حين تتناول دواء عبر الفم أو الوريد لا يذهب فقط إلى موضع المشكلة ومكان المرض، بل ينتشر في كامل الجسم ويذهب لكافة الأعضاء من خلال الدورة الدموية.

وهذا يعني أن الحبة التي تأخذها للصداع ستذهب للكبد والكلى والقلب والغدة الكظرية وووو وتتسبب بآثار جانبية غير مطلوبة.

والحقيقة هي أن لجميع الأدوية مضاعفات وآثاراً جانبية حتى حين تؤخذ بحسب تعليمات الطبيب أو الجرعات الموصى بها.. ومن الأقوال التي تختصر هذه المفارقة قول عالم الصيدلة الألماني غوستاف كوشينسكي:”حين يدّعي أحدهم أن دواءً ما لا يملك آثار جانبية ضارة، تأكد أنه لا يملك آثار علاجية نافعة”…

وفي بلد متقدم مثل بريطانيا تقتل الآثار الجانبية للأدوية عشرة آلاف شخص كل عام (حسب محطة الBBC). ويقدر أن شخصاً من بين 16 يدخل المستشفى بسبب التأثيرات الجانبية الضارة وأن 28 على الأقل يموتون سنوياً بسبب ردود فعل سيئة لعقارات بسيطة كالأسبرين (في حين كان نزيف جدار المعدة أكثر المسببات انتشاراً). ويقدر الباحثون أن 70% من الحالات كان يمكن تلافيها لو كان الأطباء أكثر حذراً في اختيار الأدوية وأكثر مراعاة لسن المريض وتاريخه المرضي (ولاحظ يتحدثون عن أطباء بريطانيا!)

أما حول العالم فيقدر أن 240000 يموتون سنوياً بسبب مضاعفات الأدوية وردود فعلها القاتلة. وهذا الرقم لا يتضمن ردود الفعل المعيقة وغير المميتة (كالعمى والشلل وضعف الكبد ومشاكل التنفس) كما لا يتضمن الآثار القاتلة للعقاقير المزورة أو التي أسيء استعمالها!

والحقيقة هي أن التأثيرات الجانبية للأدوية من تحسس وتسمم وتسرطن وأعراض مختلفة أصبحت هي المشكلة الصحية الأولى في عالم اليوم (وليس الإيبولا أو فيروس الخنازير والطيور وووو التي تحظى دائماً بتغطية إعلامية واسعة رغم أنها لا تقتل مايقتله الإسهال كل عام)!

أما المضحك المبكي فهو أن كثيراً من الأدوية التي تنتجها الشركات الكبرى غير فعالة بشكل كامل أو جزئي ومع هذا تتضمن آثاراً جانبية سيئة.. فعقاقير الزهايمر مثلاً لا تفيد سوى واحد من كل ثلاثة مرضى، وأدوية السرطان والإيدز لا تنفع إلا ربع المرضى، وأدوية الصداع النصفي والتهاب المفاصل والتهابات الأذن ومعظم المضادات الحيوية التي لا تفيد سوى نصف المرضى.

والسبب الأساسي يعود إلى اختلاف المورثات بين البشر وحقيقة أنها تتداخل لدى البعض بطريقة تقلل أو تلغي فعالية بعض الأدوية.. وفي المقابل؛ قد تفسر هذه الحقيقة أيضا لماذا تتحول بعض الأدوية المسالمة والموثوقة الى أدوية خطيرة وقاتلة عند بعض المرضى حيث يمكن أن تتسبب حبة اسبيرين أو بنادول في نزيف حاد أو غيبوبة قاضية!

كنت أتمنى امتلاكي نصيحة ناجعة أقدمها لكم قبل انتهاء المقال؛ ولكن الحقيقية هي أن الآثار الجانبية للأدوية ظاهرة يصعب تجاوزها بسبب التركيبة المعقدة لجسم الإنسان ذاته وترابط أعضائه من خلال الدورة الدموية.. أقرب نصيحة مفيدة هي محاولة التقليل منها قدر الإمكان، ثم المقارنة بين محاسن ومساوئ أخذها حين تضطر إليها!

وفي جميع الأحوال لا غنى عن استشارة الطبيب.