أسباب إنهيار بقية الأعمدة السبعة للإعلام.