كتبت/مرثا عزيز
“يجب أن أُعدَم لأنك إذا أطلقت سراحي من السجن سأسفك المزيد من الدماء”.. طلب قالته بمنتهى الجسارة أمام القاضي، لتنهي بيدها حياتها التي قضتها في التجول بين طرقات الشوارع وأروقة الشرطة ودفن الجثث في الغابات، بعد أن أيقنت أنه لا مفر من الجريمة لتنفيس غضبها، الذي جعل منها “سفاحة أمريكا الأولى”.
“أيلين ورنوس”.. اسم ما زال يتمتع بصدى مخيف لسكان ولاية فلوريدا الأمريكية، بعد أن أشاعت صاحبته الخوف بينهم في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، التي تعتبر أول امرأة ترتكب سلسلة من جرائم القتل في الولايات المتحدة، ليصدر بحقها 6 أحكام بالإعدام، في 1992، بتهمة قتل رجال ألقتهم في الشارع، ونفذ الحكم في 2002 باستخدام الحقنة المميتة، لتكون الـ56 التي ينفذ فيها ذلك الحكم في أمريكا، وثاني امرأة في فلوريدا.
طفولة “سفاحة فلوريدا” الشنيعة كان لها بالغ الأثر في حياتها، فمنذ ميلادها عام 1956، بمدينة روشستر بولاية ميتشجان الأمريكية٬ هجرتها والدتها ووالدها، لتعيش في كنف جديها اللذين كانا يعاملاها بطريقة سيئة؛ وطرداها نتيجة تعرضها للاعتداء الجنسي في الرابعة عشر من عمرها وولادتها لطفل غير شرعي بأحد المستشفيات للأم غير المتزوجة بأمريكا، لتبدأ حياتها في التدهور منذ تلك اللحظة.
لجأت الطفلة “أيلين” في تلك الفترة إلى العيش بالسيارات الخردة وممارسة الجنس من أجل المال وإدمان المخدرات والكحليات، وخلال تلك الفترة للعديد من المشكلات مع الشرطة وتوجيه اتهامات لها من بينها التزوير والسرقة والقيادة تحت تأثير مخدر، وهو ما دفعها للانتقال إلى فلوريدا، وهي في العشرين من عمرها، لتلتقي فيها رجلا مُسنا يبلغ السبعين عاما، إلا أن ذلك الزواج لم يستمر سوى شهر واحد فقط بسبب ضربه لها بالعصا.
لم تتمكن “أيلين” بعدها من العيش بطريقة سوية أيضا، ففي نهاية عام 1986، التقت إحدى الفتيات المثليات وتدعى “سيلبي وول”، وعاشا سويا لمدة 4 أعوام، حتى اعتقالها، وفي تلك الأثناء وحتى مطلع التسعينيات، وجدت الشرطة بشكل غريب ومتكرر جثثا لضحايا من الرجال مقتولين على الطريق السريع وبين الغابات وسط وشمال ولاية فلوريدا، إلا أنهم لم يتمكنوا من التوصل إلى الجاني في ذلك الوقت، إلى أن تلقوا في مساء شهر يوليو عام 1990، بلاغا من شهود عيان يفيد بامتلاك “أيلين” و”سليبي” سيارة أحد الضحايا، حيث كانتا تستعملان بطاقات هوية مزيفة في ذلك الوقت، وسرعان ما تم اعتقالهما.
أنكرت “أيلين” كل القضايا في بادئ الأمر وادعت كونها بريئة وأنها قتلتهم بمحاولتهم التحرش بها واغتصابها عنوة، حتى إنها صرخت بوجه القاضي في إحدى المرات، قائلة: “أنا بريئة سلبتم عمري وسوف أنتقم”، وفي تلك الأثناء شهدت “سليبي” ضد عشيقتها “أيلين” خلال التحقيقات، لتعترف الأخيرة بعد فترة طويلة بارتكابها جرائم القتل السبع باستخدام الرصاص الحي لغرض السرقة، على خلاف غيرها من السفاحين، وأكدت أنها تفضل الإعدام ورفضت دفاع المحامين عنها.
ليصدر بحقها عام 1992 حكما بالإعدام بالحقنة القاتلة، ويتم تنفيذه في صباح يوم 9 أكتوبر 2002، وبعد وفاتها تم إحراق جثتها وتسليم رمادها إلى صديق طفولتها “داون بوتكينس” الذي أخذ الرماد ونثره على أشجار غابة ميتشغان التي قضت طفولتها فيها، بحسب وصيتها.
“الغضب المخيف يكمن تحت كل شيء فعلته”.. كانت كلمات “سفاحة فلوريدا” الأخيرة التي عللت بها ما آلت إليه حياتها والجرائم الشنيعة التي قامت بها، ونجحت من خلالها بكسب تعاطف البعض بسبب الحياة التعيسة التي عاشتها، وتم عرض قصتها ببرنامج “أوبرا وينفري”، فضلا عن إنتاج فيلم “الوحش” عام 2003، من بطولة تشارليز ثيرون التي حازت عنه على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن ذلك العام.